آراء

هل ما يحدث في مصر الآن .. هو ثورة أم انقلاب؟

أولا إن الإنسان العاقل لن يرضى بأي حال من الأحوال وتحت أي ظرف كان قتل المدنيين الذين اعتصموا في ميدان رابعة العدوى وميدان النهضة بغض النظر عن الخلاف الإيديولوجي مع تنظيم الإخوان المسلمين باعتبارنا علمانيين لا نؤمن بوجوب تطبيق الشريعة الإسلامية في مختلف مناحي الحياة العامة ولا نؤمن بضرورة الخلط بين السياسة والدين الخ من هذه المبادئ الديمقراطية والضامنة للتنمية البشرية والعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة والقيم.

إنني كتبت مقالا قبل رمضان الماضي تحت عنوان: “هل سقط شعار الإسلام هو الحل أم مازال”، حيث قلت فيه إن ما يحدث في مصر اليوم حسب رأيي المتواضع هو معركة من أجل مدنية الدولة وتحقيق أسباب التقدم والرخاء للشعب المصري المتميز بتنوعه الديني والثقافي وتعدد تياراته الفكرية و السياسية وتعدد فنونها الموقرة من قبيل السينما و الأدب الخ من هذه الخصوصيات التي جعلت مصر تعتبر موقع استراتيجي على صعيد منطقة شمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط. غير إنني ارتكبت خطا استراتيجيا آنذاك لان العسكر في نهاية المطاف لا يريد إقامة أي نظام ديمقراطي على الإطلاق بل يريد إحياء عهد الاستبداد والقمع بكل بساطة وبكل تفاصيله بدعم قوي من السعودية التي لا ترغب أصلا ان يوجد بلد ديمقراطي بجوارها يختار الناس فيه رئيس مدني عبر صناديق الاقتراع بكل حرية لأول مرة في تاريخ مصر الحديث حيث أفرزت صناديق الاقتراع محمد مرسي رئيس شرعي لمصر بدون أي نقاش.

وقلت في ذلك المقال حول موقفي من الإسلاميين الثابت ان مشكلة الإسلاميين اليوم بعد مرور تداعيات الربيع الديمقراطي هي تمسكهم بشعار الإسلام هو الحل كما يفهمه السالف الصالح منذ 14 قرنا دون اجتهاد يراعي حاجات المسلمين المعاصرة والآنية  باختلاف مذاهبهم الدينية وهوياتهم الثقافية بينما في أوربا المسيحية استطاعت توحيد شعوبها المختلفة لغويا وثقافيا في إطار الاتحاد الأوربي كخيار ناجح على كل المستويات والأصعدة بينما نحن المسلمون نعتبر خير أمة أخرجت للناس مازلنا نود الرجوع الى فقه الحلال والحرام في الشأن السياسي بمقاييس الماضي الإيديولوجي حيث ان هذا السلوك سيضر بمستقبل الإسلام كدين وكحضارة ساهمت بقسط وافر في الحضارة الإنسانية بدون أدني شك.

لكن عندما نسمع فتاوى تكفر الديمقراطية وحقوق الإنسان والعلمانية تحت ذريعة أن الإسلام هو شامل لمناحي الحياة العامة كالسياسة والاقتصاد والثقافة الخ من هذه المناحي حيث كم كنا نتمنى ان يكون الإسلام بهذه الصورة المثالية غير أن الواقع يقول أشياء موضوعية من قبيل ضرورة قراءة الإسلام قراءة معاصرة إذا أراد المسلمين أن يتقدموا كشعوب الغرب المسيحي لأن التقدم له شروطه الأساسية مثل محاربة نظرية الرجوع الى الوراء نهائيا حيث تصوروا معي إذا حدث هذا الرجوع بالفعل فإننا سنتحول الى خدام الطاعة والولاء بدون أي شروط حيث سيحل الاستبداد محل الديمقراطية عبر القراءة السلفية للنص الديني وبالتالي سيعتبر أية دعوة للاحتكام الى الديمقراطية كفرا و خروجا عن والي الأمر الذي يحكم بشريعة الإسلام كما فهمها فقهاء القرون الماضية الذين عاشوا في ظروف غير ظروفنا الحالية من حيث التطور الهائل التي عرفته البشرية من خلال الاستكشافات الجغرافية والاختراعات المهمة والمساهمة في انتقال البشرية من عصور الكهوف الى عصور الانترنت والفكر الحر والهادف إلى التغيير العميق في فهم المسلمين لسياقهم الحضاري وفق مقاييس عصرنا الراهن.

ان الخلاف العميق مع الاسلاميين لا يعني اقصاءهم من الحياة السياسية كما يحدث في مصر الان من اعتقال عناصر الاخوان المسلمين و سجنهم تحت تهمة الارهاب و اغلاق قنواتهم التلفزيونية الخ من هذه الاجراءات الدالة على حدوث الانقلاب في يوم 30 يونيو الماضي حسب رايي الشخصي كمعارض لجل جماعات الاسلام السياسي كما هو معروف عبر مقالاتي  حيث ان منظومة حقوق الانسان الدولية تضمن لكل فرد الحق في اعتناق الاراء السياسية و الايديولوجية بكل حرية دون قيود بينما داخل منظومة الاسلاميين الفكرية فلا وجود هامش كبير من الحرية في التفكير و التحديث الاساسي في أي مجتمع انساني لان الانسان سيجد امامه خياران لا ثلاث لهما اما تكون معهم في خطهم فانت عندها ستعتبر مسلم سيذهب الى  الجنة و اما تكون ضدهم فانت عندها ستعتبر كافر او ملحد سيذهب الى النار حيث ان الله سيحاسب الناس في نهاية المطاف على اعمالهم كلها  .

انني اعتقد ان شعار الاسلام هو الحل لم يسقط بعد في عيون عامة المسلمين و خاصتهم من العلماء و الفقهاء لاننا نعيش في الازدواجية الخطيرة بين القراءة السلفية للدين و المصطلحات الكونية بالمغرب الذي يتابع بشكل دقيق ما يجري في مصر لان اغلبية المغاربة يتجهون نحو السخط من سياسات الحزب الاغلبي تجاه تفعيل دستور 2011 و تجاه حل المشاكل الاجتماعية كالبطالة و الفقر الفاحش و محاربة الفساد حيث لا ينبغي ان نقارن بين الحالة المصرية و الحالة المغربية لان المغرب بلد له تاريخ طويل مع العلمانية الاصيلة قبل سنة 1912 غير ان التيار الاسلامي ببلادنا ينكر هذه الحقيقة التاريخية لاسباب ايديولوجية بالاساس.

إنه من الصعب إقناع عامة المسلمين بزيف شعار الاسلام هو الحل حاليا بحكم عدم وجود نخبة متنورة من العلماء  و الفقهاء قادرة على تحقيق مشروع اعادة قراءة الاسلام قراءة حداثية وفق حاجات المسلمين المعاصرة و لمالا تاسيس حركات الاسلام السياسي الجديدة من الناحية الفكرية كما في تركيا العلمانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *