المغرب الكبير

فرحوح الوزير الأول لحكومة القبايل ل”مشاهد”:السلطة في الجزائر عسكرية، وعنصرية، وقمعية، واستعمارية

قبل أن نبدأ فصول هذا الحوار، أريد منك السيد الحنفي فرحوح الوزير الأول لحكومة القبايل أن تقربنا أكثر من حكومتكم…

حكومة القبائل المؤقتة، المعروفة أيضًا باسم “أناڤاد – Anavad”، هي الهيئة التنفيذية لمنطقة القبائل. إنها أحد أهم الإنجازات الأساسية لشعب القبائل في نضاله من أجل استعادة حريته واستقلاله. يتمثل الدور الأساسي لــــ”أناڤاد” في منح منطقة القبائل سلطة تحظى بالاحترام داخل حدودها ومعترف بها دوليًا. ويظهر شعب القبائل احترامها العميق ل”أناڤاد”، ويلتزم بالتوجيهات التي تصدرها. وقد استجابت بشكل استباقي لدعواته لمقاطعة الانتخابات الرئاسية في الجزائر، وكذا الاستفتاءات الاستعمارية الصورية. علاوة على ذلك، فهي تقوم بالتعبئة استجابة للدعوة إلى الحراك السلمي لصالح شعب القبائل.

على الساحة الدولية، نجحت الـــ”أناڤاد” في إعطاء رؤية واضحة عن منطقة القبائل، وحقها في تقرير المصير. وبهذا المعنى، يمثل تقديم مذكرة في الموضوع إلى الأمم المتحدة في عام 2017 خطوة كبيرة، لا يمكن للاستشارات الجديرة بهذا الاسم أن تتجاهلها اليوم. لقد أصبحت الدبلوماسية القبايلية واقعا ملموسا، بعيدا عن الصور النمطية المرتبطة بالدبلوماسية الجزائرية، التي تضطهد شعب القبائل. وقد تم استقبال الـــ”أناڤاد” في مناسبات عديدة من قبل البرلمانات الأوروبية، والأمريكية، والكندية، وفي العديد من المنظمات الدولية، حيث تلعب دور العضو الكامل.

حكومة مؤقتة في المنفى، هل إلى هذا الحد صار البقاء تحت سيادة الدولة الجزائرية مستحيلا؟

الجزائر ليست دولة ديمقراطية، بحيث تتسامح مع سلطة تنافس سلطاتها. السلطة في الجزائر سلطة عسكرية ذات طابع عنصري، وقمعي، واستعماري، وتنتهك جميع الحقوق الأساسية لشعب القبائل. ومن الضروري الإشارة إلى أنه بعد استقلال الجزائر عام 1962، استولى هؤلاء الجنود المتمركزون على الحدود المغربية والتونسية خلال الحرب على السلطة بالقوة. ومنذ ذلك الحين، حافظوا على سياسة القمع المستمر ضد القبائل، ووصفوهم بأنهم تهديد دائم للوحدة الوطنية الجزائرية.

وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن القوة الاستعمارية الجزائرية صنفت بشكل غير عادل حركة تقرير مصير منطقة القبائل الــ (MAK) كمنظمة إرهابية في مايو 2021، رغم أن هذه الحركة تدافع سلميًا عن حق شعب القبائل في تقرير المصير، بما يتفق، وبدقة، مع مبادئ القانون الدولي. لذا فمن السهل أن تفهم أن إنشاء حكومة قبائلية مؤقتة داخل المجال الترابي لمنطقة القبائل، سيكون مهمة مستحيلة. لكن، وبفضل وجودها في الخارج، تظل حكومة منطقة القبائل المؤقتة قوية، على الرغم من كل محاولات زعزعة الاستقرار والقمع، التي دبرتها القوة الاستعمارية الجزائرية. كما ساهم تواجدها في الخارج في توفير منصة فعالة لإسماع صوت شعب القبائل على المستوى العالمي.

لقد أثبت خيار توطين الحكومة في الخارج أنه خيار استراتيجي، لأنه مكن من تدويل قضية شعب القبائل على نطاق واسع، ومن إدانة أعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبتها الجزائر. ومن المهم التأكيد على أن إقامة الـــ”أناڤاد” في منطقة القبائل، سيؤدي بالضرورة إلى عزلتها على الساحة الدولية، في حين تتعرض لضغوط لا تطاق.

ألم تكن هناك حلول أخرى غير الانفصال/ الاستقلال؟

إن غياب دولة مستقلة وذات سيادة، يعني بالنسبة لمنطقة القبائل غياب الوجود الرسمي على الساحة الدولية. نحن نعلم أنه بدون دولتنا، محكوم علينا بالفناء. وإلى أن نحصل على دولتنا الخاصة، فسوف ننظر إلى أنفسنا باعتبارنا شعباً مستعمراً، محروماً من أي سلطة لاتخاذ القرار بشأن مصيرنا. ليس علينا أن نترك الآخرين يقررون لنا مستقبلنا. ومن أجل الحفاظ على هويتنا وثقافتنا وحريتنا ووجودنا، لا بد من أن تكون لدينا مؤسساتنا السيادية الخاصة.

ومن جهة أخرى، فاستقلال منطقة القبائل له جذوره في واقع تاريخي لا يمكن إنكاره. ويجدر بنا أن نتذكر أن منطقة القبائل فقدت سيادتها بعد هزيمة “فاطمة نسومر” عام 1857 خلال معركة “إيشيريدين”. كانت إحدى العواقب المأساوية لهذه الهزيمة هي ضمها غير القانوني إلى الجزائر الفرنسية المنشأة حديثًا، قبل 18 عامًا فقط، بموجب مرسوم من الجنرال “شنايدر”.

ولهذه الأسباب الأساسية على وجه التحديد، نحن نناضل اليوم من أجل استقلال منطقة القبائل. ويمثل هذا التطلع إلى الاستقلال الحل الوحيد الذي يسمح لمنطقة القبائل بضمان مستقبل كريم ومزدهر لأجيالها القادمة. للحفاظ على هويتنا وثقافتنا وقيمنا العريقة.

وتجدر الإشارة كذلك إلى أنه منذ عام 1999، قاطعت منطقة القبائل بشكل منهجي جميع الانتخابات التي من شأنها أن تهدد سيادتها تجاه الجزائر. وتشهد هذه المقاطعة على تصميم منطقة القبايل على التأكيد على أنه لا يمكن اعتبار منطقة القبايل والجزائر دولة واحدة.

لكن الجزائر تتهمهكم بخدمة أجندات مغربية وإسرائيلية لزعزعة استقرارها؟

هدفنا الوحيد هو استقلال منطقة القبائل ولا شيء غير ذلك. إن نهجنا يتسم بالشفافية ويستند إلى أساس قانوني معترف به دوليا من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما في ذلك الدستور الجزائري. وبالتالي، لدينا مصالحنا الخاصة ولسنا بحاجة لخدمة مصالح الآخرين.

إن الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة من قبل القوة الاستعمارية الجزائرية، والتي تهدف إلى اتهامنا بالتواطؤ مع القوى الأجنبية ليست سوى دعاية وأكاذيبًا. على العكس من ذلك، فإن ممارساتهم الخاصة هي التي يحاولون أن ينسبوها إلينا. نحن نواصل تركيزنا بقوة على أهدافنا، ولن تصرفنا مثل هذه الممارسات عن تحقيقها.

ومع ذلك، من المهم أن نضيف أننا على استعداد للتعاون مع أي دولة تعرب عن اهتمامها الصادق بمسعانا النبيل من أجل الاستقلال. ومن هذا المنطلق، اتخذنا بالفعل خطوات ملموسة تهدف إلى إقامة شراكات مثمرة وتوسيع شبكة الدعم الدولية لدينا.

ويتلخص طموحنا في إقامة علاقات بناءة، على أساس المبادئ المشتركة لاحترام حقوق الإنسان وتعزيز السلام على الصعيدين الإقليمي والعالمي، مع جميع الدول التي تتقاسم معنا القيم. ونحن نطمح إلى التعاون الوثيق مع تلك البلدان التي تعترف بشرعية قضيتنا، والتي هي على استعداد لمرافقتنا على الطريق نحو استقلالنا. ولن يقتصر هذا التعاون على المجال السياسي فحسب، بل سيشمل أيضًا جوانب مثل التنمية الاقتصادية، والتعاون الثقافي، والتبادل التعليمي، بهدف بناء مستقبل أفضل وأكثر ازدهارًا لشعب القبائل.

بالعودة إلى إسرائيل، كيف تنظر إلى استئناف المغرب علاقاته الدبلوماسية مع الدولة اليهودية؟

بادئ ذي بدء، المغرب مملكة عظيمة، ولها الحق في الحفاظ على علاقاتها مع جميع الدول ذات السيادة في العالم. ومن ثم فإن استئناف المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل هو أمر مشروع. فقط مصالحه هي من يجب أن تحكم على خياراته الداخلية والخارجية. أعتقد أن هذا التطبيع سيجلب سلسلة من المزايا الكبيرة. أولا، إنه يمهد الطريق لتعاون اقتصادي وتكنولوجي مثمر، وقادر على تحفيز النمو وتعزيز خلق فرص العمل في كلا البلدين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا النهج يعزز مكانة المغرب الدبلوماسية على الساحة الدولية من خلال السماح له بإقامة علاقات مباشرة مع إسرائيل، واستكشاف شراكات استراتيجية مع الدول الأخرى التي تدعم هذه المبادرة، بما يصب في مصلحة الفلسطينيين. وبشكل عام، فهو يوفر العديد من الفرص الاقتصادية والدبلوماسية الكبيرة للمغرب، مع المساهمة في إثراء دوره على الساحة العالمية وحماية الحقوق الفلسطينية.

أنتم أيضًا لديكم علاقات مع إسرائيل. في أي سياق؟ ولأية أغراض؟

نحن نبحث عن شراكات لدعم لاستقلال منطقة القبائل. سواء مع إسرائيل، أو الدول العربية، أو مع الأفارقة، أو الغربيين. ليس لدينا ما يبرر هذا الاختيار، فهذا الخيار هو الخيار الطبيعي أصلًا.

يتهم الأمازيغ عادة دولة فرنسا بأنها السبب الرئيسي لمعاناة الأمازيغ. واليوم نرى أن فرنسا قد بدأت تفقد ثقلها في المنطقة لصالح دول أخرى. هل يعني ذلك أنكم أمام فرصة تاريخية لعودة الأمازيغ إلى الساحة السياسية بالقوة؟

إن مسألة السياسة الفرنسية فيما يتعلق بمعاناة الأمازيغ موضوع معقد يمكن مناقشته من عدة زوايا. ومع ذلك، من المهم الإشارة إلى أن التطورات الجيوسياسية التي تشمل فرنسا والولايات المتحدة في شمال إفريقيا لا ترتبط بالضرورة بمسألة الهوية الأمازيغية.

إن خسارة فرنسا لنفوذها النسبي في المنطقة لصالح الوجود الأمريكي، يمكن أن تخلق سياقًا جيوسياسيًا مختلفًا، لكن هذا لا يضمن تلقائيًا عودة الأمازيغ إلى الساحة السياسية بقوة أكبر. فالسياسة تتأثر بالعديد من العوامل، من قبيل التاريخ، والثقافة، والمصالح الاقتصادية والجيو – سياسية، والديناميات الإقليمية المعقدة.

ومع ذلك، صحيح أن التغيرات الجيو – سياسية يمكن أن تخلق فرصًا جديدة لمختلف المجموعات، وخاصة لمنطقة القبائل. سيكون من المرغوب فيه ألا يتم صياغة النهج الأمريكي على غرار ما أدى إلى فشل فرنسا، ولا سيما العرقلة وحقيقة التجاهل المهووس لأي ظهور أمازيغي في شمال إفريقيا. والأمر متروك لنا أن نتحلى بالعبقرية وأن نستغل الفرص المتاحة لنا من خلال التطورات التي تجري على الأرض.

بالعودة إلى الملف القبايلي، كيف هو الوضع ميدانيا اليوم؟

تمارس الجزائر حاليا سياسة قمعية ضد شعب القبائل، وذلك انتقاما لإصراره على الحفاظ على هويته والمطالبة بحقه في الاستقلال، وبالتالي معارضة هيمنة الدولة الاستعمارية الجزائرية. ويتجلى هذا القمع بعدة طرق مثيرة للقلق. إننا نشهد وضعاً مثيراً للقلق، فأكثر من 500 ناشط سياسي من منطقة القبائل مسجونون ظلماً في السجون الجزائرية، بعد أن حكم عليهم بأحكام قاسية، مثل عقوبة الإعدام. ويتعرض هؤلاء السجناء لمعاملة غير إنسانية، من قبيل التعذيب الجسدي والنفسي في مراكز الشرطة وألوية الدرك الاستعماري الجزائري.

علاوة على ذلك، يُمنع مئات الآلاف من سكان منطقة القبايل ظلماً من مغادرة المنطقة، ويُحرم آخرون من حقهم الأساسي في العودة إلى ديارهم لسنوات عديدة. ويشكل هذا التقييد لحرية التنقل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان واعتداء على الكرامة الإنسانية. ومن الأحداث المأساوية التي ميزت التاريخ الحديث للمنطقة، محاولة الإبادة الجماعية التي ارتكبت في غشت 2021 في القبائل.

فقد أشعلت أجهزة الأمن الجزائرية حرائق ضخمة باستخدام الفسفور الأبيض، بمساعدة المروحيات والطائرات بدون طيار، مع وجود أدلة ملموسة تدعم ذلك. إن الخسائر البشرية لهذه المأساة مفجعة، حيث تم حرق أكثر من 400 ضحية، بما في ذلك الأطفال والنساء الحوامل. كما أدت هذه الكارثة إلى تدمير غابات شاسعة، مع تفحيم الحيوانات، وتحويل العديد من المنازل إلى رماد. والأمر الأكثر إثارة للقلق، هو اكتفاء القوات العسكرية للجزائر العاصمة بدور المتفرج، غير مبالية بمعاناة السكان، ودون تقديم أي دعم أو مساعدة لوجستية. أما الأسوأ من ذلك، فتجلى في رفض المساعدات الدولية التي عرضتها فرنسا والمغرب ودول أخرى لمكافحة الحرائق، والتي كانت على أهبة الاستعداد لإرسال طائرات لإطفاء الحرائق.

كما جرت محاولة إبادة جماعية ثانية من قبل النظام الاستعماري الجزائري في 24 يوليو 2023، حيث تم إشعال مئات الحرائق عمدا في نفس الوقت، مما تسبب في مزيد من الخسائر في الأرواح وتدمير مساحات واسعة من الغابات.

وماذا فعلتم أنتم في حكومة القبايل المؤقتة؟

باعتبارنا حكومة مؤقتة لمنطقة القبائل في المنفى، فإن التزامنا برفع مستوى الوعي بين السلطات الدولية بشأن الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة ضد شعب منطقة القبائل هو التزام مستمر. لقد اتخذنا خطوات منهجية تهدف إلى تنوير العالم بشأن هذه الفظائع التي لا توصف. وكان أحد إجراءاتنا الملموسة هو تقديم شكوى رسمية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهي أعلى محكمة جنائية دولية، لضمان تحقيق العدالة لضحايا هذه الفظائع. ويهدف نهجنا القضائي إلى تسليط الضوء على الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة ضد شعب القبائل. ونحن مصممون على ضمان تحديد المسؤولين عن هذه الأعمال الشنيعة وتقديمهم إلى العدالة ومحاسبتهم على أخطائهم. إن التزامنا بالكفاح من أجل استقلال منطقة القبائل يظل ثابتًا. ونحن ندرك أن السعي من أجل الاستقلال والعدالة هو طريق صعب، ولكن تصميمنا لا يتزعزع. سنواصل العمل بلا كلل من أجل تحرير منطقة القبائل من التأثير القمعي للنظام الاستعماري الجزائري. وكل يوم يمر يعزز إصرارنا على الحفاظ على هوية القبائل وحماية حقوق شعبنا وبناء مستقبل تسود فيه الحرية والعدالة والكرامة.

حاوره: عبدالله الفرياضي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *