ثقافة وفن

“تصابونت” .. عصير التمور والأعشاب المعد للأهل والأحباب بزاكورة

بحلول فصل الخريف، الذي تجنى فيه تمور أشجار النخيل، تحرص ساكنة منطقة زاكورة خاصة بالقرى على تحضير مشروب محلي يطلق عليه “تصابونت”، وهو عبارة عن عصير مستخلص من التمور الممزوجة بأعشاب ونباتات تتواجد على نطاق واسع بالمنطقة.

وحسب باحثين في الثقافة والتراث المحليين، فإن كلمة “تصابونت” المسكوكة بالأمازيغية، تعني “المادة أو الشيء المنظف”، وذلك في استعارة لوظيفة الصابون الذي ينظف الملابس والأواني، في الوقت الذي ينظف مشروب “تصابونت” الجسم من السموم والمواد الضارة.

وخارج إطار البحث عن أصل الكلمة، يبدو أن الأسر بمنطقة درعة ما تزال تعض بالنواجد على هذا المشروب اللذيذ المتوارث، والذي تعمل النساء على إعداده بعناية فائقة وفق طرق، لا تتقنها إلا الحريصات منهن على التشبث بأصول التغذية المحلية.

وحسب شهادات لنساء قرويات بوادي درعة، فإن هذا المشروب، الذي يقدم للأهل والأحباب خاصة في وسط النهار، يتطلب كمية هامة من التمر الطري المائل للصفرة (الساير أو الخلط)، ومجموعة مهمة من النباتات والأعشاب الخاصة بإعداد “تصابونت”.

في البداية، يتم تنظيف الأعشاب والنباتات بعناية ويتم وضعها في إناء قابل للإغلاق يطلق عليه محليا “الخشاشة”، مع إضافة كمية من الماء، وبعد ذلك يتم إغلاق الإناء وتركه لمدة تقارب الأسبوع حتى يمتزج الماء بنكهة الأعشاب والنباتات، ويتمخض عنه سائل لذيذ ذي رائحة زكية.

أما المرحلة اللاحقة، فتتمثل في تنظيف كمية من التمور من كل الشوائب، وإضافة كمية قليلة من الماء، مع العمل على عجنها ودلكها بالأيدي بطريقة تشبه عملية عجن دقيق الخبز، وبعد أن تتحول التمور إلى عجينة متماسكة، يتم خلطها بقليل من المياه الباردة وسائل النباتات والأعشاب المعد سلفا، حتى تصبح سائلا مختلطا.

وتلي هذه المرحلة، مرحلة تصفية المشروب من نواة التمور وغشائها الخارجي باستعمال غربال نظيف، للحصول على مشروب بني طافح برغوة هائجة، فيقدم مباشرة للشرب سواء قبل الأكل أو بعده.

وحسب الحسين بومسعود، باحث في الثقافة المحلية، فإن التجربة أظهرت أن عصير “تصابونت” ينظف الأمعاء والمعدة من الغازات، فضلا عن مساهمته في انتعاش خلايا الجسم، دون إغفال لذته.

وأضاف أن هذا العصير العجيب يساهم أيضا في جعل بشرة الوجه ناصعة تميل إلى الصفرة الذهبية، خاصة بالنسبة للنساء الباحثات عن إضافة لمسة فريدة من الجمال لجسمهن، كما يلعب دورا هاما في جعل النساء النحيفات يتمتعن بجسم ممتلئ، نظرا للمواد المكونة للأعشاب.

وقد تكون كل هذه المميزات والخصائص وراء إقبال النساء على تصنيع واستهلاك “تصابونت” أكثر من الرجال.

ويبقى أن هذا المشروب المحلي الصحي، ما يزال يشكل جزء من الموروث الغذائي الزاكوري المستخلص من التمور الطرية أساسا.

ونظرا لتعدد الخصائص الصحية لهذا المشروب، فقد عاد بقوة ليشكل جانبا أساسيا في المنظومة الغذائية المحلية، التي ما تزال تحافظ على عادات وطقوس متوارثة، وإن انفتحت على بعض متطلبات الحياة العصرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *