المغرب الكبير

701 كيلوغرام من الكوكايين..تكشف حجم الفساد والصراع على السلطة بالجزائر

وفي ثنايا هذا الجمود السياسي، تترقب البلاد نتائج التحقيق في أكبر قضية حجز للمخدرات في تاريخها، فالأمر يتعلق بمحاولة إدخال 701 كيلوغرام من الكوكايين، غُلِّفت في عُلَب اللحم الحلال المستورد من البرازيل، وأَسقطت رؤوساً كثيرة من أصحاب النفوذ والسلطة.

ومنذ 30 ماي 2018 -تاريخ حجز الكمية الضخمة- إلى 25 يونيو 2018، لم تعقد أي جهة رسمية ندوة صحفية للكشف عن ملابسات القضية، وسُرِّبت للصحافة معلومات تفيد باستدعاء «ابن الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون، والسائق الشخصي للقائد العام للشرطة الجزائرية عبد الغاني هامل، وعدد من رجال القضاء وأسماء أخرى من عالم والمال والأعمال، إلى القضاء؛ للاستماع لهم، إلى جانب المتهم الرئيسي كمال شيخي».

وأصدرت في الأيام الأخيرة، مصالح الشرطة والنقابة الوطنية للقضاة، بيانين، تتهمان فيهما الصحافة بنقل معلومات تشهيرية مغلوطة، ويتعلق الأمر بحسبها، بذكر سائق شخصي للواء عبد الغاني هامل، مع أنه «فعل معزول لسائق ينتمي إلى حظيرة سيارات الشرطة، ومحاولة الإساءة إلى القضاة وتلطيخ سمعتهم».

وبعد الجدل الكبير الذي أُثير حول المتورطين في الفضيحة، كسر وزير العدل، الطيب لوح، جدار الصمت وتحدث للإعلام، الإثنين 25 يونيو 2018، كاشفاً بعض تفاصيل القضية، ومتأسفاً في الوقت ذاته «من ذكر أسماء والتشهير بها دون دليل أو قرينة»، معتبراً أن التحقيقات ما زالت مستمرة.

الصمت قبل العاصفة

وتعيش الجزائر هذه الأيام صمتاً سياسياً مطبقاً، حيث لم تنطلق بعدُ التراشقات السياسية بين المعارضة والأغلبية حول الرئاسيات المقررة الربيع المقبل، في حين أن هناك من يظن أن حرب الحزب الحاكم اندلعت وسط الصمت المطبق، حيث يتخذ كل طرف من قضية الكوكايين سلاحاً لتصفية الطرف الآخر.

الصحفي المتخصص في الشأن الجزائري، وليد أشرف، يعتبر أن النخب الحاكمة تستخدم حالياً استراتيجية تجفيف المنابع، من خلال فضيحة استيراد الكوكايين في أثناء شهر الصيام، وأوضح أن هناك من يستغل القضية لتشويه شخصيات معروفة بقُربها من الرئيس بوتفليقة واحتمال ترشُّحها بدل عنه.

بالتمعن في التسريب الذي وصل للصحافة عن الأشخاص المعنيِّين بالتحقيق، يضيف أشرف، نجد ابن الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون، الذي ترك أثراً طيباً لدى الجزائريين؛ ومن ثم قطْع الطريق على عودته، باعتباره ورقة جاهزة لشغل أي منصب سامٍ في الدولة.

وذكر السائق الخاص للواء عبد الغني هامل، المدير العام للأمن الوطني، الذي يُعتبر مقرباً جداً من بوتفليقة، واسمه مطروح منذ مدة للترشح للرئاسة في حال انسحاب بوتفليقة؛ مما أدى إلى عزله، كما تعرَّض القضاة لتشويه شنيع، والمقصود من ورائهم هو وزير العدل الطيب لوح، المعروف أيضاً بولائه الشديد لبوتفليقة، والذي رُشِّح في الأسابيع الماضية، لقيادة الحزب الحاكم والحكومة، يشرح الإعلامي المتخصص بكواليس الحزب الحاكم.

طموح أويحيى اللامحدود

قضية الكوكايين لم تنته مفاجآتها بعدُ؛ إذ وصل الأحد 23 يونيو 2018، وفد للأمم المتحدة مختص في مكافحة المخدرات والفساد، وهو الخبر الذي حظي بحيز ضئيل جداً في الصحافة الجزائرية، ولا شك في أن الوفد سيعطي دفعاً أكبر للمحققين؛ لإثبات جدية البلاد في مكافحة الجريمة المنظمة أمام الرأي العام الدولي.

وقالت مصادر إعلامية إلى أن قائمة المعنيِّين بالتحقيق أوسع مما يتخيل الجميع؛ إذ يوجد في اللائحة سياسيون ورجال أعمال قريبون من زعماء أحزاب الحكومة.

ويرى الناشط السياسي داود بلاشمة، أن «القضية إما فُجرت بالتزامن مع اقتراب الرئاسيات، أو كغيرها من قضايا الفساد والتهريب، ولكنها تُستغل بشكل محكم في المعركة الرئاسية المقبلة»، وتابع: «أويحيى أعلن بشكل مبكر جداً عن مطلب حزبه لبوتفليقة بمواصلة المسيرة، وهي دعوة قد يُراد منها الابتعاد قدر المستطاع عن الحرب الدائرة».

ولكن بقراءة عميقة، لمن شوهت سمعتهم حكاية الكوكايين، يتضح أن الميدان خلا من الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى، الذي سارع إلى مبايعة بوتفليقة لعهدة خامسة في وقت مبكر، بعدما اشتد الخناق على منافسيه المحتملين في حال ما إذا فتح باب الترشح على مصراعيه.

ويجزم الكاتب الصحفي عبد العزيز بوباكير بأن أويحيى الآن مقتنع بأنه رئيس، ومقتنع أيضاً في قرارة نفسه بأن «مخابر صنع الرجال» راضيةٌ عنه وعن نتيجة مهامه، وهو الآن يعتقد أن حظوظه في استخلاف الرئيس بوتفليقة قائمة، وأنه الأول بلا منازع في بورصة «الرؤساء الافتراضيين».

لكنَّ أويحيى نسي شيئاً واحداً في غمرة زهوه بالانتصار حسب باباكير؛ وهو أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة صانع السياسيين، لكنه في الوقت نفسه لا يحب كثيراً السياسيين الطموحين فوق اللزوم، «لا أستبعد أن تكون الضحية القادمة للرئيس بوتفليقة، رجلاً دفعت به المقادير إلى واجهة الأحداث، وجعلت منه الصُّدف موظفاً سياسياً في الصف الأول.. اسمه سي أحمد أويحيى».

بارومتر حزب الرئاسة

وفي صلب المعركة المستعرة تحسباً لرئاسيات 2019، لا يكفي الغوص في كواليس الصراع بين النخبة الحاكمة لفهم ما يتم طبخه على نار هادئة في بلد المليون شهيد؛ لأن السياسة في النهاية هي القناة التي تُمرَّر عبرها خلاصات التوافقات النهائية، حيث يعتبر حزب جبهة التحرير الوطني، المسبار الذي سيحدد بشكل قطعي هوية الرئيس القادم للجزائر، «إما بوتفليقة وإما غيره».

ويمر الحزب بأزمة داخلية، تتكرر كل مدة، خاصة مع اقتراب الرئاسيات، وتتعلق بتأجيل الأمين العام للحزب، جمال ولد عباس، اجتماع اللجنة المركزية منذ أكتوبر 2017، دون أن يقدم أدنى مبرر لذلك، كما قام بتغيير تشكيلة المكتب السياسي بشكل انفرادي، متجاوزاً قوانين الحزب.

المحلل السياسي والمؤرخ عامر رخيلة يفسر ما يجري داخل «الأفلان» بأنه وجد صعوبة في الانتقال من التنظيم الثوري إلى الحزب السياسي الطلائعي بعد الاستقلال، ولم يحسم الصراع سنة 1962، إلا بلغة السلاح بدل لغة الحوار، وظل هذا الحسم هو المتحكم إلى اليوم.

ويتجلى ذلك، بحسبه، من خلال ارتباطه بالسلطة ورئاسة الجمهورية تحديداً، بمعنى أنه «حزب السلطة وليس حزباً في السلطة»، يُستخدم كأداة من أدواتها عند الضرورة.

وأضاف عامر رخيلة أن بوتفليقة أنقذ «الأفلان» من الزوال عند مجيئه سنة 1999، بعدما تقهقر أمام حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي تأسسه مِن رَحمه، وأعاده إلى دوره الأول؛ ومن ثم ليس من اليسير فك ارتباط الحزب بالسلطة مهما كانت رغبة قياداته.

وعن التأجيل المتكرر لاجتماع اللجنة المركزية للحزب، قال رخيلة إنه نظرياً تجتمع اللجنة لدعم مرشح ما لرئاسة الجمهورية، قد يكون بوتفليقة أو مرشح السلطة، وهي الآن مجمَّدة إلى غاية تلقي الأمين العام الضوء الأخضر من رئاسة الجمهورية لانعقادها.

وهوَّن رخيلة من الأزمة داخل الحزب العتيد، «بحكم غياب البعد النضالي وتعويضه بالبعد النفعي والريعي»، مستدلاً بسكوت أعضاء المكتب السياسي عن تجاوزات الأمين العام، جمال ولد عباس، أزيد من سنة ونصف السنة، ورغم إبعادهم ردوا ببيان باهت لن يُتبعوه بخطوات جريئة؛ لأن أبرز الأسماء تنتظر الحصول على مناصب من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

في انتظار كلمة بوتفليقة

وما دام الحزب الحاكم لم يلتأم في لجنة مركزية تجتمع مرة واحدة كل سنة، فإن ذلك يعني أن الرئيس بوتفليقة لم يحسم قراره الترشح لعهدة خامسة، ومسارعة بقية الأحزاب لمطالبته بالاستمرار في مهامه مجرد تهافت على الولاء.

وحسب الصحفي إلياس بوملطة المختص في شؤون الحزب، فإن اللجنة المركزية لن تجتمع إلا إذا تبين الخيط الأبيض من الأسود بشأن مستقبل بوتفليقة في الحكم، مضيفاً أن ولد عباس قضى على المبررات التي كان يسوِّقها إطارات الحزب لضرورة انعقاد اللجنة المركزية، وما زال ينتظر الإشارة، قاصداً تغيير تركيبة المكتب السياسي بشكل مفاجئ وانفرادي.

وعادةً ما تجتمع اللجنة المركزية لـ»الأفلان» قبل الرئاسيات، لتعلن عن مرشح الحزب، الذي يكون بالضرورة مرشح السلطة ويحظى بدعم مطلق من قِبل مؤسسة الجيش القوية التي تتحالف مع الحزب، لحكم البلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *