مجتمع

لوموند: مداخيل “الحشيش” في المغرب بلغت قرابة 100 مليار دولار في 2016

ذكر تقرير لوزارة الخارجية الأميركية أن نسبة إنتاج القنب في المغرب قد ارتفعت سنة 2016؛ ليدخل إلى خزينة المغرب قرابة 100 مليار دولار، أي ما يعادل 93 مليار يورو.

إلا أن الخبيرة الاقتصادية كنزة أفساحي، أشارت لجريدة لوموند الفرنسية إلى أن إنتاج القنب في المغرب يشكل نسبة 23% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.

واعتبرت أفساحي أن هذا الرقم الكبير ليس سوى غمامة سوداء تُخفي وراءها حقائق معقدة حول زراعة القنب في المملكة وكيفية تحويل هذه المادة الأولية.

الخبيرة الاقتصادية والاجتماعية، والباحثة في مركز “إميل دوركهايم”، والأستاذة المحاضرة في جامعة “بوردو”، حاولت في حوارها فك شيفرة زراعة القنب الهندي في المملكة، الذي كان موضوع الأطروحة التي عملت عليها.

 هل يبدو لكِ هذا الرقم المهول حقيقياً؟

تقول أفساحي إن زراعة القنب تحتل مكانة هامة في اقتصاد المغرب، لكن يجدر بنا التعامل مع رقم العائدات الذي نشره التقرير الأميركي باحتراز. ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الإحصائيات صادرة عن أحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، الذي يتوقع أن إنتاج الحشيش في المغرب قد بلغ 700 طن.

فضلاً عن هذه التوقعات، أضافت وزارة الخارجية في تقريرها أن القنب، الذي يقع تحويله فيما بعد إلى مادة الصمغ أو “الرَاتينَج”، يمكن أن يشكل نسبة 23% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. ومن ثم، يختلط القنب في حالته الخام بالقنب الهندي الذي وقع تحويله إلى صمغ.

ومن جانب آخر، لسنا متأكدين من صحة نسبة الكمية المنتجة من القنب المحول إلى صمغ؛ إذ إنه من غير الواضح إن كانت هذه التوقعات تستند إلى تقارير أجهزة الجمارك والشرطة المغربية، أو على أساس نسبة مساحة الأراضي المخصصة لزراعة هذه المادة. وفي كلتا الحالتين، ليس هناك منهجية دقيقة توضح كيفية زراعة القنب في المغرب.

 هل يعكس ذلك الواقع؟

لا؛ لأن الواقع أكثر تعقيداً من ذلك بكثير.

فبين سنة 2003 و2005، أنجز كل من مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة، والحكومة المغربية تحقيقات مشتركة حول مساحة الأراضي المزروعة بالقنب “الرَاتينَج”، على الرغم من أن هذه الدراسة كانت ممنهجة ومفصلة، فإنها توقفت منذ سنة 2006.

من جهة أخرى، شهدت زراعة القنب في المغرب تغييراً جذرياً خلال السنوات الأخيرة، حيث تزامن انخفاض المساحة المزروعة بالقنب مع توريد أصناف مهجّنة جديدة من أوروبا ذات تأثير أقوى.

لكن هذه الأصناف تحتاج إلى كمية كبيرة من الماء والأسمدة، فضلاً عن المبيدات الحشرية، وضرورة إدخال تقنيات زراعية جديدة مع توفير المزيد من اليد العاملة.

في المقابل، لا يعني ذلك أن محصول القنب الهندي سيكون بالضرورة وفيراً؛ إذ إن أغلب المزارعين ليسوا مدرَّبين بشكل كافٍ على التعامل مع التقنيات العصرية الجديدة، فضلاً عن أن التربة منهكة جداً نتيجة للاستغلال المفرط لها في زراعة المادة نفسها طيلة سنوات.

وأخيراً، تعتبر أسعار القنب في أوروبا أعلى بكثير من السعر المتواتر في مزارع منطقة الريف المغربية. ومن ثم، فإن نسبة هامة من إيرادات بيع الحشيش تنتفع بها أطراف أجنبية مجهولة وليس الاقتصاد المغربي، فضلاً عن أن نسبة هامة من مزارعي القنب حياتهم محفوفة بالمخاطر.

بغض النظر عن هذه التوقعات، يحتل المغرب المركز الأول عالمياً في إنتاج وتصدير القنب؟

تعتبر هذه المعلومة منتشرة في مختلف الأوساط؛ لأن الحشيش المغربي يتم تصديره بكميات كبيرة إلى أوروبا. كما أكدت مصادر أمنية وجمركية أن أغلب الحشيش المحجوز يعود مصدره إلى المغرب، لكن يظل هذا المعطى غير دقيق وينبغي التعامل معه بتحفظ. ومن المعروف كذلك، أن تجارة الحشيش تنتشر بصفة كبيرة على ضفتي المتوسط أكثر من أية مناطق أخرى في العالم.

وتجدر الإشارة إلى أنه يوجد دول أخرى تمتلك مراكز متطورة تعنى بإنتاج الحشيش على المستوى العالمي، لكن لم يقع ذكرها أو الحديث عنها، وخير مثال على ذلك لبنان وأفغانستان والهند. ولطالما كانت البلدان الصناعية من بين أهم المنتجين للقنب الهندي، علماً أن هذه الظاهرة منتشرة منذ مدة طويلة، ولن تتوقف؛ بل ستتواصل مستقبلاً نتيجة قيام عدة دول بتقنين هذا النوع من الزراعات.

ولا يكمن المشكل في أن المغرب يعتبر من بين كبار الدول المنتجة للقنب الهندي بالعالم، وإنما في احتدام المنافسة العالمية والأوروبية، ما يؤكد أن هذه المادة المخدرة منتشرة على صعيد عالمي. ولسائل أن يسأل: لماذا لا نفكر في مستقبل المزارعين وعائلاتهم وقد أضحت تجارة القنب جزءاً لا يتجزأ من حياتهم في جبال الريف؟

ويعتبر تقرير وزارة الخارجية الأميركية، القائم على تقارير الخبراء الدوليين المختصين في تجارة وزراعة القنب في المغرب، دليلاً قاطعاً على عدم المساواة في المعاملة بين الدول الغربية والدول النامية.

ومن المفارقات أن بلدان الشمال تناقش مسألة تقنين زراعة الحشيش، في حين أنهم يتحدثون باستمرار عن أضرار المخدرات. أما بالنسبة لدول الجنوب، فإن الحكومات تحارب وتراقب تجارة وزراعة الحشيش.

تمثل جبال الريف أكثر مناطق إنتاج القنب، فهل هناك مناطق أخرى؟

في الوقت الحالي، لا تزال منطقة جبال الريف تحتضن زراعة القنب الهندي عالمياً. ولكن بالعودة إلى الماضي القريب، هناك مناطق أخرى تشتهر بزراعة القنب في المغرب. خلال القرن العشرين، قامت فرنسا بزراعة التبغ، ما قادها إلى التوجه نحو زراعة وإنتاج القنب، وقد زُرعت هذه المواد في منطقة بني ملال وإقليم الحوز .

ويشار إلى أن محصول القنب لا يُصدّر فقط إلى السوق العالمية؛ بل تحظى السوق المحلية المغربية بنصيب هام منه. وتبعاً لهذا المعطى، شهدت نسبة استهلاك هذه المادة في المملكة ارتفاعاً ملحوظاً، لكن تظل النسب والأرقام غير دقيقة؛ نظراً لشح الدراسات الخاصة بهذا الموضوع.

تشكل زراعة القنب مصدراً أساسياً لعائدات المزارعين المغاربة، فهل يعود ذلك بالنفع على البلاد ككل؟

أصبح شمال المغرب ثاني أغنى مناطق المملكة على الرغم من أنه إقليم مهمَّش منذ فترة حكم الملك الحسن الثاني. أما في عهد نجله، محمد السادس، فقد اختلف الوضع بالنسبة لبعض المناطق، التي أصبحت ضمن برامج البلاط الملكي التنموية؛ مثل: طنجة، وتطوان، وشفشاون، وتاونات وتازة. وفي المقابل، وقع استثناء المناطق التي تزرع فيها مادة القنب الهندي من البرامج التنموية بدعوى أنها مناطق جبلية منعزلة.

ومن جهة أخرى، لا يمكن للسلطات إلغاء زراعة القنب؛ لأن الشعب مقتنع تماماً بأن هذه الأراضي لا تصلح لزراعة محاصيل أخرى. وبدلاً من ذلك، وجب على السلطات أن تنفتح على هذه المناطق وتعمل على إخراجها من عزلتها. كما ينبغي للسلطات المغربية الأخذ بعين الاعتبار جمال الطبيعة، التي تجمع بين البحر والجبال، المميزة لمنطقة جبال الريف، ما يمكن أن يجعل منها وجهة سياحية.

هل يمكن أن يعتبر تشريع تجارة القنب حلاً؟

لقد طالبتْ سابقاً الجهات الفاعلة في المجتمع والأحزاب السياسية بالعمل على تقنين تجارة القنب؛ بهدف استعماله في صناعة المنسوجات وصناعة الأدوية.

ولكن، لم يعجب هذا المقترح المزارعين؛ لأنهم يخشون أن يشتد الضغط عليهم أكثر من قِبل المهربين، ويصبحوا تحت ضغط جديد من قبل لوبيات تجار الأدوية.

بالإضافة إلى ذلك، يرى المزارعون في تقنين زراعة القنب الهندي، إمكانية الانتقال إلى زراعته بمناطق أخرى ذات تربة خصبة ولا تعاني نقص المياه.

وفي جميع الحالات، يعد اجتماع المغاربة لفتح حوار بخصوص مستقبل القنب، في حد ذاته، خطوة هامة شريطة تشريك كل من المزارعين والمستهلكين في ذلك.

ما الاستراتيجية التي اتخذتها السلطات بخصوص هذه الظاهرة؟

شهدت جميع مشاريع الزراعات البديلة عن القنب والممولة من قِبل الاتحاد الأوروبي فشلاً ذريعاً، خصوصاً في الفترة الممتدة بين 2003 و2011. وقد تمثلت هذه الاستراتيجية في الحد من النشاط الزراعي مع استئصال المساحات الزراعية لمادّة القنب الهندي.

وتهدف هذه الخطة إلى مكافحة التهريب وبعث مشاريع تنموية فعالة داخل المناطق التي تزرع فيها مادة القنب الهندي. ولكن هذه المشاريع لم ترتقِ إلى النتائج المرجوة. وللأسف، لم تشمل هذه المشاريع التنموية الكبرى المناطق التابعة لمزارعي القنب الهندي، ما يؤكد أن هذه المناطق لا تزال مهمشة.

تعمل السلطات المغربية على حماية البلاد من التهديد الإرهابي، فكيف لاتتمكن من وضع حد لتجارة القنب غير الشرعية؟

إن السلطات المغربية تبلي بلاءً حسناً في الريف، لكن من غير المعقول أن تتمكن من اقتفاء أثر الشبكات التقليدية لتجارة القنب الهندي، وملاحقة الشبكات الإرهابية في الوقت عينه.

وعلى الرغم من تشريع تجارة القنب على المستوى الدولي، ظل هذا النوع من التجارة متجذراً محلياً، خاصة مع وجود ممثلين عن هؤلاء التجار وعقد السلطات اتفاقاً مع المزارعين. وبفضل مراقبة السلطات المكثفة للمنطقة وتضييق الخناق على المهربين، لم يقع خلق شبكات تسويق بمقدورها أن تشكل تهديداً على أمن الدولة. أما في الوقت الراهن، فلا يوجد صراع يدعو إلى القلق في جبال الريف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *