الشريط الأحمر | ملفات

بالتفاصيل الدقيقة .. هكذا يتم تهريب البنزين بالأقاليم الجنوبية

هم أشخاص يعملون على شكل خلية كل يؤدي واجبه من مكانه، لا يهمهم أن تفلس الدولة أو أن يتم تخريب إقتصادها، كل ما يهمه هو تحقيق أكبر عدد من الأرباح عن طريق المتاجرة في المحروقات المهربة.

فقد بسط أباطرة التهريب نفوذهم على مختلف الأقاليم الصحراوية، حتى أصبحوا يمارسون عملهم الإجرامي تحت ضوء الشمس، بل إن مدينتي كلميم وإفني أصبحتا تعجا بمحلات بيع البنزين المهرب، يتاجرون فيه علنا وأمام رجال السلطة بمختلف تلاوينهم.

يعمل هؤلاء الأشخاص على جلب كميات ضخمة من البنزين المهرب على متن سيارات رباعية الدفع من منطقة “راس الخنفرة” المتواجدة على الطريق الرابطة بين مدينتي كلميم وطانطان والسمارة، لأن المحطات الثلاث المتواجدة بهاته المنطقة تبيع البنزين المدعم من طرف الدولة وهي أقرب نقطة يباع فيها البنزين المدعم من مدينة كلميم:

المنطقة معروفة ببرودة الجو طيلة الفصول الأربعة، وإحدى المحطات الموجودة بها لا تفصلها عن نقطة التفتيش التابعة لدرك سيدي إفني سوى 200 متر تقريبا، أي أن عملية شحن البنزين من طرف المهربين تتم أمام أنظار عناصر الدرك الملكي. ويقال إن هؤلاء لا يحق لهم التدخل في هاته الحالة لأن المحطة تقع في النفوذ الترابي لدرك مدينة طانطان.

عمليات نقل البنزين

تتم عمليات نقل البنزين طيلة 24 ساعة وبدون إنقطاع، والمسافر على الطريق الوطنية رقم 1 سيلاحظ الكم الهائل للسيارات الرباعية الدفع، التي يشتغل بعضها لحساب شخصيات نافذة بالإقليم، ويلاحظ أن بعضها يمر على مختلف دوريات الدرك الملكي المتنقلة والقارة ذهابا وإيابا دون أن يتم توقيفها أو حتى تفتيشها.

ويقدر المبلغ المتعارف عليه (الطاريفا) الذي يقدم كإتاوة للدرك في 20 درهم ذهابا و100درهم إيابا، وهناك طريق بالصحراء يلجأ إليها المهربون الذين ليس لهم من يحميهم يطلق عليها “الطريق الشرقية”، بحيث يستغرقون أزيد من 35 ساعة من السفر ويدخلون مدينة كلميم من قرية تيغميرت بعد مرورهم على قرية “أم لعويتكات” المتواجدة بالنفوذ الترابي لعمالة أسا.

يخرج مهربو البنزين من مدينة كلميم بشكل جماعي قد يصل إلى عشرة سيارات تتكلف واحدة بالوساطة مع رجال الدرك، ويقطعون أزيد من 200 كلم جنوب كلميم للوصول إلى منطقة رأس الخنفرة حيث يملؤون براميلهم الفارغة بالبنزين من المحطة ثم يرجعون إلى مدينة كلميم إما عبر الطريق الوطنية أو عبر الصحراء بعيدا عن أعين الدرك الملكي.

قواعد اللعبة

شأنها شأن أي مهنة يمنعها القانون، فالمهربون يخضعون لضوابط ومواصفات لا يمكن تجاهلها، إذ أن كل سيارة يتواجد فيها شخصين كل واحد منهما يؤدي مهمة معينة، فالسائق يجب أن تتوفر فيه مواصفات حتى يتم تأمينه على إحدى السيارات، أهمها أن يكون محترفا في السياقة يهوى القيادة بسرعة عالية.

أرباب هاته السيارات يفضلون دائما ذوي السوابق العدلية لأنهم لا يترددون في مخالفة القانون، وكذا لأن باستطاعتهم مواجهة رجال الدرك، وتكمن مهمة السائق في ملازمة المقود وعدم تركه مهما كانت الظروف، وكذا عدم إيقاف تشغيل السيارة أينما كان.

كما أن معظم السائقين بهذا الميدان يحفظون جميع الطرق بالصحراء حتى أن بعضهم يستطيع القيادة ليلا ودون إستعمال الإنارة، أما مساعده أو “لكريسون” فمهمته تكمن في ملء البراميل من المحطات ويكلف بجولات إستكشافية أثناء الرحلة عند الإقتراب من بعض الأماكن المعروفة بالتواجد شبه المستمر لرجال الدرك الملكي.

كما يكلف “الكريسون” بحراسة السيارة في حالة وقوع أي عطب بينما يرافق السائق باقي السيارات من أجل إخبار رئيسه بالعطب ويرجع رفقة الميكانيكي أو السيارة التي سيتم قلب الشحنة فيها من أجل دلهم على مكان السيارة التي أصابها عطل.

التمويه والتنكر

من أجل تمويه رجال الأمن والدرك يقوم مهربو البنزين بمجموعة من العمليات حتى لا يتمكن متعقبيهم من رجال الأمن من أخد أي معلومات عن السيارات التي يستعملونها في تهريب البنزين، حيث يعمل أغلبهم على وضع الوحل على ترقيم هاته السيارات فيما يقوم آخرون بتبديلها أو بنزعها كليا، هذا في الوقت الذي يلبسون وشاحات صحراوية يخفون بها وجوههم.

السرعة المفرطة أيضا تعتبر من بين الوسائل المستعملة من أجل الهروب قبل أن يتم أخد المواصفات الدقيقة للسيارات، وفي حالة مطاردتهم على الطريق خارج المدار الحضري يدخل هؤلاء الأشخاص في قلب الصحراء إذ يعجز رجال الدرك على تتبعهم لعدم توفرهم على سيارة بإمكانها السير بالصحراء أو لخوفهم من المواجهات التي قد تقع بعيدا عن الأنظار.

تفريغ الشحنات وتوزيعها

بعد دخولهم لمدينة كلميم تتجه السيارات المحملة بالبنزين المهرب إلى أماكن مخصصة للتفريغ بسرعة جنونية، وتتلخص مواصفات هاته الأماكن بكونها أراضي شاسعة محجوبة بأسوار عالية تستعمل لتخزين البنزين ومنها تنطلق عمليات توزييع البنزين على المحلات التي تبيعها بالتقسيط عن طريق طلبات يتقدم بها أصحابها. هاته العملية تتم علنا دون تدخل السلطة.

ومن الخطير في الأمر هو أن بعض سيارات المهربين تقوم بتفريغ حمولتها مباشرة ببعض محطات الوقود التي تعيد بيعها بالثمن المتعارف عليه، بل الأخطر من كل هذا هو أن بعض هاته المحطات في ملكية بعض الشخصيات الوازنة بالإقليم.

ورغم تفاقم ظاهرة تهريب والمتاجرة في البنزين المهرب لا يلاحظ أية ردة فعل للجهات الرسمية المعنية، بل أن بعض المسؤولين تشير إليهم أصابع الإتهام بالتورط في تفشي هذه الظاهرة التي أصبحت كابوسا يقض إقتصاد المملكة.

وفيما تتعالى أصوات بعض الفعاليات الغيورة على الوطن بضرورة وضع حد لمهربي المحروقات وردعهم يستمر بيع هاته المادة في واضحة النهار بمدينة كلميم. ومن يدري ربما تتسبب سجارة في كارثة قد تؤدي بحياة أبرياء لعدم توفر شروط الأمان والسلامة داخل محلات بيع البنزين المهرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *