المغرب الكبير

ولد الطلبة رئيس حزب الجبهة الشعبية الموريتاني ل”مشاهد”: هذه نقاط ضعف علاقات المغرب مع موريتانيا

خص محمد محمود ولد الطلبة رئيس حزب الجبهة الشعبية الموريتاني جريدة “مشاهد” بحوار شامل تطرق فيه بالخصوص إلى العلاقات المغربية الموريتانية ونقاط الضعف فيها،وقضية الصحراء، ومستجدات الفضاء المغاربي، وخيار التعاون جنوب- جنوب. نص الحوار:

تتأرجح العلاقات المغربية الموريتانية عادةً بين مدٍّ وجزرٍ، إلا أنها تحافظ دائمًا على منسوب كبير من الدفء. كيف تقيم مستوى العلاقات الديبلوماسية اليوم بين البلدين، لا سيما وأن المنطقة تعرف تحولات جيو سياسية متسارعة وكبيرة؟

من وجهة نظري الخاصة، وحسب تجربتي السياسية، التي كان لي شرف أن أبدأها مع سياسيين موريتانيين معروفين، وعلى رأسهم حمدي ولد مكناس الذي كان وزير خارجية موريتانيا أيام الرئيس المختار ول داده، فإن الجيل الأول الذي أسس الدولة الموريتانية، سواء اختلفنا معه أو اتفقنا معه، كان بالنسبة لنا نحن الجيل الذي أتى بعده مدرسة حقيقية.

من خلال النقاشات التي تعتمل اليوم في الساحة، يظهر لي، من الناحية المبدئية، أن هذه الأرض التي تسمى الصحراء تربطها علاقات تقليدية وطيدة وعميقة مع الدولة المغربية ومع الملوك العلويين. وتتجلى هذه العلاقات في الجانب الروحي من خلال الطريقة التيجانية، وأيضًا من خلال البيعة، والبيعة لها مكانتها القانونية والروحية، على أساس أن البيعة قائمة على مبدأ الولاء، والولاء جزء من العقيدة. وعندما نتكلم عن العرش العلوي، فنحن نتكلم عن مؤسسة إمارة المؤمنين، وبالتالي عن كل ما يترتب عن العلاقة مع هذه المؤسسة، وهو الأمر الذي نجده كذلك عند كثير من الموريتانيين.

الغريب أن الجزء الكبير من الموريتانيين، وهو ما لم ينتبه إليه المغرب إلى حدود اليوم للأسف، يتواجدون بالمناطق الشرقية في الحدود مع مالي التي لها امتداد مع “تمبوكتو” (أتحدث عن منطقة النعمة ومنطقة العيون، ومنطقة لعصابة)، فهذه الولايات الثلاث تشكل تقريبا %70 من ساكنة موريتانيا، إلا أنه ورغم المكانة الروحية والعقائدية للعرش العلوي لدى أهالي هذه المناطق، فإننا نسجل غيابا شبه كلي للمغرب عنهم، وكأنهم خارج حساباته، ولم يتقربوا إليه يوما. ودليلنا على ذلك أنه لا يوجد في هذه الولايات الثلاث أي مسجد، أو زاوية، أو مستشفى، أو مدرسة بناه المغرب، ولا حتى أدنى حضور، وبأي حال من الأحوال، سواء كان حضورا ثقافيا أو صحيا.. بينما كل الدول الأخرى لها على الأقل شيء ما.

المغرب، ومن وجهة نظري، اهتم، وركز بالخصوص على منطقة “الترارزة” في موريتانيا، وأساسا على مجموعات محددة من هذه المنطقة. ولذلك فعندما نطرح السؤال عن سبب عدم نجاح المغرب في علاقاته مع موريتانيا، أو نجاحه في حدود معينة، فإن الجواب سنجده مثلا في وضعية “مجلس علماء غرب أفريقيا” الذي أسسه المغرب، على اعتبار أن الجانب الموريتاني ممثل فيه بخمسة أو ستة أشخاص، لكنهم ينتمون إلى قرية واحدة، ومن مجموعة قبلية واحدة، بل من مجموعة أسرية واحدة، وكأن الموريتانيين الآخرين لا مكان لهم في حسابات المغرب، وهذا أمر لاحظه الكثير من الموريتانيين ويتكلمون عنه.

والأكيد أن هذا الوضع هو الذي جعل ساكنة هذه المناطق في موريتانيا يعتقدون أن المغرب قد وضع يده في يد السنغال ضد الدولة الموريتانية، والغريب أن أكثر من يقوم بتسويق هذا الزعم هم سكان المناطق المتاخمة للسنغال، وفي مناطق أخرى تسمع الناس يتحدثون عن عدم وجود المغرب بموريتانيا، وكأن المنطقة وساكنتها خارج حسابات الدولة المغربية.

الأمر من وجهة نظري، إذن، يستدعي إنجاز المغرب لدراسة معمقة في الموضوع، بعيدا عن بعض الحساسيات والموروثات التقليدية، لأن علاقات المغرب للأسف منحصرة مع مجموعة معينة منذ ستين سنة، سواء من حيث اكتتاب الطلاب، وحتى الموظفين داخل السفارة كلهم من جهة معينة، بل حتى من حيث الأشخاص الذين تتم دعوتهم للحضور في الأنشطة في المغرب. ما الذي سيخسره المغرب غدا إذا قام ببناء مسجد في العيون؟ أو مستشفى في لعصابة؟ أو مدرسة في النعمة؟ الوضع يقتضي إذن أن يعيد المغرب دراسة مدى فاعلية تواجده في المنطقة، لا سيما وأن العلاقات التجارية للولايات الشرقية التي تحدثت عنها، أي ولايات العيون، والنعمة، ولعصابة، تمتد على حدود العديد من الدول الأفريقية.

ما الذي يجب على المغرب أن يفعله إذن؟

حسب تصوري الشخصي دائما، فإن على الدبلوماسية المغربية، وخاصة الدبلوماسية التقليدية، أن تتجه نحو ممارسة أكثر فاعلية وفعالية. لأنني أرى أن الدبلوماسية الرسمية عديمة الجدوى في هذه المناطق.

فالناس لا يزالون قبليين إلى حد بعيد، وهم بالتالي في حاجة لمن يفهم طريقة تفكيرهم حتى يتمكن المغرب من الوصول إلى الأسر التي ينتمي إليها أصحاب القرار. فالقوة الحقيقية لموريتانيا، وأصحاب القرار هم القبائل وليس الأحزاب السياسية. الأحزاب لم تستطع أن يكون لها نفوذ كبير، إنما الذي يمتلك القوة هم الأسر، والقبائل. وبالتالي يجب على المغرب أن يعيد دراسة الوضع، وأن يسترد علاقاته، ويعيد بناء إستراتيجيته السياسية. لأن سكان هذه المناطق التي تكلمنا عنها هم القائمون بأعمال التجارة مع مالي، وبوركينافاسو، والكوت ديفوار، على اعتبار أن الزنوج غير متعودين على التجارة. فتجار هذه المناطق مثلا هم المتحكمون في تجارة المواد الغذائية في كل غرب أفريقيا. وهم بالتالي سفراء، بمعنى من المعاني، وقادرون على تقوية التبادل التجاري للمغرب في كل هذه المناطق في حالة ما إذا استطاع المغرب أن تبني معهم علاقات جديدة، وبمفهوم جديد. لكنهم في المقابل يستطيعون التسبب في نتائج عكسية، وهذا أمر لا يصب في صالح المغرب، لا سيما أمام التوجه الاقتصادي المغربي القائم على خيار الانفتاح على أفريقيا جنوب الصحراء عبر ميناء مدينة الداخلة الأطلسي.

وأقترح على المغرب في هذا الموضوع أن يسارع إلى إنشاء لجنة، يعهد غليها القيام بزيارة ميدانية للمنطقة وإعداد دراسة في الموضوع، وعلى أساسها تبني سياستها تجاه المنطقة.

الواضح أن سبب التوتر السياسي الوحيد بين البلدين هو النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، ويبدو أن هذا النزاع الذي عمَّر طويلًا قد كلف المنطقة برمتها، ولا يزال، ثمنًا باهظا. في نظرك، ما هو الحل السليم للخروج من هذا المأزق الكبير؟

يجب التذكير بأن حركة البوليساريو تأسست من موريتانيين، باستثناء الوالي مصطفى السيد. فمصطفى الدرويش مثلا من مواليد شنقيط، ومحمد بابا ولد أحمد مسكة كان ممثلا لموريتانيا في الأمم المتحدة، وبقية الآخرين أيضا.. إذن أدرى الناس بحل هذا المشكل هم الموريتانيون، وذلك باعتبار أنهم من نفس المجموعة السكانية القبلية. المغرب اعتمد على القبائل الموجودة على الحدود، مثل الركيبات.. وبعض مكونات هذه القبائل ليس في مصلحتها أن يحل المشكل، وأقولها للأسف الشديد. لأنك تجد الواحد منهم أحد إخوته في البوليساريو، والأخ الثاني مسؤول كبير في المغرب، ومعنى ذلك أنهم يستفيدون من الصراع. المجموعات التي لديها ولاء تقليدي للمغرب، والتي دفعت دماءها وقتلت منهم الجزائر الكثير، مثل سكان تيندوف الذي لا يزالون ينعتونهم بلفظ “المراركة” مهمشون. المغرب للأسف، وإلى حدود الآن لم يعتمد على القبائل التي تستطيع أن تجد الحل المناسب للقضية، بل لا يزال يعتمد على الطغمة المتمرسة، والتي ليس في صالحها حل مشكل الصحراء، جلهم مهربون، وأغلبهم من عائلات موريتانية، ولدوا في الزويرات ولم يأتوا إلى العيون إلا في السبعينات، ووضعوا لأنفسهم برنامجا، واستطاعوا أن يعتاشوا منه. الأكثر من هذا للأسف، وسأقولها بشكل صريح، أنهم وضعوا أيديهم على مقدرات المنطقة، وتسببوا في ظلم كبير لساكنة العيون.

الناس الذين يعتمد عليهم المغرب في موريتانيا لا يمثلون شيئا، ولا وزن لهم، لا في البرلمان ولا في السلطة. المتحكمون في السلطة وفي البرلمان ينتمون إلى مجموعة أخرى لا علاقة للمغرب بها، المغرب للأسف اكتفى بدور المتفرج. الجانب الاقتصادي كما قلنا يلعب دورا كبيرا أيضا. في أفريقيا نتحدث عن مالي وما وراء مالي، وهذا الأمر يجرنا إلى التذكير بأن %90 من التجار في الدول الأفريقية هم موريتانيون، وتحديدا من منطقة الولايات الثلاث التي تحدثنا عنها آنفا، وهم الوحيدون المتحكمون في مفاصل الاقتصاد الموريتاني أيضا، لكن هم خارج حسابات الفاعل الاقتصادي المغربي، ولم يكسبهم إلى صفه.

عندما لا تكون عندك مكانة في الصحراء وفي أي مكان آخر، كيف سيكون رد فعلك؟ للأسف يكفي فقط أن تكون “اركيبي”، أو من قبيلة كذا، أو قبيلة كذا، أما أن تكون من القبائل التاريخية المعروفة للوطن الأم المغرب، فأنت ليس لديك الحق. يتم التعامل معك بمنطق “أنت ديالنا”.، بمعنى أنه يكفي أنك “ديالنا” للقول بأنك لا تستحق أي شيء، وألا تكون عندك مكانة داخل مراكز القرار في الصحراء أو في أي مكان آخر، فأنت دائما مهمش. كيف ستكون ردة فعلك؟ الكثير منهم عادوا إلى موريتانيا، بل ومنهم من يدعم الآن البوليساريو. لأنه على الأقل يستفيدون ماديا من البوليساريو، وهذه المجموعات الجزائرية. استفادوا منهم بالتهريب الذي يمتهنونه من المخيمات نحو موريتانيا، ذلك بأن لهم اسواقا كبيرة هنا في نواكشوط، ولهم ممتلكات هائلة. تلك المجموعات التي كان لها ولاء شديد للمغرب، استدرجتها البوليساريو، وجعلتها شريكا في التجارة، وجعلتها اليد التي تضرب بها داخل موريتانيا، وتوظفها في تعقيد المشكل داخل موريتانيا وعلى الحدود، حيث يتم استنزاف موريتانيا والمغرب على حد سواء. القضية إذن تحتاج إلى تفكير، وتحتاج أن يتولاها أناس يكون همها الحقيقي هو محاربة هذه المجموعات الانفصالية. الطريقة المنتهجة لمعالجة ملف الصحراء اليوم سبق للمغرب أن جربها منذ 1976، لكنها أبانت عن أنها طريقة غير ناجحة.. الكل اكتشف أن عناصر من تلك القبيلة تخون دائما. نحن جميعا في صالحنا أن يتم حل هذه القضية، وبالدرجة الأولى موريتانيا، لأنها تكلفنا الكثير، فالتنمية تعرقلها هذه القضية. الصراع بين المغرب والجزائر له طابع مغاير، لكن الأدوات المستعملة هي مجموعة “البيظان” . مجموعة الصحراويين المتواجدين في الجزائر استطاعت الجزائر أن تفرضهم، وتشكل منهم هذه الجمهورية الوهمية، أو هذا الكيان الوهمي، والذين عادوا منهم إلى المغرب استفادوا أكثر. المنطق الذي يعالج به هذا الملف منطق غريب، فلكي تستفيد يجب أن تكون ممن حمل السلاح ضد المغرب. بل إن حتى بعض أولئك الذين عادوا اليوم إلى المغرب لا تحركهم الروح الوطنية، وإنما الذي يحركهم هو الاستفادة، بل الأكثر من ذلك هو أنهم المتسببون في القلاقل التي تحدث في الصحراء، رغم التنمية الكبيرة التي حصلت، مبدأهم يمكن اختصاره في قولهم إن “المخزن إذا تسببت له في المشاكل ينعم عليك، وإذا كنت مواطنا صالحا فلن تحظ بشيء”. وهنا يتجلى الخطأ.

على المغرب إذن أن يعتمد على القبائل المعروف بأنها وطنية، ومهمشة، وعلى النخب الموريتانية التي عبرت عن اقتناعها بعدالة الموقف المغربي، والاعتماد على المناطق التي ينحدر منها اصحاب النفوذ، وقد سبق لي أن تحدثت عن الولايات الشرقية الثلاث. (الرئيس منها، ورئيس الوزراء منها، وكذلك قيادات الجيش..)، وليس على القبائل غير الوازنة.

شهرًا واحدًا بعد عودته إلى المنتظم الأفريقي، قدم المغرب طلب انضمامه إلى “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا” (إيكواس – سيدياو)، لكن يبدو أن الدول الأعضاء في المجموعة ما تزال، إلى حدود اليوم، متخوفة من قبول هذا الطلب رغم أنها قد بدأت تتجه نحو اعتماد عملة بديلة للفرنك الأفريقي المرتبط بالبنك المركزي الفرنسي. ما الذي يجعل هذه الدول تتردد في قبول عضوية المغرب بشكل نهائي؟ هل يمكننا الحديث عن فيتو فرنسي مثلا؟

معروف أن اعتماد “الإيكو” عملةً بديلة عن الفرنك الأفريقي، مجرد تغيير في الاسم فقط، أما الهدف فقد بقي واحدا. الكثير من الدول ما زالت محافظة على عملاتها الوطنية، والانقلابات التي وقعت في مالي، وبوركينافاسو، والنيجر، جعلت الأنظمة الجديدة تنشئ هي الأخرى عملاتها الخاصة، وهذا ما أدى إلى تقهقر نفوذ فرنسا.

وحسب تقييمي للعلاقات المغربية الفرنسية، يمكنني القول بأنها علاقات غير جيدة، مما يعني أن لفرنسا يدا في عدم قبول انضمام المغرب إلى حدود الآن إلى الإيكواس. فمن المؤكد أن فرنسا تملك فيتو قويا في الدول الأخرى، لا سيما في السينغال وموريتانيا وكوت ديفوار، فضلا عن بقية الدول التي بدأت تعتمد عملة الإيكو. والجميع يعلم أن فرنسا هي القوة الاستعمارية صاحبة التأثير في هذه الدول، إن لم تكن هي التي صنعتها، والمتحكمة في نخبها، لذلك لن تذخر جهدا في عرقلة انضمام المغرب. علاوة على هذا العامل، هناك أيضا عامل خوف تلك الدول من تبعات انضمام المغرب إلى تلك المنظمة، على اعتبار أن المغرب دولة قوية، وذات وزن تاريخي واقتصادي قوي، كما أن لها تأثيرا كبيرا في التنظيمات التي تكون عضوا فيها. فالمغرب ليست كبقية الدول الأخرى ذات العضوية في الإيكواس.

لكنني أشك في إمكانية استمرار اعتماد هذه العملة الجديدة، أقصد عملة الإيكو، وأظن أن هذه الدول الثلاثة التي بدأت تعتمدها لن تستمر في ذلك، على اعتبار أن تأثير فرنسا في صناعة قراراتها لا زال قويا، كما أن لديها علاقات وطيدة مع مجموعة من القوى التقليدية، ومع رؤساء المدن والقرى والقبائل، وليس سهلا التخلص من هذا النفوذ، كما لا يجب أن ننسى أن فرنسا هي الشريك الأساسي لهذه الدول في تنميتها، فضلا عن حضورها الثقافي القوي.

في ظل تعثر الوحدة المغاربية، هل يمكن لهذا الفضاء الاقتصادي الغرب أفريقي أن يشكل بديلًا للمغرب عن الفضاء المغاربي المعلق، في حال ما إذا ما حظي بالموافقة النهائية لعضويته؟

من وجهة نظري الخاصة، يمكنني الجزم بأن الوحدة المغاربية مستحيلة. الحق أنها لم تكن هناك وحدة من الأساس، بل إن فكرة الوحدة نفسها قد ولدت ميتة، إذا ما أخذنا في الحسبان أن القاعدة التي طرحت عليها لم تكن مدروسة، ولا كانت مبنية عل أساس سليم تستطيع بفضله أن تستمر. الأمر في نظري لا يعدو أن يكون محض أحلام كانت تراود القذافي، الذي كان يرغب في تحقيقها عبر دفع الأموال الطائلة لبعض الدول المحتاجة. ومن هذا المنطلق أستطيع الجزم بأن الأمر لم يكن يتعلق سوى بتصرف غير مدروس، وبالتالي لم يعد له أي صدى، لا سيما بعد أن أقدمت الجزائر على طرح قضية الصحراء، وتعرض ليبيا للتفتيت حتى لم تعد دولة، هذا فضلا عن الضعف الشديد الذي أصاب تونس، وهي كلها عوامل تظافرت لتدفع دول المغرب الكبير إلى الاهتمام بأوضاعها الاقتصادية.

بناء على هذا الأساس صار البديل بالنسبة للجميع هو إفريقيا، بل إن كل دول العالم غير المنتمية للمغرب الكبير طبعا قد توجهت هي الأخرى إلى أفريقيا، وهذا أمر يبدو جليا في سياسات المغرب. الجزائر بدورها بدأت تفتح البوابات والطرق بينها وبين النيجر، أو بينها وبين كل من مالي وموريتانيا، حيث أدركت أن المستقبل الاقتصادي قد صار في دول الساحل والصحراء، وهو الأمر نفسه الذي أدركه المغرب من خلال إقدامه على إنشاء عدة موانئ، لا سيما ميناء الداخلة الأطلسي، مما جعل المملكة تتوجه لتصبح أكبر قوة اقتصادية مصدرة لأفريقيا، وقد بدأت بالفعل في تصدير منتجاتها لموريتانيا، والسنغال، ومالي.. وبالتالي فالبديل الواضح صار هو دول الساحل والصحراء. وإذا ما تمعنا في هذه المعطيات، فإننا سندرك أن الوحدة المغاربية لم تعد مطلبًا حتى بالنسبة لشعوب المنطقة، بل صارت هذه الوحدة غير مجدية، ومفتقدة لأية آفاق يمكنها أن تعطي المردودية المرتجاة للشعوب، خصوصا حين نستحضر الوضع الذي تعيشه بعض الدول المغاربية، التي سارت مفلسة إن لم نقل إنها ميتة.

يبدو أن خيار العلاقات جنوب – جنوب، صار خيارا استراتيجيا للمغرب، لا سيما على مستوى انفتاحه على عمقه الأفريقي. ما هي قراءتك لتقدم مشروع أنبوب الغاز “نيجيريا – المغرب”؟ وما هي انعكاساته المحتملة على اقتصادات دول غرب أفريقيا، وعلى الخريطة الجيو – إستراتيجية في المنطقة؟

الحقيقة أن العلاقات “جنوب – جنوب”، قد أصبحت واقعا لا بديل عنه، وليست مجرد خيار. فحسب ما نرصده، فإن دول الجنوب قد بدأت تهتم بالتجارة البينية فيما بينها. وذلك ما ظهر بقوة في أنبوب الغاز النيجيري المغربي كما قلتم، وانعكاساته واضخة.

ومعظم هذه الدول كما نعلم تنفق ما بين %15 إلى %20 من مداخيلها على الغاز، وبالتالي فمن الأكيد أن هذا الأنبوب سيساهم في تنمية هذه الدول بشكل قوي، لأنه سيستعمل في الحاجيات الأساسية للبيوت، ولكن أساسا في الطاقة، أي بمعنى الإنتاج الكهربائي.

فمحطات الغاز معروف عنها أقل تكلفة، وهو ما سينعكس على سوق الكيلواط الذي نعرف جميعا أنه سوق مرتفع التكلفة في هذه الدول. فإنشاء مصنع مثلا، وتغذيته بالديزل، أي تشغيله بمولدات الكهرباء المستعملة اليوم، يعتبر أمرا مكلفا، وذلك بالنظر إلى أن فاتورة الكهرباء ستكون مرتفعة بنسبة 20% من التكلفة الإجمالية. ومن ثمة فإن من شأن إنشاء الأنبوب، الذي سينطلق من نيجيريا إلى المغرب، أن يكون له انعكاس مباشر على اقتصادات الدول التي سيمر منها، حيث ستبدأ في استعمال الغاز أكثر، وبالتالي ستصبح تكلفة الكهرباء رخيصة، مما يعني إمكانية تطور اقتصادات هذه الدول عبر إنشاء المصانع، واستعمالها للآلات الكهربائية غير المكلفة، وهو ما سيفضي في النتيجة إلى تحقيق نهضة تنموية حقيقية، سواء في القطاع الصناعي، أو في القطاع الفلاحي، والمشاريع الصغرى، ولكن قبل كل شيء، في تحقيق رفاهية مواطني هذه الدول.

حاوره: عبد الله الفرياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *