ملفات

يهود زاكورة .. حقائق عن حياتهم بالمنطقة قبل الرحيل

تكاد تجمع المصادر التاريخية، أن إقليم زاكورة استقطب العديد من الهجرات اليهودية منذ القرن السابع قبل الميلاد، وانتهت باستقرار العنصر اليهودي على شكل تجمعات، إلى جانب السكان المحليين، حيث عمرت تلك الهجرات إلى بداية السيتينات من القرن العشرين.

وحسب مصادر كانت لها علاقة تجارية بيهود المنطقة، فإن هؤلاء استقروا بأكبر قصور وادي درعة كثافة سكانية، سواء بعاليته أو بسافلته، وعلى الخصوص بأمزرو وبني سبيح وترغليل وتمنوكالت والعروميات ورباط أكدز وأستور وتمسلا وبني حيون.

وكان اليهود يشكلون أقلية وسط سكان الإقليم بل وحتى داخل القصور التي يتواجدون بها، كما أن حياتهم العامة كانت تدور داخل الملاح، معتبرين أنفسهم جزءً من قبائل درعة، رغم أنهم غير ممثلين داخل أجهزتها وفي نفس الوقت معتزين بانتمائهم القبلي ويحملون ألقاب قبائلهم (مزريوي – ترغليلي – ستوري …. ) ويخضعون لنظام القبيلة.

إلا أنهم خلال فترة الصراعات القبلية بالاقليم (أيام السيبة) إلتزموا الحياد ولم يسجل أن شاركوا في القتال، وفي نفس الآن يدفعون الإلتزامات التي تفرضها القبيلة خلال فترة الحروب. ومن جهتها تلتزم القبيلة بالدفاع عن يهوديها كلما تعرضوا لأذى.

يشار إلى أنه ليس ثمة إختلاف بين اليهود والسكان المحليين من حيث اللباس، اللهم إلا في العمامة الصغيرة التي يضعها اليهود فوق رؤوسهم في حين يبدوا الإختلاف عميقا بين لبس المرأة اليهودية والمرأة المحلية، فإذا كانت هذه الأخيرة تشتهر بلباس أسود اللون فاليهوديات يرتدين الثوب الأبيض مع التشدد على عدم إظهار شعرهن، وكان اليهود يحرمون أكل طعام أهل زاكورة خصوصا اللحم وذلك بدوافع دينية، في حين كان طعام اليهود يقتصر على البيض والدجاج ودقيق القمح.

وحسب العديد من السكان الذين عاصروا التواجد اليهودي أو الذين كانت لهم علاقية بتجار اليهود، فإنهم اشتهروا بشرب وصناعة الماحيا نساءً ورجالا، وتعتبر صناعة الماحيا من مخلفات اليهود بدرعة إذ لا زال السكان يتعاطون لها ويتاجرون فيها.

ويبدو التشابه في العادات بين السكان المحليين واليهود، فالعرس مثلا يمر تقريبا بنفس المراحل التي يمر بها عند سكان زاكورة، فهم يعقدون القران كتابة إلا أنهم لا يدفعون مهرا وتدوم الاحتفالات عندهم أسبوعا كاملا، وخلال هذه المدة يخرج العروسين اليهوديين صحبة أهلهما لمدة ثلاثة أيام إلى الساقية المملوءة ماء للسباحة وسط أهازيج الإقارب، وفي نفس الوقت تكون أزقة الملاح مملوءة بالماء دلالة على حدث العرس الذي يبتدئ في شهر ماي وينتهي أواخر فصل الصيف، ويمكن لليهودي أن يتزوج ابنة أخيه، وإبنة أخته بدون حرج في حين تحرم عليه عمته وخالته وأخته.

ومن الناحية الإقتصادية، وطيلة فترة تواجد اليهود بدرعة فقد سيطروا على التجارة بشقيها المحلي والخارجي، فالأولى يتولاها التجار البسطاء الذين يتجولون في مختلف قصور درع، وهم يرددون “ها الحانوت أ لالة” وهي العبارة التي يرددها التاجر اليهودي أمام البيوت كلما مر منها وتكون كافية ليتحلق حوله نساء القصر لاقتناء حاجياتهم خصوصا وسائل الزينة.

وقد اكتسب اليهود حينها ثقة السكان نظرا لتقنيات تعاملهم، إلى درجة أن الحجاب الذي تحرص المرأة الدرعية على ارتدائه حين يتواجد الرجال المحليين يغيب عندما يحضر التاجر اليهودي، بل أكثر من ذلك لا يجد الرجل حرجا أن وجد زوجته مع التاجر اليهودي داخل بيته يقول مصدر عاشر اليهود بزاكورة.

أما التجارة الخارجية (خارج الإقليم) فيتولاها كبار التجار اليهود، فهم الذين يحتكرون تسويق الحناء والتمور إلى باقي المدن المغربية، وبالمقابل ينفردون بتزويد الإقليم بكل الحاجيات من زيوت وسكر وأثواب وشاي وملح … وحتى يكتسبوا ثقة السكان المحليين يبيعون بـ “الطلق” لمدة طويلة كما يشترون منتوجات فلاحية قبل نضجها.

واشتهروا كذلك بتعاطيهم لما يسمى بـ “الإقراض الربوي” حيث كونوا منه ثروة مالية هائلة يقول مصدرسابق.

ومن الحرف التي اشتهر بها اليهود في زاكورة: الصياغة والخزف والحلاقة. وتكاد تكون الصياغة حكرا عليهم وعنهم ورثها السكان المحليون حصوصا بأمزرو، كما كانت النساء اليهوديات يتعاطين للخياطة في بيوتهن، هذا بالاضافة إلى امتلاك اليهود للعديد من النخيل والأراضي الفلاحية.

هكذا يبدوا أن اليهود كانوا يتحكمون في دواليب الإقتصاد يزاكورة، ورحيلهم بداية الستينات أفقد الإقليم عنصرا حيويا كان من الممكن أن يساهم في تطوير وتنمية المنطقة.

والجدير بالإشارة أن اليهود وسكان زاكورة عاشوا في جو يطبعه التأزر والتأخي، فالعديد من الأسر الدرعية لا زالت تربطها علاقة وطيدة بيهود زاكورة السابقين خصوصا التجار المتواجدين بمراكش ودرب عمر بالبيضاء والصويرة، إذ أن بعضهم لا زالت له ديون بذمة الكثير من سكان المنطقة، كما أن مجموعة من العائلات اليهودية تزور باستمرار مقابر وأضرحة أوليائهم المنتشرة بالإقليم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *