ثقافة وفن

صحوة مغربية لانتشال الموروث الحضاري للنقوش الصخرية من براثن التخريب والضياع

يكتنز التراب المغربي ثروة هائلة من الرسوم والنقوش الصخرية التي تتوزع عبر مختلف جهات المملكة،خاصة منها مناطق الجنوب الشرقي، ومنطقة الوسط، وكذا الأقاليم الصحراوية، بحيث يشكل هذا الموروث الثقافي مكونا هاما من مكونات الرصيد الحضاري المغربي المتنوع الروافد والتجليات.

وقد ظلت الثروة الوطنية من النقوش الصخرية عرضة للإهمال واللامبالاة طيلة عقود، على الرغم من كون اكتشاف هذا الموروث الحضاري يعود إلى حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي، بحيث انطلقت أولى الأبحاث في منطقة درعة سنة 1934، لتتواصل فيما بعد على يد عدد من الباحثين في مقدمتهم البروفيسور الفرنسي أندري سيمونو الذي نشر أولى الدراسات في هذا المجال في مجلة “جغرافية المغرب ” سنة 1967 ، ليتوالى بعد ذلك ظهور أجيال جديدة من الباحثين المغاربة المتخصصين.

فعلى مر عقود متتالية، ظلت مواقع النقوش الصخرية في عدد من الأماكن مثل منطقة درعة ، بضواحي مدينة زاكورة، وفي إقليم السمارة، وفي المواقع الجبلية بإقليم الحوز (ضواحي مراكش) عرضة للضياع بفعل الظروف المناخية، بل تعرضت أحيانا للتخريب، وفي بعض الأوقات تم استهدافها بالنهب والسرقة لاسيما بعدما اتضح لبعض منعدمي الضمير أنها تشكل مصدر كسب مادي كبير في السوق السوداء.

وقد تنبهت الدوائر المعنية وطنيا وجهويا خلال السنوات الأخيرة للمخاطر المحدقة بهذه الثروة الوطنية، التي لا تقدر بثمن، فبادرت الى اتخاذ جملة من الإجراءات للحفاظ على هذا الموروث الحضاري، إلا أن هذه الإجراءات لا زالت في مجملها غير كافية لحماية هذه الثروة الوطنية، لاسيما وأن عملية اكتشاف مواقع لنقوش صخرية جديدة لازال متواصلا حتى الوقت الراهن.

وفي هذا السياق، وبمناسبة انعقاد الملتقى الوطني الأول للفن الصخري بالمغرب، الذي احتضنته مدينة أكادير يومي 16 و 17 ماي الجاري، تم الإعلان عن اكتشافات حديثة لمواقع جديدة للرسومات والنقوش الصخرية، من ضمنها موقع “أم لعشار” للرسومات الصخرية في الجنوب الغربي لمدينة زاكورة، ويتضمن خمسة مآوي تحتوي جدرانها على رسومات مختلفة تتنوع مواضيعها بين رسومات الأشكال الآدمية والحيوانات البرية والأشكال الهندسية والأحصنة.

كما تم خلال السنة الماضية اكتشاف موقع جديد للرسوم الصخرية في منطقة “تاينانت” بالأطلس الكبير الشرقي، وهي تمثل رسوما لأشكال آدمية وحيوانات، وشواطئ من النقط، وقد استعملت فيها بعض الألوان مثل الأحمر والأحمر الفاتح والأصفر والابيض، واللون البنفسجي.

وخلال زيارة استكشافية قام بها فريق بحث في مطلع السنة الجارية لمنطقة أسا الزاك، التي يعتبرها المتخصصون “إحدى التمركزات المهمة للفن الصخر”، تم اكتشاف موقع أثري في تلة مطلة على ممر طوبوغرافي يسمى محليا “خنك لكحل”، الذي يخترقه وادي درعة خلال جريانه نحو الجنوب، وتتوزع البقايا الأثرية التي تم جردها فيه بين نقوش صخرية، ومعالم جنائزية، وقطع من الفخار القديم. ج/

ومع تنامي هذا الكم الزاخر من الاكتشافات للمواقع الصخرية، والتي تجاوز عددها اليوم أزيد من 450 موقعا تم جرده في مجموع التراب الوطني، تنامى أيضا وعي متصاعد بضرورة إحداث تغيير في طريقة التعامل مع هذه الثروة الوطنية، سواء من طرف وزارة الثقافة بصفتها القطاع الوزاري المعني مباشرة بهذا الموضوع، أو من طرف باقي المتدخلين الآخرين وفي مقدمتهم السلطات المحلية والهيئات المنتخبة، وكذا المجتمع المدني.

وفي هذا الإطار، بادرت وزارة الثقافة منذ سنة 1994 الى إحداث المركز الوطني للنقوش الصخرية من أجل حماية هذا الموروث الحضاري وتثمينه. كما أقدمت الوزارة على إحداث عدد من محافظات التراث الصخري، والتي وصل عددها اليوم 12 محافظة بتعاون مع مجموعة من الشركاء، فضلا عن عقد العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية، وتشجيع الأبحاث المتخصصة، ودعم الاكتشافات الميدانية.

وموازاة مع جهود وزارة الثقافة في هذا المجال، انخرطت بعض الهيئات والمؤسسات الجهوية بدورها في هذه الدينامية الوطنية الهادفة إلى حماية الموروث الوطني من النقوش الصخرية، ومن ضمن هذه الهيئات مجلس جهة سوس ماسة، الذي بادر مطلع السنة الجارية إلى تنظيم لقاء تواصلي في مدينة طاطا، بتعاون مع عمالة الإقليم، تمخضت عنه مجموعة من النتائج الإيجابية التي تصب في اتجاه حماية هذا الموروث الحضاري الوطني وتثمينه.

وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء ، أوضح الأستاذ أحمد أموس مدير المركز الوطني للنقوش الصخرية أن التوصيات الصادرة عن هذا اللقاء التواصلي كانت بمثابة خارطة طريق من أجل حماية مواقع النقوش الصخرية في إقليم طاطا، وإعادة الاعتبار لهذا الموروث الحضاري وتثمينه ليصبح رافعة للتنمية المحلية بالمنطقة.

وأكد أن من جملة هذه التوصيات، التي وجد البعض منها طريقه نحو التنفيذ، هناك على الخصوص وضع فهرس و خرائط لمواقع الفن الصخري بإقليم طاطا،مع إنجاز الرسوم الطبوغرافية لتحديد مساحة وحدود هذه المواقع في أفق تسجيلها وتصنيفها في عداد التراث الأثري الوطني، وإصدار السلطة الإقليمية لقرار يروم حماية هذه المواقع من كل أشكال التدمير والتخريب التي تتعرض لها، وإلزام الادارات و الجماعات الترابية بإعداد قبلي لدراسات الأثر أو الوقع لمشاريع البنية التحتية على سلامة مواقع الفن الصخري، وتعزيز الحراسة الخاصة بهذه المواقع الأثرية عن طريق تعيين حراس جدد، واقتناء تجهيزات العمل الضرورية لفائدة حراس المباني والمواقع التاريخية الثلاثة المستفيدة حاليا من الحراسة، مع إحداث مركز إقليمي لتفسير وتأويل التراث الصخري و الثقافي بصفة عامة بمركز مدينة طاطا .

وتلتقى النتائج والتوصيات التي تمخضت عن اللقاء التواصلي الذي عقد في مدينة طاطا،مع الأهداف والمرامي التي من أجلها تم عقد الملتقى الوطني الأول للفن الصخري بالمغرب، الذي أسدل الستار على فعالياته مساء أمس الأربعاء في أكادير، وفي مقدمة هذه الأهداف تحيين المعطيات المتعلقة بمواقع هذا التراث العريق على الصعيدين الجهوي والوطني، واقتراح السبل الكفيلة بحماية هذه المواقع وتجويدها، بهدف جعل هذا التراث الإنساني ركيزة من ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحلية والوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *