آخر ساعة

هذه هي صورة حقوق الإنسان في تندوف وفي الوطن

الساكنة بمخيمات تندوف تجد نفسها أمام واقع مفروض عليها لا يمكن تجاوزه، وليست هناك اختيارات كثيرة، فإما العيش تحت رحمة السجان أو تصبح شخصا عدوا للقضية فالاتهامات جاهزة و متنوعة، وكثيرة هي الخطوط الحمراء والويل لمن تجرأ ولو حتى بالتفكير في تجاوزتها.

الميليشيات تملأ كل الأمكنة و تعد الأنفاس و تشهر لائحة المحظورات و الممنوعات، فالاجتماعات واللقاءات للتعبير عن الآراء أو ما يخالج الشعور ممنوعة أما من أراد السفر، فتشهر في وجهه ورقة المنع ولو قصد العلاج والشيء المسموح به هو تسريح الساكنة بمناسبة زيارة بعض الوفود الأجنبية للمخيمات لتأثيث المشهد بطريقة انتقائية و استعراضية مع حمل الأعلام و رفع الشعارات التي لا يؤمنون بها، و الغرض من ذلك كله هو محاولة الماسكين بزمام الأمور رسم صورة ملحمية و سريالية للمحتجزين أمام أعين الأجانب للتغطية على ما يدور و يجري في السراديب الخلفية للستالاك الكبير.

ارتباط البوليساريو بالجزائر لم يعد يخفى على احد، وهو ارتباط شبيه إلى حد ما بالتصاق الجلد باللحم فالممارسات الحاطة من كرامة الإنسان بتندوف ما هي إلا تعليمات صادرة من الجنرالات والمخابرات الجزائرية والتي تطبق بأيادي أزلام البوليساريو، غير أن الجزائر بقدر ما تستخدم هدا الكيان في إستراتيجية الصراع في المنطقة بدل المصالحة بقدر ما تحاول التملص من مسؤولياتها الإنسانية حيال هدا الدعم الذي بدآ يجلب لها المزيد من الانتقادات في الداخل و الخارج و كخطوة للهروب إلى الأمام، فالقيادة الجزائرية لا تمل من التكرار على أنها تسعى من وراء هذا الدعم إلى تمتيع سكان المخيمات بحقهم لتقرير المصير، وهي اسطوانة مفضوحة و مشروخة لم يعد يقتنع بها أحد، متناسية أن من ابسط مقومات هذا الحق هو وجوب تمتيع هؤلاء المحتجزين بإرادتهم الحرة التي تم سلبها و اغتصابها منهم لمدة أربعين سنة خلت مع استمرار الاحتجاز و أشكال القمع و البطش و التنكيل لكل من يرغب أن يكون له رأي مخالف أو من يريد أن يغرد خارج سرب الخوف و الرعب.

هناك أجيال من الساكنة في المخيمات فتحوا أعينهم ولا يعرفون وجوها غير تلك التي فرضت عليهم إلى الأبد وجوه لا تستمد شرعيتها ولا وجودها منهم، بل سلطت على رقابهم بقرارات جزائرية، فلا حق لهم في اختيار من يحكمهم ولا في من يمثلهم ولا رأي لهم و لا استشارة وما النتائج التي تمخض عنها المؤتمر الأخير للجبهة إلا تجليا واضحا لسياسة الضحك على الذقون التي تنهجها القيادة التي جمعت مجموعة من الدمى المتحركة التي لا تعرف سوى التصفيق لسيدها الذي ينعم عليها ويسهر على مصالحها الخاصة فمنحته الفوز ب°/°100 .

حتى لقمة العيش التي يتصدق بها على محتجزي تندوف غالبا ما تكون ممزوجة بطعم الإهانة و الحط من الكرامة الإنسانية، فالاصطفاف وراء طوابير طويلة للظفر مما تبقى من مساعدات غذائية تجود بها أطراف مانحة تحت دواعي الشفقة، مشهد لا يليق بما اشتهر به المواطن الصحراوي من عزة نفس ورهافة الإحساس وهذا ما نستشفه من الشكوى التي بثها احدهم يعبر بها عن أحاسيسه داخل المخيمات إذ يقول “لقد اصبحنا نحن الصحراويين نعيش السخافة بمعناها الشمولي… سخافة في تعاطي القيادة مع مطالبنا…..واستبداد في تكميم أفواهنا وفرض قراراتها علينا..إن هذا العبث الذي أصبحنا نعيشه لن يجعل منا إلا جيلا مبعثا على السخرية و مآله الفشل و الزوال…إن جيلا يتبرم بالحالة التي هو فيها ويكتفي بذلك بدلا من أن يجتهد في إزالة بواعثه..هو جيل مقضي عليه بالاندثار”.

بالمقارنة مع الأقاليم الصحراوية المغربية، فالوضع مختلف تماما و الصورة متباينة و متباعدة عما عليه في تندوف بشهادات الجميع بما فيها المنتظم الدولي، فأهل الصحراء يمارسون حريتهم في الاقتراع حيث يشاركون في الانتخابات البلدية و التشريعية، و يعبرون عن آرائهم و ينتقدون الأوضاع إذا كانت لا تروق لطموحاتهم، ويشكلون الجمعيات غير الحكومية و ينضوون في فضاء المجتمع المدني وينخرطون في مجهودات التنمية التي تطال كل المرافق و التجهيزات. ومع ذلك، تأبى الجزائر إلا أن تردد أن أوضاع حقوق الإنسان في المغرب تتعرض للانتهاك محاولة ان تخفي بشاعة الممارسات التي يتعرض له المحتجزون الذين لم يستطيعوا الوقوف أمام بيادقهم بتندوف حيث يسجنون من غير محاكمة وبالتهم الجاهزة، ناهيك عن أولئك الذين تم خطفهم و إيداعهم في حفر عميقة لم يكن احد يعلم بمصيرهم حتى تم اكتشافهم من طرف أهاليهم و فضحهم في تقارير حقوقية دولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *