وطنيات

بوصوف : هذه رسائل غياب أو حضور الملك في القمم العربية

توجّهت عدساتُ شبكات الإعلام العالمية إلى مطار علياء بالأردن، بعد أن راج خبر حضور جلالة الملك محمد السادس لأشغال القمة العربية الـ28 يوم 29 مارس 2017 بالأردن، خاصة بعد زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للمغرب منذ أيام قليلة قبل تاريخ انعقاد القمة سالفة الذكر..

وتعود آخر مشاركة شخصية لجلالة الملك محمد السادس إلى قمة الجزائر سنة 2005 وقبلها قمة بيروت سنة 2002، أي غياب دام 12 سنة؛ لكنه لم يحضر لقمة الأردن (مارس 2017). وبهذا، يُكرس تقليدا تكرر في أكثر من قمة عربية..

إن حضور أو غياب جلالة الملك عن القمم العربية يحمل أكثر من رسالة، يُمكن تشفيرها من خلال بلاغ الديوان الملكي بمناسبة قمة الدوحة سنة 2009، أو من خلال بلاغ وزارة الخارجية المغربية بمناسبة الاعتذار عن تنظيم الدورة العادية رقم 27 سنة 2016 والتي ستنظمها موريتانيا في السنة نفسها.

وقد تضمن البلاغان معا لغة نقدية لاذعة، حيث جاء في الأول (2009) أن مؤتمرات القمة العربية تحولت إلى منبر للخطابة فقط، ولم تعد تتخذ القرارات المُجدية. أما البلاغ الثاني (2016)، فقد جاء فيه أن عقد القمة سيكون “مجرد مناسبة للمصادقة على توصيات عادية وإلقاء خُطب تُعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين دول العالم العربي”..

وللتاريخ، فإن البلاغ الأول جاء قبل أحداث الربيع العربي وما حمله من تغييرات سياسية وأيضا من تداعيات لم تتحدد معالمها النهائية إلى حد الساعة. أما على مستوى النتائج، فإنه يُمكننا القول إن القمم العربية تحولت إلى “سوق عُكاظ”، حيث تلاوة البيانات والخطابات الرنانة ونسخ كربونية لبيانات سابقة وسابقة..

العديد من المحللين جعل من فرضية حضور جلالة الملك إلى قمة الأردن إعلانا عن نهاية مرحلة وبداية أخرى، وأن القادة العرب لديهم أخيرا إجابات واقعية عن واقعهم المثقل بمشاكل لا حصر لها وعلى أكثر من مستوى؛ فنسبة البطالة وسط الشباب العربي مثلا وصلت إلى 29 في المائة، كما أن ثُلث السكان العرب في العالم هم أقل من 30 سنة، وأن الدول العربية ملزمة بخلق حوالي 60 مليون فرصة عمل داخل عشر سنوات لاستيعاب الشباب العربي.. أما المبادلات التجارية بين الدول العربية فتتراوح بين 8 في المائة و10 في المائة فقط…!

من جهة أخرى، فتكرار غياب ملك المغرب عن القمة العربية شكل ناقوس إنذار قبل وبعد الربيع العربي، ويُمثل اليوم مقدمة النقاش لتغيير ولتحيين ماهية الجامعة العربية والعمل العربي المشترك والتضامن العربي والقواسم المشتركة العربية وأيضا للقومية العربية والمصير المشترك… وغيرها من المصطلحات التي استهلكت في سياق تاريخي معين…!

لذلك، فبلاغ الديوان الملكي بمناسبة قمة قطر سنة 2009 وكذا بلاغ الخارجية المغربية سنة 2016 جاء جريئا وصريحا وتضمن قراءة واقعية لقمم لا تُعبر عن الواقع العربي… وعدم حضوره في قمة الأردن مارس 2017 هو تأكيد على أن لا جديد في الساحة، وأن زمن المجاملات لا يزال يتمدد..

والمشاركة المغربية “الصامتة ” في قمة الأردن هي رسالة جديدة غير مشفرة، وأن ما يحتاجه العالم العربي اليوم هو “الصمت المُتكلم”؛ لأننا نحتاج بالفعل إلى الإنصات إلى ذواتنا ودواخلنا، إلى نبض الشارع العربي، وإلى صوت التاريخ والجغرافية وصوت المنطق..

بصمت بليغ، عبّر جلالة الملك في القمة العربية رقم 28 بالأردن عن صدى الشارع العربي من الخليج إلى المحيط؛ لأننا نحتاج وسط كل هذه “الفوضى الخلاقة” إلى ترتيب أولوياتنا وترتيب أوراقنا، نحتاج إلى بعض الوقت للتأمل مع ذواتنا دون مغالطتها..

لأن الشارع العربي يحتاج إلى إجابات واقعية لكل مشاكله، سواء المتعلقة بالإرهاب العسكري والأمني والفكري.. ونحتاج إلى الصمت لتعداد قتلانا في كل الحروب العربية-العربية، وتضميد جرحانا بكل من ليبيا واليمين والعراق، ووصول الأزمة السورية إلى عامها السادس… والنزوح الجماعي لملايين المهاجرين نحو أماكن آمنة في مخيمات دول الجوار أو نحو الدول الأوروبية..

المشاركة المغربية “الصامتة” في قمة البحر الميت بالأردن مارس 2017 تعبر عن موقف الشارع العربي، وعن انتظاره لإجابات فورية لمستجدات دولية تتعلق بالقضية الفلسطينية خاصة مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض وتصريحه بتحويل مقر سفارة أمريكا من تل أبيب إلى القدس، وتعاظم دور دول غير عربية كتركيا وإيران مثلا في شؤون عربية، وأصبحا لاعبيْن محورييْن في كل نقاش عربي سواء حول سوريا أو اليمين أو فلسطين أو لبنان..

أما المغرب وبعيدا عن البحث عن أدوار البطولة أو القيادة في العالم العربي تخلى عن تنظيم الدورة الـ27 سنة 2016؛ لكنه بالمقابل تعهد بمواصلة عمله الدؤوب في خدمة القضايا العربية العادلة ومحاربة الانقسامات الطائفية التي تغدي الانغلاق والتطرف..

وقول من هذا القبيل، لا يُمكن إدخاله في خانة الاستهلاك الإعلامي المجاني أو دغدغة للشعور العربي؛ بل لنا في أعمال الوساطة في الملف الليبي، وفي “اتفاق الصخيرات”، وأيضا المستشفى العسكري الميداني بمخيم الزعتري بالأردن وزيارة العاهل المغربي كأول قائد عربي يزور اللاجئين السوريين في أكتوبر 2012 وتقديم الدعم الصحي للاجئين السوريين، وأيضا وصول طائرات مغربية محملة بمساعدات غذائية وطبية للسوريين…

لكن تبقى أعمال وكالة بيت المال التابعة للجنة القدس برئاسة جلالة الملك محمد السادس وما تقوم به من عمليات ترميم المسجد الأقصى والمباني الأثرية بالمدينة المقدسة دليلا آخر على العمق العربي والتماهي في قضية فلسطين قضية العرب الأولى..

ولن ينسى له الشعب التونسي تجواله في شوارع تونس مباشرة بعد أحداث الربيع وما عرفته السياحة التونسية من ركود، حيث حمل تجواله كسائح مظاهر الأمن والاستقرار بتونس ومُشجعا للسياح للعودة إلى تونس الخضراء..

لكل هذا، لم نستغرب للعديد من التحليلات التي جعلت من حضور جلالة الملك محمد السادس لقمة الأردن في مارس 2017 مؤشرا وعلامة النجاح، وعدم حضوره يعني انتظارية أكثر للمواطن العربي وتأجيلا غير مقبول للإجابة عن انتظارات المواطن العربي، وبالموازاة مع ذلك تُسيطر بيانات بلاغية تصدر هنا وهناك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *