مجتمع

الخلفاوي الذي قاده ”الحلم بالتغيير” من أكادير إلى السجن بمراكش

لم تخطئ ذاكرة قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بمراكش، هيئة وملامح الرجل الذي يقف أمامه رفقة الطالب اليساري رضوان العظيمي، بعد أن اعتقلتهما الشرطة يوم الثلاثاء الذي يصادف الثاني من شتنبر من سنة 2014، بناء على مسطرة استنادية تعود لسنة 2011 تاريخ بداية أكثر الإحجاجات السياسية والإجتماعية تأثيرا بالمغرب والمرتبطة بحراك 20 فبراير المطالبة بتغيير البنية الإجتماعية والسياسية وإستقاط الفساد والإستبداد.

فبعد التحقيق قرر القاضي إيداع الطالبين اليساريين رضوان العضيمي وعزيز الخلفاوي في حالة اعتقال بسجن بولمهارز الذي يتذكر جيدا من يكون هذا الطالب بحكم إنتمائه إلى قافلة من المعتقلين وصلت إلى أكثر من ثلاثين من رفاقه الذين مرّوا من هنا وقضوا بين سنتين وأربع سنوات من السجن النافذ كمجموعة “زهور بودكور” مثلا التي اعتقلت على خلفية الأحداث التي عرفها الحي الجامعي بمركش سنة 2008.

الخلفاوي .. الطفل الحالم .. التلميذ النشيط

إنه عزيز الخلفاوي الشاب الأسمر المنحدر من مدينة زاكورة الواقعة بالجنوب الشرقي للمغرب، والذي ارتبط تاريخه بالإحتجاج منذ صغره، لما لا وهو المدمن على قراءة الكتب الحمراء منذ نعومة أظافره، فقد شارك في أكثر ”الإحتجاجات شراسة بمدينته الأصل دفاعا عن الحقوق الإجتماعية والإقتصادية” لفقراء زاكورة حين كان تلميذا إلى أن إلتحق بمدينة أكادير ليدرس الأدب الإنجليزي بجامعة إبن زهر.

 الوافد الجديد إلى جامعة ابن زهر بأكادير

بعد نيله لشهادة الباكلوريا لم يكن بالنسبة للخلفاوي الإلتحاق بالجامعة أمرا هينيا، فقد كان ينتسب إلى عائلة فقيرة، وكان الإلتحاق بالجامعة أمرا يكتسي صعوبة بالغة بالنسبة لمعظم أبناء هذه المداشر التي يعاني أهاليها من الفقر والهشاشة وغياب البنيات التحتية الأساسية ولا تستطيع تسديد مصاريف الجامعة. لكن كان حلم الرجل أكبر من تحديات الفقر، وكانت الأهداف التي وضعها نصب أعينه كافية لتكسير الجدار الذي يمنع الكثيرين من أبناء زاكورة  من مغادرة المغرب العميق المنسي خلف صحراء زكورة.

عند إلتحاقه بجامعة ابن زهر كان الخلفاوي قد راكم تجربة تأطير التلاميذ بعد أن كان عنصرا ديناميا في الحركة التلاميذية بمنطقة زاكورة وساهم في تأطير الحراك التلاميذي بالثانوية، لذا لم يجد صعوبة في فهم واقع التعليم والجامعة، والتعرف على أكثر الإشكالات عمقا فيها، ولم يكن واحدا من المارين لينل الشهادة، فقد إقتنع أنه هنا من أجل المساهمة في دمقرطة التعليم وتوحيده والدفاع على مجانيته .. ليجد نفسه في أحضان المنظمة التاريخية للطلبة، الإتحاد الوطني لطلبة المغرب.

 الطالب  العاشق ”للثورة”

يحكي بعض من تحدثنا إليهم في هذا ”الملف البورتريه” أن الخلفاوي كان متواضعا وخجولا، لكن حلمه بـ ”الثورة” جعله أكثر الطلبة دينامية في محيطه الجامعي، وكان ينسج علاقات جيدة مع الطلبة المتواجدين بالجامعة خاصة الملتحقين من الجنوب الشرقي للمغرب، ويساهم في توجيههم ومساعدتهم، لكنه لا ينفك في طرح نقاشات لأسئلة مقلقة عن ماركس ولنين ليجد نفسه في دردشات طلابية لا تنتهي إلا في الساعات الأولى من صباح اليوم الموالي.

الخلفاوي .. الطالب المثقف

كان عزيز الخلفاوي يعرف جيدا وجهته، لأنه كان محملا ”بفكر ثوري” يعلم أنه سيقوده ذات يوم خلف قضبان إحد الغرف الباردة بالسجن، فحٌب عزيز الخلفاوي للقراءة والدراسة وعدم الخوف أو التردد في طرح الاسئلة الفكرية والسياسية المؤرقة وتمكٌنه من اللغة الانجليزية (حاصل على الاجازة تخصص أدب إنجليزي) جعله من بين الطلبة الأكثر اطلاعا على واقع و”تاريخ الحركة الشيوعية العالمية” بإشكالاتها وقضاياها الفكرية والسياسية، وقد ساهم إلى جانب العديد من رفاقه في الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في ترجمة العديد من الادبيات وجعلها في متناول جميع الطلبة.

كان حسب رفاقه يدوّن كل شيء عن تلك المشاكل التي تعانيها الجامعة وكان يكتب عن تاريخ الثورات في العالم بحكم إطلاعه عليها باللغة الإنجليزية، ”من حين لأخر كنا نقرأ له بعض مقالاته السياسية و الفكرية يكتبها بإسم مستعار، حول التعقيدات التي تعيشها الحركة اليسارية بالمغرب، وكان يساهم فكريا في حلّها، وانتقاد بعض التجارب، وطرح بعض البدائل” كما يحكي صديقه م.ك. لم يكن أحد يعرف هذا الطالب المثقف الذي كان يجالس كتابا أكثر من 48 ساعة متواصلة.

 الرحيل ..

ظروف خاصة جعلته يترك مدينة أكادير، فقد فضل مغادرة جامعة ابن زهر التي كانت تعرف تعقيدات عدة، بحكم أنها من الجامعات التاريخية التي تستقطب عددا كبير من الطلبة من مختلف المشارب السياسية، حزم حقيبته الوحيدة وكتبه والقليل من الملابس التي كان يملكها وهاجر باتجاه الشمال الغربي القريب ليستقر بمراكش، لكنه ترك ذكريات تأبى النسيان بموكادور.

مراكش .. حكاية أخرى

التحق الخلفاوي بجامعة القاضي عياض التي توجد بمراكش، ف لم  يكن ليخطئ تاريخها منذ أن كان بالجنوب الشرقي، فهو يعلم أن 84 ستتكرر ذات يوم، في هذا المكان الذي يوجد في شمال غرب إفريقيا أو غرب المغرب الكبير، أقدم عواصم المغرب، مدينة التاريخ و الجغرافيا الجميلة، هي أيضا مدينة الكلاوي، الباشا الإقطاعي و عميل الاستعمار الفرنسي  الذي جعل منها مقر إقامته والذي أذاق ساكنتها كل صنوف العذاب، لا زالت ذاكرة المراكشيين تحكي عنه و عنها إلى اليوم. مراكش أيضا مدينة المقاومة ضد الاستعمار و عملائه، ومدينة الإنتفاضات الإجتماعية و مدينة الشهيد حمان الفطواكي المقاوم الذي أعدمه الاستعمار.

بفكره ”اليساري الجدري” إلتحق الخلفاوي مباشرة “بفصيل النهج الديمقراطي القاعدي” في مراكش، المدينة الحمراء، ومدينة الأوباش بلغة الحسن الثاني، وهي تلك القطعة الجغرافية التي عرفت أكبر الإنتفاضات الطلابية و الإجتماعية، وأقلقت الملك الحسن الثاني، الذي أمر وزيره في الداخلية بقيادة حملة كبيرة من الإعتقالات في صفوف طلبتها وأساتذتها، وتميزت جامعتها بدينامية خاصة على مستوى النشاطات السياسية الطلابية، والتي لم تهدئ منذ زمن بعيد إلى اليوم.

صفوان شرف إحدى اليساريات التي درست بمدينة مراكش، قالت إن الخلفاوي ساهم بنشاط وعي لافت في الدفاع عن أوطم،” وقد عرف الرفيق بهدوئه وعمق نقاشاته وسط الطلاب”. نضجه السياسي والفكري، تضيف صفوان شرف، مكنه من المساهمة بشكل كبير في تطوير خط الطلبة القاعديين، خصوصا بموقع مراكش”.

عزيز الخلفاوي من أحد النشطاء السياسيين والقياديين البارزين في الإتحاد الوطني الوطني لطلبة المغرب، ومن الذين ساهموا بنشاط في بناء تنسيقية مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات الاجتماعية بالمدينة نهاية 2007، والهيئة الوطنية للدفاع عن المعتقلين السياسين وشارك في مسيرات حركة عشرين فبراير أيضا برؤيته اليسارية، وكان يساهم فكريا في نقاشاتها، وعرف مند إندلاع الربيع الديمقراطي بمشاركته وإخلاصه لقضايا الفقراء.

على ذمة التحقيق

الخلفاوي عزيز ينتظر إستكمال التحقيق يوم 23 شتنبر 2014 القادم على خلفية نشاطه من داخل حركة 20 فبراير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *