آخر ساعة

الصحراء .. الحقائق التاريخية قبل الجغرافية

مقال رأي

على بعد أيام قليلة سيحتفل الشعب المغربي بذكرى المسيرة الخضراء لاسترجاع أقاليمه الجنوبية، هذا الحدث التاريخي الذي شارك فيه أكثر من 350 ألف مواطن مغربي الذين كسروا حواجز الذل والعار والتحقوا بإخوانهم في الأقاليم الجنوبية الذين تجمعهم معهم ارتباطات الدم والقرابة والبيعة لملوك الدولة العلوية الشريفة وقد زكى هدا الطرح الأخير الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بلاهاي التي أتبثت تواجد هده الأواصر والقرابة التي تمتد تاريخيا إلى سنوات بين سلاطين المغرب وسكان الصحراء .

المسيرة الخضراء ليست حدث عادي بل يتعلق الأمر بقرار سياسي شجاع يقتدى به لتنوير الرأي العام بمجموعة من الحقائق التي تهم ملف الصحراء، خاصة تحوّل عملية تحرير الأرض من الاحتلال الاسباني إلى حرب بإيعاز وسند من الجارة الشرقية الجزائر دامت قرابة 15 سنة قبل أن يُعلن وقف إطلاق النار، وبعده العديد من التطورات والاقتراحات والمفاوضات حول هذا الملف، لدرجة أصبح معها المغرب مضطرا إلى خوض المواجهة على جبهات تبتعد أكثر فأكثر عن أصل الملف وجوهره، مثل الصراع حول جدلية توسيع صلاحيات بعثة “المينورسو” تارة، واستغلال الثروات الطبيعية لإقليم الصحراء المتنازع عليه تارة أخرى، ثم ملف حقوق الإنسان وكيفية التعامل مع انفصاليي الداخل المصرّين على استفزاز المصالح الأمنية من داخل الأقاليم الصحراوية وكل أقاليم المملكة المغربية….تراكمات تجعل البعض، خاصة منهم أجيال ما بعد حدث المسيرة الخضراء، أمام متاهة يضيع معها جوهر الملف وحقيقته.

لقد كشفت وثائق أمريكية مؤخرا بشكل واضح أن القوة العظمى التي طالبها جلالة الملك “محمد السادس” نصره الله -في  خطاب له-  بموقف واضح من قضية الصحراء، كانت دائما تؤمن أن المغرب هو الدولة الوحيدة التي تربطها علاقات وثيقة بالصحراء، بل إن الجزائريين، وعلى رأسهم الرئيس الراحل “هواري بومدين”، كانوا يعتقدون، حسب ما ورد في حواره مع وزير الخارجية الأمريكي، “هنري كيسنجر”،  أن الحل يكمن في أن تقسم الأرض بين المغرب وموريتانيا، على اعتبار أنهما الطرفان المعنيان بها، وأن سكانها الرحل الذين لا يتجاوز عددهم الثلاثين ألفا يعيش قسمهم الأكبر بين المنطقة المتنازع عنها والمغرب.

الوثائق السرية التي كشفت عنها ”CIA“ مؤخرا بعد خروجها من نطاق السرية، تحمل إضاءات مهمّة حول حقيقة الصراع وأصله ويتعلّق الأمر بوثيقة أعدّتها مصالح الوكالة في العام 1974، بشكل مفصّل ودقيق.

الوثيقة عبارة عن مرجع أعدته مصالح الوكالة الاستخباراتية المتطوّرة، ورفعته إلى إدارة الرئيس الأمريكي، أهمية الوثيقة تكمن في تاريخ إعدادها، أي في مرحلة كانت الولايات المتحدة الأمريكية شديدة التمسّك بموقف الحياد في ملف الصحراء، مبرّرة ذلك بغياب أية مصالح يمكن أن تدفعها إلى اتخاذ موقف، ورغبتها الكبيرة في عدم تأثير هذا الملف على علاقاتها مع الدول المعنية به، خاصة إسبانيا والمغرب والجزائر. كما تتضمّن الوثيقة وصفا دقيقا يكاد يكون علميا لأصول وجذور المشكل، ويكشف حقيقة الوضع الديمغرافي للصحراء وعلاقة السكان بدول المنطقة، وكذلك الأسباب الحقيقية لموقف كل دولة من الدول المعنية بالموضوع. الوثيقة تكشف بكل اختصار معرفة الأمريكيين الكاملة بكون الأمر يتعلّق بصراع “مغربي- جزائري”، وتقرّ بكون الجزائر استعملت الموضوع لمعاداة استقرار جارها المغرب، ولكونها تعتنق فكرة اعتبار دول الجوار مشاريع خصوم يجب محاربتهم بشكل دائم لبسط سيادتها على المنطقة وفق منطق مرض و عقدة دائمة ألا وهي الهيمنة عن طريق خلق مشاكل من شأنها إضعاف القوى الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية لدول الجوار، بدأ بالقوية ثم الأقل منها قوة.

لقد كانت الجارة الجزائر والتي اعتنقت الإيديولوجية الاشتراكية تسعى إلى لعب دور دركي المنطقة المغاربية إلا انه مع مرور الوقت اقتنع الضباط العسكريون أن ذلك لن يتأتى إلا بوجود دولة ذات نظام سياسي وعسكري قوي فوق منطقة إستراتيجية مما دفع بهم إلى البحث عن هده الخصائص التي تبدو لهم في الساحل الأطلسي مما حدا بهم إلى الجري نحو التوسع لتحقيق مناوراتهم السياسية .

إن الجزائر ذات نظام اشتراكي والذي جلب الويلات على الشعب الجزائري وأزمات اجتماعية واقتصادية ثم تلتها أخرى سياسية متعاقبة كلها عوامل دفعت الجزائر إلى تبني جبهة البوليساريو ذات الأطروحات الانفصالية التي ولدت في خضم تصفية الاستعمار الإسباني بالمناطق الجنوبية للمملكة، فانبرى الحكام الجزائريون إلى إيواء هؤلاء الانفصاليين ووفروا لهم الأرض والدعم المادي و اللوجيستيكي من أجل الدعاية لدولتهم المزعومة، و بهذا كونت لهم كيان وهمي لعب دورا كبيرا في زعزعة امن واستقرار امن منطقة الساحل و الصحراء.

إن موقف الجزائر في قضية الصحراء مثير للتساؤل و الاستغراب لأنها دائما تهرب إلى الأمام وتضرب كل الجهود الأممية والإقليمية الرامية إلى إيجاد حل سلمي لمسألة الصحراء عرض الحائط، في الوقت تدعي فيه أنها تدعم كل المجهودات الرامية إلى إيجاد حل دائم لهدا النزاع المفتعل في الوقت الذي يلتزم فيه قادة البوليساريو بالصمت أمام هدا الموقف الجزائري المتدبدب مما جعلهم يلوحون بالرجوع إلى حمل السلاح لحل هدا المشكل الذي عمر طويلا رغم أنهم يعرفون مسبقا أن هدا الحل ليس بالمناسب بحكم التجربة المريرة التي ذاقوا فيها العذاب وكبدوا فيها الخسائر أمام القوات المسلحة الملكية الباسلة مما اضطرهم إلى تغليب منطق السلم على الحرب، أضف إلى هذا الحصار المضروب عليهم من خلال تثبيت الجدار الأمني العازل على الحدود المغربية الجزائرية مما جعلهم يعيشون عزلة تامة.

من خلال ما سبق يظهر جليا أن البوليساريو ما هو إلا دمية بين أيادي الجنرالات الجزائريين الذين يسعون عبره إلى

تحقيق أطماعهم السياسية التوسعية في منطقة الساحل الأطلسي التي تهدف إلى الحصول على منطقة إستراتيجية على حساب المغرب، ويكون حل مشكل قضية الصحراء بيد الجزائر وما البوليساريو إلا واجهة خارجية، وقد أثبتت دعوات أطراف دولية وإقليمية عدة الجزائر إلى التفاوض مع المغرب.

إن الجزائر لعبت دورا كبيرا في تحريض الانفصاليين على عرقلة تطبيق مخطط الأمم المتحدة القاضي بإيجاد حل سلمي لنزاع الصحراء، فصناع القرار الجزائري مقتنعون بحتمية مغربية الصحراء وهذا الاقتناع يجعلهم يرفضون أي مسعى في اتجاه حل نهائي ودائم للنزاع، مما أدى إلى تكريس وضعية التأزم التي أضحى يعيش عليها البوليساريو، مما جعله ينخرط في أعمال مافيوزية وإرهابية وانخراطه في عمليات تهريب أفارقة من جنوب الصحراء في إطار الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا عبر الجزائر وموريتانيا، مما يجعل البوليساريو محط اهتمام من لدن أطراف دولية تترصد بؤر الأعمال الإجرامية في العالم.

إن حدت المسيرة الخضراء شوكة في عنق جنرالات الجزائر الذين مازالوا لم يستسيغوا بعد أن هذا الحدث يعد طفرة نوعية في ربط شمال المغرب بجنوبه ومدى الروابط التاريخية فيما بينهم مما يجعل أسطورة البوليساريو أكل عليها الدهر وشرب أمام إجماع دولي يسعى إلى إيجاد حل لهذه القضية على امتداد الزمن والتي مازالت الجزائر تناور وتعرقل هذه المساعي الأممية التي ستكون محسومة لصالح المغرب، و  لعل ما تعبر عنه اليوم أهالينا بمخيمات تندوف، يهيج في النفوس مشاعر الحسرة والاستنكار، ويبدو أن قيادة “الرابوني” اليوم تعيش أحداث نهايتها، وهي تعبر عن ذلك في سلوكها الهمجي تجاه المحتجزين الصحراويين، الذين فجروا أخيرا كل ما بداخلهم من تراكمات رسبتها سنين طويلة من القهر والتعذيب والتشريد بصحراء “لحمادة”.

والجزائر اليوم بآلة تحكمها في البوليساريو تعتزم تنفيذ ما كانت تنفذه في حق أشقاءنا الجزائريين، لإخماد ثورة شعب انتفض أخيرا ضد جلادي الذل والعار من الجزائر و”الرابوني” وهذه ما هي إلا بداية أحداث نهاية “البوليساريو”، التي باتت تلعب آخر أوراقها، بعد أن انكشفت حقائق تظهر بوضوح ملامح  استغلال البشر في الاسترزاق باسم القضية، وقد ترتبت عنها مظاهر لعبودية لم يعد لها وجود في كل المجتمعات ما عدا “تندوف”

فلا مفر من أن الضغط مولد للانفجار، ولا مفر من انتهاء ظلام الليل و بزوغ ضوء الصباح، وقد آن أوان الصحراويين بتندوف أن ينهضوا من سباتهم العميق على ضوء شمس ساطعة، تنير لهم الطريق نحو حياتهم التي حرموا من أبسط شروطها، واليوم تندوف في حالة استنفار أمني بسبب الاحتجاجات الشعبية التي تعرفها كل المخيمات تنديدا بمظاهر الفساد والقمع والعبودية بكل أشكالها القبيحة….وقد تعرف “تندوف” ما عرفته ليبيا على يد “القذافي” و سوريا على يد “بشار”، إن لم نقل أن الرابوني أشرس بكثير ممن ذكرناهم….

إذا كانت الجزائر فيما قيل تشجع الانفصال فهاهي الآن تعيش على وقع الانشقاقات والانقسامات مما يهددها بالخراب ولعل رغبة منطقة القبايل في استقلالها عن الدولة الجزائرية، ويأتي هذا التأكيد هذه المرة، على لسان رئيس الحكومة المؤقتة لمنطقة القبائل، فرحات مهني، الذي أكد خلال ندوة عقدت يوم السبت المنصرم في نيويورك، أن شعب القبايل عازم على انتزاع الاستقلال وتوقع انهيار الجزائر حيث قال بالحرف إن ” الجزائر سوف تنهار أسرع مما كنا نعتقده! و يضيف مهني، مطمئنا المجتمع الدولي، ولا سيما البلدان المجاورة، بخصوص الأثر الإيجابي لاستقلال منطقة القبائل على الجميع وان التهديد الدائم الذي تمثله الجزائر على الأمن في المنطقة، سوف يختفي.

 

إن رواد مشروع استقلال منطقة القبايل يرون أن المنطقة ستعرف خريطة سياسية جديدة سيسود فيها السلم والسلام والثقة والطمأنينة وسيزول التوثر الذي يوجد مع الجيران والذي زرعه الجزائر مند سنين خلت من خلال تهديداتها وتدخلها في الشؤون الداخلية للبلدان المجاورة كالمغرب وتونس والتي تتاجر بأمنهما.

إن ظهور هذه الحركة الاستقلالية في الجزائر أتى نتيجة التطورات السياسية التي يعرفها هدا البلد والتحرر من العبودية للانعتاق ومن اجل خلق قوة اقتصادية مغاربية في إطار من التعاون بين بلدان المنطقة ومحاربة التفكك وخلق الكيانات الوهمية التي أنتجتها المناورات ا لسياسية والدبلوماسية لحكام قصر المرادية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *