آراء

ركائز التنمية السياسية

إن عملية التنمية السياسية بوجه عام تخلق الظروف والشروط الملائمة للتطور الديمقراطي،فالتنمية السياسية تهدف في النهاية الى بناء النظام السياسي، وإجراء عمليات التحديث عليه ليصبح نظاما عصريا ومتطورا وديمقراطيا. ومن أجل التطبيق الفعلي للديمقراطية يجب التركيز على مقومات التنمية السياسية،من خلال الحديث عن المشاركة السياسية والتعددية السياسية ومن خلال التداول السلمي على السلطة وحماية واحترام حقوق الانسان والحريات الاساسية.

إن من أهم الركائز الأساسية التي تقوم عليها التنمية السياسية نجد المشاركة السياسية والتعددية السياسية باعتبارهما عنصران من عناصر وجود نظام ديمقراطي ،حيث يعرف الكثير من المهتمين بالشأن السياسي المشاركة السياسية في معناها الواسع بحق المواطن في المشاركة في عملية صنع القرارات السياسية،ومعناها الضيق حقه في مراقبة تلك القرارات بالضبط والتقويم عقب صدورها عن الحاكم، بصفة عامة يمكن تحديد مفهوم المشاركة السياسية في حق الفرد في التصويت أو الترشح للهيئات المنتخبة،أو الاهتمام بالأمور السياسية مع فتح النقاش حولها مع الآخرين أو من خلال الانتماء الى بعض الهيئات السياسية والمشاركة في أنشطتها.

تعتبر المشاركة السياسية المظهر الرئيسي للديمقراطية وحيث إن روح الديمقراطية وشرعية النظام السياسي يرتبطان بها،وبما أن المشاركة السياسية من قبل الشعب تمثل التعبير الحقيقي عن الديمقراطية،بالإضافة الى كونها تتأثر إما إيجابا أو سلبا بطبيعة النشأة السياسية التي يتلقاها الفرد، فإن تحقيق مشاركة سياسية فعالة يتطلب تواجد مجموعة من الشروط والإجراءات المشجعة لتعاطي الأفراد الشأن السياسي:

– وضع إطارات تشريعة ملائمة لحماية وضمان المشاركة السياسية.

– وضع خطة اجتماعية للحد من العراقيل التي تواجه المشاركة السياسية، محاربة الأمية، محاربة الفقر…إلخ

– ضمان حرية الرأي والتعبير.

– تفعيل دور الأحزاب السياسية والمجتمع المدني.

– بناء المؤسسات السياسية.

– تشجيع الأفراد على المشاركة عبر التربية والتعليم.

– تعميم الممارسة الديمقراطية واحترام أراء المواطنين.

– احترام وتكريس مبدأ المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات.

– العمل على بث قيم اجتماعية تحفز على المشاركة والاندماج داخل المجتمع لاسيما من خلال مختلف وسائل الاعلام.

إذا ما توفرت هذه الشروط والإجراءات السالفة الذكر فستحقق المشاركة السياسية فوائد يمكن اختصارها في ما يلي:

– تحقيق مساهمة أوسع للشعب في رسم السياسات العامة وصنع القرارات واتخاذها وتنفيذها.

– إعادة هيكلة وتنظيم بنية النظام السياسي ومؤسساته وعلاقاته بما يتلاءم وصيغة مشاركة أوسع للشعب في العملية السياسية

– إضفاء الشرعية على السلطة السياسية في المجتمع

– مساعدة السلطة السياسية في التعرف على رغبات واتجاهات الشعب

– توفير الامن والاستقرار داخل المجتمع

– الحد من الاستبداد والتسلط والانفراد بالسلطة

– تحقيق التنمية في المجتمع

وفي الاخير يمكن استنتاج الدور الفعال للمشاركة السياسية في تحقيق الامن والاستقرار السياسي باعتبارها احدى الشروط الاساسية لتحقيق التنمية السياسية،مع ضرورة ربطها بمبدأ التعددية السياسية.

وبصفة عامة يمكن تحديد مفهوم التعددية السياسية في الاختلاف في الرأي والطروحات الفكرية،والاختلاف في البرامج والإيديولوجيات والمصالح والتكوينات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

غير أنه يجب التمييز بين التعددية السياسية والعددية الحزبية،فالأولى تتصف بالشمولية،وهي تتضمن تعددية حزبية وعلى هذا الاساس التعددية الحزبية لا تعني بالضرورة وجود تعددية سياسية فقد تعدد الاحزاب ولكن برامجها وإيديولوجياتها تكون متشابهة،مما ينفي وجود تعددية سياسية،الشيء الذي يطبع معظم الانظمة السياسية في الدول النامية،وعليه يمكن استنتاج أن التعددية الحزبية هي جزء مكمل للتعددية السياسية.

تعتبر التعددية السياسية أحد الشروط الاساسية لتحقيق الديمقراطية،ومظهر من مظاهرها الاساسية،وعنصر من عناصر وجودها ،غير أن مبدأ إقرار التعددية السياسية لا يعني تحقيق الديمقراطية.

فالديمقراطية شكل من أشكال ممارسة السلطة، لذا وجب التوافق والوئام حول شكل ممارسة هذه السلطة.فالديمقراطية تبقى شكلية في غياب مساهمة الجميع في ممارستها.ولن يتأتى ذلك إلا من خلال المشاركة في عملية صنع القرار السياسي، والحفاظ على مبدأ تداول السلطة عن طريق:

– مبدأ سيادة القانون

– مبدأ الفصل بين السلطات

– مبدأ السيادة للشعب

– مبدأ ضمان حقوق وحريات الافراد

واستطرادا لما سبق يمكن القول بأن الديمقراطية لا تتجلى في وجود تعددية حزبية أو تنظيم انتخابات وإنما هي مزيج بين المشاركة السياسية وضمان حقوق الافراد،وهذا هو جوهر التعددية السياسية.

من أجل ضمان تعددية سياسية وحزبية في أي نظام سياسي،يجب توفر الاطار القانوني والمؤسسي لذلك من خلال التركيز على ما يلي:

– الشعب هو مالك السلطة ومصدرها

– قيام المجتمع على أساس التضامن الاجتماعي القائم على العدل والحرية والمساواة

– جميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة.

– يجب أن تكفل الدولة حرية الفكر والرأي، وحرية الصحافة والإعلام

– كل فرد له حق الانتخاب والترشح وإبداء الرأي

– ضمان حرية المبادرة وحق المكية

– العمل على مبدأ تكافئ الفرص لجميع المواطنين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

أخيرا يمكن أن نستخلص أن المشاركة السياسية والتعددية السياسية شرطان أساسيان لتحقيق الديمقراطية وبالتالي تحقيق أهداف التنمية السياسية غير أنه لإكتمال مسلسل البناء الديمقراطي،لابد من توفر لبنتين أخريتين،وهما التداول السلمي على السلطة،وضمان حقوق الانسان والحريات الأساسية.

يقصد بالتداول السلمي على السلطة عدم جعل الحكم في قبضة شخص واحد،أي تعاقب الدوري للحكام في ظل انتخابات حرة،وبذلك سوف يمارس هؤلاء الحكام المنتخبون اختصاصاتهم الدستورية لفترات محددة سلفا،أي أن السلطة ليست حكرا على أحد،وإنما يتم تداولها وفقا لأحكام الدستور،الذي يعتبر السلطة التي لا تعلوها سلطة أخرى.

ويشترط لضمان التداول السلمي على السلطة توفير بعض الشروط أهمها:

– التعددية الحزبية في اطار التعددية السياسة…

– اجراء انتخابات حرة ونزيهة.

– اتفاق الاحزاب حول المؤسسات السياسية للدولة.

– حكم الاغلبية في ظل احترام الاقلية.

ويتضح مما تقدم أن مبدأ التداول السلمي على السلطة من قبل الاحزاب السياسية يعد من أهم آليات ممارسة الديمقراطية. فلا يمكن الحديث عن قيام نظام ديمقراطي بدون تسليم بمبدأ التداول على السلطة،من خلال تبادل الاحزاب لمواقع الحكم داخل الدولة.

ولهذا فإن مبدأ التداول السلمي على السلطة قائم على أساس المنافسة الحرة بين القوى السياسية وفقا لأحكام الدستور والقانون دون الخروج عنهما.لان حدوث ذلك يعني خروجا عن الديمقراطية.

لذلك فالتداول السلمي على السلطة يعني الاعتراف بشرعية النظام السياسي من قبل الشعب ومزاولة ذلك النظام لأعماله الدستورية وفقا للقانون.

فالديمقراطية تسمح بالتداول على السلطة وفق ضوابط تنسجم وفكرتها على الحياة،ووجهة نظرها وقيمها،ولاتسمح للأحزاب التي لا تؤمن بها وبدساتيرها وبقيمها أن تتداول على الحكم.

في الاخير يمكن القول أن التداول السلمي على السلطة ومشاركة الجميع فيها من خلال القنوات المشروعة سوف يحقق نوعا من الاجماع السياسي الذي يعتبر اساسا لتحقيق الديمقراطية شريطة احترام وصيانة وحقوق وحريات الانسان.

إن مسألة حقوق الانسان والاعتراف بها من قبيل الدساتير والتشريعات الداخلية في الدولة،أو في الاتفاقيات الدولية والإقليمية لن يتحقق لها الاحترام والفاعلية المطلوبة ما لم تكن هناك ضمانات تعمل على حمايتها،والمقصود هنا بالضمانات،الوسائل والأساليب المتنوعة التي يمكن بواسطتها صيانة الحقوق والحريات من أي تعد عليها.

ومما لاريب فيه أن ممارسة الحقوق والحريات لا نجدها إلا في ظل مجتمع حر يتمتع بنظام حر.في المقابل فإن النظام القائم على الاستبداد السياسي،أي الذي تنعدم فيه الحرية السياسية تنتج عنه تداعيات سلبية تؤدي في النهاية الى انهيار هذا النظام.

إن مفهوم الحرية السياسية كثيرا ما يستخدم في أدبيات الفكر السياسي والدستوري كمصطلح مرادف لمصطلح “الديمقراطية”باعتبار الديمقراطية تقنيات ووسائل تهدف الى تنظيم التعايش السلمي بين السلطة والحرية في اطار الدولة،هذا من جهة،أما من جهة ثانية،فإن مبدأ سيادة الشعب هو المظهر المباشر لممارسة الحقوق والحريات السياسية،والذي هو الصورة الاسمى للممارسة الديمقراطية.

و من أجل تحقيق تنمية سياسية في أي نظام يجب أن تخضع سلطة حكمه للقانون عن طريق الضمانات الذي تكفل الحقوق والحريات العامة، والتي هي في جوهرها عبارة عم مبادئ قانونية تضمن انصياع السلطة لمطالب الحرية، ومن أهم هذه المبادئ نجد:

– مبدأ سيادة القانون:

يعتبر من إحدى الضمانات الاولى والمبدئية لحامية حقوق الانسان،حيث تخضع سلطة الحاكم في دولة القانون خضوع المحكومين له وفقا للدستور الذي يضع قواعد الحكم الاساسية،ويقرر الحقوق والحريات الخاصة للأفراد والجماعات ،وبهذا يتحقق للأفراد المركز القانوني في مواجهة سلطة الحاكم.

– مبدأ الفصل بين السلطات:

يقصد بالسلطات هنا السلطة التشريعية،والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية والمراد هنا بالفصل بين السلطات هو أن تكون لكل سلطة من السلطات الثلاث في الدولة اختصاصاتها المحددة،وذلك لمنع قيام حكم مستبد من خلال عدم تركيز السلطات في يد واحدة أو هيئة واحدة،وبهذا تمارس كل سلطة رقابتها على الاخرى مع ضمان الحريات والحقوق في المجتمع ليصبح مبدأ الفصل بين السلطات ضمانة من ضمانات حقوق الانسان.

– مبدأ استقلال السلطة القضائية:

القضاء في معناه العام هو الفصل بين الناس في الخصومات والنزاعات على سبيل الالزام،ودور القضاء كبير في المجتمع فهو الوسيلة التي ترجع بها الحقوق الى اصحابها وتصان بها الحريات والأعراض والأموال،وإن قيام القضاة بأداء وظائفهم باستقلالية تامة وحرية كاملة يعد من أكبر الضمانات لحماية الحقوق والحريات العامة والخاصة،وهذا يعني أن يتساوى الجميع أمام القضاء تحت سقف العدالة.

*باحث في الدراسات الدستورية والسياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *