ملفات

وكالة الانعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليم الجنوب .. وكالة بدون استراتجية ولا أهداف

وقف المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي برسم سنة 2011، على جملة من الاختلالات والملاحظات التي همت عمل وكالة الانعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليم الجنوب. وهي الوكالة التي أُحدثت بموجب مرسوم قانون 2.02.645 الصادر بتاريخ 10 سبتمبر 2002، وتهدف، باعتبارها أداة تدخل عمومية، إلى تنشيط الاقتصاد عبر تحفيز وتمويل وتسويق المشاريع المدرة للدخل.

وكالة .. بدون استراتجية ولا تخطيط !

سجل تقرير المجلس الأعلى للحسابات، غياب أية استراتجية قائمة على تصور واضح للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لأقاليم الجنوب من طرف الوكالة، علما بأن الوكالة تتوفر على مخططات عمل تتجاوز السنة الواحدة، تتضمن عدة برامج. غير أن هذه المخططات تتسم بغياب تام لأهداف واضحة ومحددة الكمية ولمعايير حسن الأداء. وبالتالي، لا تحدد هذه البرامج الاعتمادات المالية المخصصة لوضع مجموعة متكاملة من الانشطة المرتبكة بأهداف محددة تهم الصالح العام والنتائج المنتظرة وتقييماها. وبالرغم من كون التقييم يشكل عنصرا أساسيا في عملية وضع الاستراتجية، فقد ظلت هذه الوظيفة غائبة في مسلسل تطبيق عمل الوكالة.

وتبين الوضعيات المحاسبية والتقارير المنجزة من طرف الوكالة، أن تدخلات هذه الأخيرة يتم قياسها اعتمادا على الكلفة المالية للمشاريع وللنفقات التي خصصت لها. غير أن قياس حسن الأداء لا يمكن أن يتم إلا من خلال رصد آثار التكلفة والنفقات المنجزة. الأمر الذي يفيد بأن الوكالة تنتهج مقاربة تعتمد على الوسائل بدل المقاربة المبنية على النتائج وحُسن الأداء التي من شأنها إبراز المشاريع على الساكنة المحلية.

من جهة أخرى، وفي غياب أية دراسة استراتجية، تم تسطير أول مخطط عمل (2004-2008)، اعتمادا على توصيات الأيام الدراسية التي نظممت بالعيون بتاريخ 18 يونيو 2002. أما المخطط الثاني (2009-2013)، فلم يعتمد في صياغته على تشخيص مسبق، لاسيما تقييم المخطط الأول لتحديد معايير اختيار المشاريع المزمع إنجازها. كما أن المخطط الأخير لم يحدد بدقة أهداف واضحة ومحددة ودقيقة، الأمر الذي لا يسهل عملية تقييمها، كما سبقت الإشارة.

كما أوضح تقرير قضاة المجلس الأعلى لحسابات، أن الوكالة وبالرغم من المكانة المهمة التي خولها المشرع لها، فيبين فحص مخططات العمل أن الانشطة المدرة للدخل ظلت محدودة. كما لم تتخذ الوكالة موقفا استراتيجيا بشأن مشاريع مبتكرة وذات قيمة مضافة في خلق فرص الشغل والثروات، إذ تتدخل الوكالة في مجالات متعددة يمكن إنجازها من طرف هيئات محلية أخرى كأشغال الطريق وبناء التجهيزات الاجتماعية والتربوية والرياضية.

وأوصى المجلس الأعلى للحسابات بهذا الصدد الوكالةَ، بتبني استراتجية واضحة بشكل يراعي خاصيات الجهة، لاسيما في تحديد أهداف محددة وواقعية، ذات نتائج منتظرة، ووضع معايير حُسن الأداء من أجل إدماج وظيفة التقييم في إطار تنفيذ استراتجية الوكالة، مع ضرورة توفير الموارد البشرية والهيكلة الضرورية لإنجازها.

مشاريع بالملايين .. تذروها الرياح

من بين أهم ما سجله قضاة المجلس الأعلى للحسابات لدى افتحاصهم للمشاريع المنجزة من طرف وكالة تنمية الأقاليم الجنوبية، أن عددا من المشاريع المنجزة من طرف الوكالة لا يتم استغلالها بعد اكتمال الاشغال بها، أو لا يتم الانتهاء من أشغال بنائها في وقتها المحدد، دون أن تتعرض تلك المقاولات للمتابعة أو المسائلة، بل يتم منحها صفقات أشغال أخرى كما هو الشأن بالنسبة للمقاولة الحائزة على مشروع “مجمع الصناعة التقليدية بالداخلة”، وهو المشروع الذي كان موضع الصفقة رقم 163/2009، وبدأت الأشغال في دجنبر من نفس السنة على أن يتم الانتهاء من انجازه بعد 10 أشهر، غير أن المشروع تأخر لسنتين، وذلك بسبب عدم قدرة المقاولة النائلة للصفقة على انجاز المشروع، على اعتبار أنها مُنحت في الوقت نفسه مجموعة من الصفقات الأخرى من طرف الوكالة في الفترة ما بين 2005-2011، بما ما مجموعه 43 صفقة أشغال !

وقد أورد تقرير المجلس الأعلى للحسابات كثيرا من الأمثلة المشابهة للمثل الوارد أعلاه أو للمشاريع التي لم تستغل بعد، وذلك بعدد من المدن بمنطقة الصحراء وعلى رأسها مدن العيون وبوجدور والداخلة. ونورد هنا عددا من الامثلة على مشاريع انجزت ولم تستغل بعد في كل مدينة على حدة من المدن المذكورة آنفا.

في مدينة العيون

تم بناء قاعة مغطاة متعددة الاختصاصات الرياضية من طرف الوكالة طبقا لمقتضيات اتفاقية الشراكة عدد 10/2005 بمبلغ إجمالي حدد في 12 مليون ومساهمة الوكالة بلغت 5.5 مليون درهم. وأنجزت الاشغال من خلال إبرام الصفقة العمومية رقم 187/2006 والصفقة العمومية رقم 16/2010 حيث كانت الولاية العيون هي صاحبة المشروع المنتدب، وتم الانتهاء من انجاز المشروع بتاريخ 15-06-2010، غير أن المنشأة لم تستغل بعد.

في مدينة بوجدور

مشروع بناء محطة طرقية من طرف الوكالة طبقا لمقتضيات اتفاقية شراكة مع إقليم بوجدور وهو صاحب المشروع المنتدب بمبلغ اجمالي وصل إلى 12 مليون درهم، بلغت مساهمة الوكالة 5.3 مليون درهم، ورغم أن المشروع تم انجازه وتسليمه للمعنيين بالأمر منذ تاريخ 26-02-2009، إلا أنه هو الآخر لم يستغل بعد، كما هو الشأن بالنسبة لمشروع بناء فضاء للجمعيات المنجز من طرف الوكالة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية طبقا لمقتضيات شراكة مع إقليم بوجدور صاحب المشروع المنتدب، بمبلغ اجمالي يناهز 3 ملايين درهم، ساهمت فيه الوكالة بـ 500 ألف درهم، غير أن الفضاء لم يستغل منذ اتمام الاشغال به أواخر سنة 2009. وهو نفس الواقع الذي آل إليه مشروع بناء مسبح بلدي بالمدينة طبقا لمقتضيات اتفاقية شراكة مع إقليم بوجدور صاحب المشروع بمبلغ اجمالي حدد في 108 مليون درهم بلغت مساهمة الوكالة فيه حوالي 36.6 مليون درهم، وتم الانتهاء من الاشغال به وتسليمه بتاريخ 03-07-2009.

في مدينة الداخلة

تم في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وطبقا لمقتضيات اتفاقية شراكة بمبلغ اجمالي حدد في 18 مليون درهم، بناء سوق بلدي مغطى بالمدينة، ساهمت فيه الوكالة بمبلغ 6 ملايين درهم، غير أنه لم يستغل بعد منذ الانتهاء من الاشغال به سنة 2009. كما هو الحال بالنسبة لمشروع المحطة الطرقية التي تم الانتهاء من الأشغال بها منذ سنة 2011، والتي انجزت باعتماد مالي بلغ 10.8 ملايين درهم، ساهمت فيه الوكالة بـ 3 ملايين درهم. وهو نفس ما آل إليه مشروع بناء وتجهيز المعهد الموسيقي، الذي بلغت كلفته الاجمالية حوالي 128.5 مليون درهم، وبلغت مساهة الوكالة فيه زهاء 40 مليون درهم، غير ان المعهد لم يستغل بعد رغم انتهاء الاشغال به بتاريخ 18-02-2011.

وأمام هذا الوضع المختل الذي تعيشه مجموعة من المشاريع المنجزة بملايين الدارهم، أوصى المجلس الأعلى بضرورة الأخذ بعين الاعتبار استغلال المشاريع واستثمارها للمصلحة العامة، لأن الهدف من هذه المشاريع ليس فقط بناء التجهيزات، وإنما يتعداه ليشمل استفادة المواطنين من خدمات هذه المرافق العمومية.

نقائص في وضع التصورات وتطبيقها

مكن افتحاص إنجاز مجموعة المشاريع من طرف الوكالة (دراسة الاتفاقيات والصفقات)، من الوقوف على مجموعة من الاختلالات في ما يخص وضع تصورات للمشاريع. حيث أن الوكالة تقوم بالتوقيع على اتفاقيات لإتمام مشاريع في طور الانجاز رغم أنها كانت موضوع اتفاقيات سابقة. وهذه الممارسة اعتبرها قضاة المجلس الاعلى للحسابات، ناتجة عن ضعف في وضع تصور للمشاريع وكذا لكيفية تطبيقها.

ومن جهة اخرى تم الوقوف على الاعتماد على تقنية الزيادة في حجم الأشغال والأشغال التي تنجز خارج ما تفق عليه في الصفقة وفي جدول الاثمان من اجل التمكن ممن تجاوز الكميات المرصودة في الصفقات الأصلية أو إضافة أشغال أو توريدات لم تتضمنها جداول الصفقة، وهذا ما يوضح حسب المجلس النقص الحاصل في برمجة مشاريع الوكالة وكذا تسطير مدقق للحاجيات وضبط كلفة المشاريع وذلك بالاعتماد على دراسات مسبقة واستشرافية لكل متطلبات المشاريع المزمع انجازها.

تأخير في إنجاز المشاريع من طرف الوكالة

تم تسجيل تأخر مهم في انجاز وتتمة مجموعة من المشاريع، وهو ما سجلت معه لجنة المجلس الأعلى للحاسبات وجود مجموعة من المشاريع التي شرعت الوكالة في انجازها لكنها لم يتم اتمامها رغم كون الآجال التعاقدية قد تجاوزها. واعتبر المجلس أن هذا التأخر من شأنه إفشال الجهود في تحسين ظروف عيش الساكنة بالإقاليم الجنوبية. ومن أمثلة ذلك ما حصل في انجاز مشروع الثانوية التقنية بالعيون وداخلية، والذي رصد له مبلغ مالي ناهز 20 مليون درهم، وصلت مساهمة الوكالة فيه 7 ملايين درهم، ورغم كون بداية الأشغال كانت في 19-06-2006، إلا أن الاشغال لم تنتهي به بعد، بينما توقفت الأشغال في بناء الداخلية عند حد الأشغال الكبرى.

وهو نفس ما حدث بكل من مجمع الصناعة التقليدية ببوجدور ومركز الاستقبال والندوات بالداخلة ومجمع الصناعة التقليدية بالمدينة ذاتها. الشيء الذي جعل المجلس يوصي بضرورة تسريع وثيرة الصفقات التي تعرف تأخرا في انجازها وتشديد المراقبة في تتبع الصفقات المنجزة مع الشركاء المحليين كصاحب المشروع المنتدب، واحترام مقتضيات النصوص التنظيمية والشريعية المنظمة للصفقات العمومية في حق المقاولات التي سجلت تأخيرا في انجاز المشاريع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *