خارج الحدود

شوارع برشلونة .. فضاءات لاحتضان عروض الفن البديل

جرت العادة أن تقرن مدينة برشلونة بفريقها الكروي المعروف باسم “بارسا” الذي هو “أكثر من مجرد ناد” حسب شعار الفريق، في إشارة إلى سمعته الدولية وملايين من عشاقه عبر العالم.
وبما أن “بارسا” أكثر من مجرد ناد فلابد أن تكون المدينة التي تضمه مدينة غير عادية، وإنها كذلك، فهي أشبه بمتحف مفتوح للفن والإبداع على مدار الساعة.
فبرشلونة تعتبر معقلا من معاقل “الفن البديل” وهي التسمية الأدبية التي تطلق على العروض الفنية والموسيقية بشكل عام التي تقدم في قارعة الطريق والساحات العمومية خاصة تلك التي تقع داخل الحي القوطي (باريو كوتيكو) أو حي “إيل بورن” وهو حي عتيق كذلك يوجد على مقربة من الباريو.
وتسمح بلدية المدينة للفرق الموسيقية أو المطربين بالعزف والغناء والرسم والتمثيل في قارعة الطريق على أن يتم تحديد ساعات ومكان العرض بشكل مسبق ودون إمكانية التنقل العشوائي من مكان لآخر.
وتفرض البلدية قيودا صارمة على كل طالب لرخصة الغناء في الشوارع، كما تحظر العزف والغناء عند غروب الشمس استجابة لمطالب سكان الأحياء الذين ينزعجون من الأصوات الليلية.
ويعد الحي العتيق “باريو كوتيكو” من الأماكن المفضلة لدى الفنانين نظرا لكثرة السياح الذين يزورونه والذين لا يبخلون عن المطربين بإكراميات معتبرة.
ومن الممنوعات في هذا الحي العريق الذي يعج بآلاف السياح بشكل يومي وعلى مدار الساعة، العزف على آلات الإيقاع أو آلات النفخ، وكذلك استخدام مكبرات الصوت، لكن على الرغم من كل هذه الضوابط ما يزال يشكل فسحة صغيرة للفنانين، مقارنة مع الضوابط الأشد صرامة في أحياء أخرى في العاصمة الكاطالونية.
ويقول بابلو ديريدا، عازف قيثارة أمام كاتدرائية برشلونة، واحدة من أهم المعالم الأثرية في العمارة القوطية الكاطالونية. “أخشى أن تصبح الأحياء القديمة بالمدينة محظورة على الموسيقيين نظرا لصعوبة الحصول على تصريح لممارسة “الموسيقى البديلة”.
وتؤيد المسؤولة بالمصلحة الثقافية بالبلدية روسا بوش هذا الرأي حيث تقول “فنانو الشارع يحبون برشلونة ، لكنهم يعانون في سبيل ذلك، فقد اصبح لكل حي من الأحياء قواعده التنظيمية الخاصة” بهذا الشأن، مشيرة الى أن مجلس البلدية يعمل باستمرار على تخفيف شروط وإجراءات الغناء أو العرض الفني في ساحات المدينة.
ما أنتونيو بوص عازف على آلة الكونترباص فيؤكد أنه كان في السابق يقدم معزوفاته في ساحة كاطالونيا، القلب النابض لبرشلونة، حيث لم يكن يحتاج العازفون إلى موافقة البلدية، غير أن الأمور تغيرت منذ ذلك الحين، حيث أصبح المطربون ملزمون بتعبئة عدة استمارات من أجل الحصول على موافقة السلطات من أجل الغناء في الشارع.
شيء واحد يوحد بين فناني الشوارع وسلطات البلدية، وهي أن فناني الشوارع ليسوا متسولين بل إنهم مبدعون، جلهم يمارس هذه المهنة مضطرا نظرا للتراجع الكبير الذي يعرفه القطاع الثقافي والفني في جهة كاطالونيا منذ بداية الأزمة الاقتصادية سنة 2008.
وكان وزير الثقافة في الحكومة المحلية، فيران ماسكاريل، قد كشف مؤخرا أن جهة كاطالونيا فقدت 20 المائة من استهلاكها للمنتوج الثقافي خلال الأربع أو الخمس سنوات الماضية.
وأعرب ماسكاريل، خلال ندوة صحافية، عن أسفه لكون المعاملات المرتبطة بالقطاع الثقافي انخفضت بنسبة 20 في المائة، مشيرا، على سبيل المثال، الى أن 60 في المائة من الكاطالونيين لا يذهبون للمسرح أو قاعات العروض مفضلين العروض التي تنظمها مصالح البلدية بالمجان في أهم الساحات العمومية وأمام المآثر التاريخية لجذب السياح.
وحسب دراسات جامعية نقلت نتائجها الصحف المحلية فإن أزمة المنتوج الثقافي متشابكة منها ما هو متعلق بانتشار التكنولوجيا الرقمية ومنها ما هو مرتبط بالأزمة الاقتصادية مع كافة تداعياتها الاجتماعية.
يذكر أن الحكومة المحلية اضطرت الى تقليص ميزانية الثقافة بنسبة 21 في المائة خلال الفترة ما بين عامي 2009 و2014 سيرا على نهج الحكومة المركزية في مدريد التي خفضت بدورها من الميزانية المخصصة للقطاع الثقافي بنسبة 71 في المائة خلال السنوات الأخيرة.
كما تعتبر نسبة الضريبة على القيمة المضافة المفروضة على المنتوج الثقافي (21 في المائة) من النسب الأكثر ارتفاعا في أوروبا وهو ما يعيق أي تطور إيجابي أو إبداعي في المجال الثقافي في كاطالونيا وإسبانيا على حد سواء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *