متابعات

على غرار قيادة البوليساريو .. انفصاليو الداخل في حرج

لا يخفى على المتتبعين للشأن الصحراوي التراجع الملموس الذي تعرفه الأنشطة الانفصالية لبعض الطلبة المنحدرين من الأقاليم الجنوبية على مستوى الساحة الجامعية بأكادير، والذي تعزيه مصادرنا القريبة من الموضوع بالأساس إلى عوامل منها ماه و ناتج عن الصراع بين مختلف التيارات الطلابية الصحراوية الموالية للانفصاليين ومنها ما هو نابع عن المواقف والقناعات الوحدوية لنفس الشباب الطلابي ومنها أيضا التأثير المباشر للاحتقان الذي تعرفه المخيمات والوضعية المزرية واللا إنسانية التي تعيشها ساكنة هذه المخيمات تحت وطأة الطغمة المتحكمة.

وفي لقاء لهم مع ”مشاهد.أنفو” أكد بعض الطلبة المنحدرين من الأقاليم الجنوبية الذين فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم، أنه منذ انخراط الطلبة الموالين للطرح الانفصالي خلال السنة الجامعية 2002-2003 عقب المؤتمر الحادي عشر للبوليساريو بمخيمات تندوف الذي ركزت نتائجه على تحريض ”انفصاليي الداخل” والطلبة الموالين لهم على إنشاء جبهة داخلية تنطلق من الجامعات وتتفاعل مع كل الأحداث التي تقع بالأقاليم الجنوبية، ومع انطلاق عدة أحداث بجامعة “ابن زهر” بأكادير كان وراءها مجموعة من الطلبة الانفصاليين الذين كانوا ينفذون أوامر ما يسمى ”بانفصاليي الداخل”، تشكلت بهذه الجامعة عدة تيارات طلابية تنحدر من الأقاليم الجنوبية وموالية للانفصاليين كان وراءها طلبة يمثلون مختلف قبائل الصحراء مما أدى إلى سياسة شد الحبل وشكل كل هذا تباعد بين الفصائل السالفة الذكر من أسبابها:

صراع التيارات الطلابية المنحدرة من الأقاليم الجنوبية والموالية للانفصاليين

يرتكز هذا الصراع بالأساس على العناصر التالية:

– الاصطفاف القبلي: اعتبار الطلبة المنحدرين من قبائل الركيبات ِازركيين أولاد تيدرارين والمنتمون لمدن السمارة العيون بوجدور أنفسهم المعنيين بقضية نزاع الصحراء وبالتالي إقصاء الطلبة المنحدرين من القبائل الأخرى.

هذا الموقف جعل عامل القبلية يتصدر الاعتبارات الأخرى ويترجم على أرض الواقع كون التعليمات الصادرة عن قيادة الرابوني عبر الانفصالي محمد ولد السالك ولد عبد الصمد من قبيلة تيدرارين، واسمه الحركي عمر بولسان، تعطى إلى هؤلاء الطلبة فقط وليس إلى غيرهم ونفس الشأن بالنسبة للمساعدات أو الدعم.

– اتهام الطلبة المنحدرين من قبائل الركيبات ِازركيين أولاد تيدرارين والمنتمون لمدن السمارة العيون بوجدور لطلبة كلميم طان طان وآسا المنحدرين من قبائل آيت أوسا ازوافيط ايت لحسن، كونهم محسوبين على المغرب والمصالح الأمنية لأن أغلب آباءهم منخرطون في القوات المسلحة الملكية وسبق أن قاتلوا ”جبهة البوليساريو” وبالتالي تبنيهم لما يسمى بالنضال إلى جانب ”البوليساريو” لا يعتبر إضافة على الساحة الجامعية.

قناعات الشباب الطلابي بزيف الشعارات والنضال من اجل “قضية” خاسرة:

– من بين الأسباب التي أدت إلى عزوف أغلبية الطلبة عن تأجيج الحركات الاحتجاجية بالساحة الجامعية نقف على:

1- فقدان أغلبية الطلبة الصحراويين الثقة في ما يسمى بانفصاليي الداخل أو ”الحقوقيين” كونهم أصبحوا يستخدمونهم كورقة تخدم أجندتهم الشخصية للبروز كفاعلين موالين للانفصال وبالتالي الاستفادة من الإتاوات والإكراميات التي ترسل من ”لاس بالماس” عن طريق عمر بولسان بتموين من الجزائر.

ولعل عمر بولسان كمثال، على غرار نماذج الفساد الكثيرة وسط قيادة الرابوني، التي ترفل في النعيم،(كل حسب موقعه ومرتبته ومكان اشتغاله) وسط تمكين الأقارب وأفراد العائلة من المناصب وتفشي المحسوبية، وغلبة منطق الغنيمة، مقابل البؤس والفقر والضياع الذي يرزح فيه الصحراويين رهائن “القضية” بمخيمات تندوف، كانت من أسباب وعي هؤلاء الشباب بزيف الشعارات المرفوعة من طرف البوليساريو.

فهذا النموذج لـ “المناضل” الذي بدأ حياته عاملا بسيطا بمحطة للوقود بطرفاية، وهي بالمناسبة العقدة التي تشعره بالدونية، راكم خلال “مساره النضالي” ثروات كبيرة من خلال الاستيلاء على جزء كبير من التمويلات المقدمة من لدن اللجنة الوطنية الجزائرية للتضمان مع الشعب الصحراوي، ومما يسمى بوزارة الأرض المحتلة والجاليات، بالإضافة إلى مجموعة من المنظمات والجمعيات المساندة للجبهة والتي تدعي مساندتها لانتفاضة الاستقلال بالصحراء، وكذا من لدن الجاليات الصحراوية بالخارج والدليل، يردف المتحدثون، آثار الترف البادية على حياته والذي من أجل “خدمة القضية” بطريقة أفضل، أحاط به عدد من العناصر المنتمية لقبيلته تيدرارين.

2- الاقتناع بأن المغرب متشبث بسيادته على الأقاليم الجنوبية وتركيزه على الحفاظ على السلم بالمنطقة عبر تشييد آليات حقوق الإنسان والقضاء على المد القبلي حيث يتساوى جميع المواطنين أيا كان أصلهم بالأقاليم الجنوبية تحت قوة القانون، فالمجهودات التنموية والنهضة العمرانية الكبيرة والمتواترة التي تشهدها الأقاليم الجنوبية، والتي تعكس تشبث المغرب بسيادته على أرضه وحرصه على توفير مستلزمات الحياة الكريمة لكافة المواطنين بهذه الربوع، مقابل معاناة المغاربة المحتجزين بمخيمات تندوف خدمة لمصالح شرذمة من المرتزقة الانتهازيين، أضعفت، حسب الطلبة المتحدثين، دعوات الانفصال التي أضحت قليلة ومحدودة وذات تأثير صغير على عكس القناعات الوحدوية لغالبية الصحراويين.

إن معظم الطلبة المنحدرين من الأقاليم الجنوبية واعون بعدم جدوى الجري وراء السراب وضياع الوقت خدمة لمطامع تلك الزمرة التي كشفت نواياها الأيام، موقنين أنه في حالة فك الحصار على المحتجزين سيكون اختيارهم، لا ريب، العودة جماعات إلى المغرب، والدليل يضيف هؤلاء المتحدثون، هو ما حدث لمجموعات من الأفراد والعائلات الصحراويين الذين زاروا المغرب في إطار تبادل الزيارات، والذين فضلوا البقاء بين ذويهم وعدم العودة إلى مخيمات المعانات والذل.

3- انخراط أغلبية الشباب المنحدرين من الصحراء في تنمية الأقاليم الجنوبية عبر إنشاء جمعيات مدنية تنشط داخل الأقاليم الجنوبية وخارج الوطن لفضح سياسات ”البوليساريو” ومحركها الجزائر.

إن كل من زار الأقاليم الجنوبية مؤخرا، العدو قبل الصديق خرج بقناعة مفادها أن المغرب ماض في الانخراط في سياسة البناء والتشييد والتنمية، وإن مناورات الانفصاليين لن تدوم طويلا لأنها ستصدم بقوة الحقيقة والواقع، فمسألة حقوق الإنسان قضية ربحها المغرب بجدارة واستحقاق بشهادة من الأمم المتحدة وأمينها العام بان كي مون، وأن تحركات شردمة من الانفصاليين هي مضيعة للوقت.

إن أهم شيء يشهد به المغربي الصحراوي في وطنه بمن فيهم انفصاليو الداخل هو حرية التنقل والتعبير والتجارة وغيرها وهذه من أكبر النعم المتوفرة ببلدنا والمنعدمة لدى جيراننا وفي مخيمات لحمادة.

سيشهد كذلك بالحقيقة التي لا غبار عليها وهي أن حفنة من المرتزقة تأتمر بأوامر الحكومة الجزائرية التي تسخرها لأغراضها، ولا تمتلك أي قرار مستقل باعتبار أن أفرادها مجرد موظفين فاسدين من الدرجات الدنيا لدى حكام قصر المرادية، قد أجرمت في حق الصحراويين المحتجزين، هم وحدهم من يؤدي ثمن تعنت وفساد هذه الزمرة، التي تتاجر في معاناتهم بمخيمات العار.

4- بروز تيارات شبابية بمخيمات تندوف مناهضة للبوليساريو وقيادته، حيث أدى تحول الطلبة المنحدرين من الأقاليم الجنوبية إلى مسار جديد وهو العالم الافتراضي عبر مختلف صفحات الانترنت واكتشاف أطروحات ”البوليساريو” الزائفة، إلى بروز تيارات شبابية منها ”شباب التغيير” تفضح علنية ممارسات قياديي البوليساريو، بعد اقتناعهم أن هذه العصابة لا ترغب في حل النزاع كي تستمر في الاستفادة من المساعدات الدولية التي أصبحت في تراجع بعد انكشاف أمرهم حيث انتبه هؤلاء بعد انقشاع الغشاوة عن أعين أغلبيتهم بما فيهم الطلبة، إلى البؤس والفقر والضياع الذي يعيشه الصحراويون بمخيمات تندوف مقابل الترف والنعيم الذي ترفل فيه قيادة البوليساريو التي تحول المساعدات الإنسانية و”هدايا” الجزائر إلى وسيلة للاغتناء الفاحش لتراكم الثروات والأرصدة سواء بموريتانيا أو ببعض العواصم العالمية.

ويضيف المتحدثون أن مخيمات لحمادة تعيش احتقانا اجتماعيا وسياسيا غير مسبوق وأن تكرار انتفاضات ”شباب التغيير” أفسح المجال لفئات عريضة من الصحراويين المهمشين والمغلوبين على أمرهم لرفع سقف الاحتجاجات عاليا ضد استشراء ظاهرة القبلية الضيقة، وتفشي الفساد داخل أوساط القيادة، وانتشار كل المظاهر السلبية الاجتماعية التي تتهدد الأسر.

إن غلبة منطق المتاجرة بمعاناة ساكنة مخيمات تندوف، والاصطفاف القبلي بجانب المحسوبية والزبونية والتحالف مع لوبيات وكتل الفساد داخل المقربين من القيادة المتنفذة، لحماية أقارب قيادة البوليساريو من المساءلة وبالتالي تزكية الظلم واللاعقاب، هو الذي غذى بوادر الحركات التمردية التي يقودها ”شباب التغيير” بالمخيمات ونمى الوعي لذا الفئات الشابة خاصة الطلبة والنظر إلى المسالة بتغليب العقل والمنطق بدل العاطفة، حيث بدا الفساد جليا، بدليل أن النسبة الكبيرة من المساعدات الإنسانية التي تقدمها بعض المنظمات والجهات المانحة لفائدة ساكنة المخيمات تحول إلى الأسواق الموريتانية لإعادة بيعها، في الوقت الذي يتم فيه تمرير الفتات لقاطني المخيمات وتكفي زيارة قصيرة لمنطقة الزويرات حيث تعرض سلع المساعدات للبيع جهارا نهارا، لفضح ممارسات قيادة البوليساريو يضيف نفس المتحدثون.

5- انسحاب اغلب الطلبة المنحدرين من الصحراء والذين كانوا يشكلون نخبة ترتكز على تسيير وتأجيج الطلبة داخل الجامعة، إذ أدى صراع التيارات الطلابية المنحدرة من الأقاليم الجنوبية والموالية للانفصاليين وبروز طلبة جدد غير مقتنعين بالطرح الانفصالي إلى انسحاب اغلب الطلبة المنحدرين من الصحراء والذين كانوا يشكلون نخبة مما أدى إلى فراغ الساحة الجامعية من مختلف الداعين إلى تأجيج الحركات الاحتجاجية، وخير دليل على ذلك غياب التفاعل مع ما يقع بالأقاليم الجنوبية ولو على قلتها من وقفات انفصالية تؤطر من طرف ما يسمى ”بالحقوقيون” و”انفصاليي الداخل”.

أمام هذا الوهن الذي له مبرراته الواقعية والمنطقية التي تتجاهلها قيادة البوليساريو” وهذا التراجع والعزوف الطلابي المنحدر من الصحراء على التحرك في الساحة الجامعية، اضطرت هذه ”القيادة” إلى استدعاء طلبة انفصاليين غادروا الجامعة للحضور في مؤتمرات شبابية طلابية بتندوف والجزائر وذلك بالتكفل بتذاكر السفر والإقامة ومنحهم إكراميات مادية حتى يتمكنوا من العودة بقوة للساحة الجامعية، لكن ذلك لم يعط أية نتيجة ملموسة، حيث أن العديد من هؤلاء الطلبة أصبح يرفض الانتقال إلى مخيمات تندوف لاقتناعهم بعدم جدوى تحمل كل تلك الأتعاب وعيا منهم بضرورة التطلع إلى المستقبل ذلك أن النتيجة أصبحت حتمية.

ورغم مكابرتها كالعادة في محاولة للهروب إلى الأمام وربح بعض الوقت، فإن قيادة البوليساريو التي تمنى يوما بعد يوم بانتكاسة كبيرة ومعها حكام الجزائر أصبحت محاصرة داخليا وخارجيا، وتعي أكثر من أي وقت مضى أن عزوف الطلبة المنحدرين من الصحراء عن ما يسمى بالنضال وتفشي عدد من الظواهر السلبية والأمراض والآفات الاجتماعية من قبيل استفحال ترويج المخدرات والحبوب المهلوسة وإنتاج الكحول في معامل سرية، ظواهر تنعكس بالتفكك على حياة الأسر الصحراوية، وكذا الامتعاض الكبير لساكنة تندوف من هاته القيادة المهترئة وتعالي أصوات الاستغاثة.

تبقى الانتفاضات المتكررة ”لشباب التغيير” بالمخيمات هي ما يثير اهتمام الجميع، لأنها انتفاضات غير مسبوقة على مستوى الوتيرة والزخم وانخراط الشباب فيها يؤشر عن بداية نهاية قيادة البوليساريو المرتزقة بمصائر العباد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *