متابعات

“محمد السادس: ملك الاستقرار” .. مؤَلَّف صدر حديثا في باريس

صدر حديثًا في العاصمة الفرنسية باريس كتاب “محمد السادس .. ملك الاستقرار”، لكاتبه جان كلود مارتينيز، وجرى عرضه للمرة الاولى في معرض الصحافة والكتاب الذي نظم في جنيف بين 29 أبريل الماضي و3 مايو الحالي.

يقول مارتينيز في مقدمة الكتاب: “توجد أمامنا اليوم سوريا والعراق وليبيا، وهي دول تعيش حالة تمزق، وجنوبًا على الحدود مع الساحل توجد دولة مالي مع وقف التنفيذ، فيما تعاني تونس، شرقًا، من العمليات الإرهابية. مصر بدورها تعيش حالة ارتباك، وما زالت غزة تبحث بحثًا محمومًا عن السلام المستحيل وحتى الجزائر، بلد العسكر والغاز، يؤرقها المستقبل الهش للملايين من الشباب بلا أفق”.

يضيف مارتينيز، الخبير الفرنسي في القانون الدستوري والمحاضر حاليًا بجامعة أساس الشهيرة بباريس وبجامعة وجدة المغربية، والعضو البارز بالبرلمان الأوروبي: “في هذا الفضاء المتوسطي، حيث يسود العنف والرعب، يبقى القطب الوحيد للاستقرار ممثلًا في الوطن العلوي العريق، تحت ملكه وبملكيته الضاربة جذورها في الأعماق”.

يمرفأ الاستقرار

يرى الكاتب أن انتقاد المغرب وملكه وصحرائه باسم حقوق الإنسان لدى سدنة المعبد الأوروبي للحريات يعود إلى أنه ليس جمهورية، الامر الذي ضاعف من عدد الكتب التي نعرف، والتي كتبها أصدقاء يرفعون عقيرتهم بالنباح ضد المغرب وضد ملكه.

هذا الكتاب ليس إضافيًا عن الملك، يقول مارتينيز، “لكنه كتاب عن التحديات التي لا يمكن لفرنسا وأوروبا أن ترفعها إلا بمعية الملك”. لماذا يا ترى؟ يتساءل الكاتب الفرنسي، والجواب: “الملك محمد السادس موجود دائمًا عندما يتعاقب خمسة أو ستة رؤساء على قصر الاليزيه، وحتى عندما ينقضي القرن الحالي، سيكون هناك دائمًا وأبدًا ملك حاضر، وهذا الملك هو الحسن الثالث، ولي العهد الحالي”. يقول الكاتب: “لنصنع إذن من مرفأ الاستقرار هذا فرصة لنشيد مجموعة متوسطية ذات قدر مشترك، نحن في أمس الحاجة إليها.

فأوروبا، لا سيما فرنسا المسؤولة عن الفوضى في ليبيا، وما جرته بذلك على مالي مع تفاقم عدم الاستقرار في الساحل، ليس من حقها أن تضيّع، باسم الايدولوجيا أو الأفكار الجاهزة أو التواطؤات القديمة مع الدوائر الجزائرية، حظوظ المعجزة المغربية وفرصتها”.

يضيف: “هناك معجزة مغربية، ونحن بالفعل أمام بلد تطول فيه لائحة الأشياء غير المستحبة، فلدينا 20 في المائة من الشباب العاطل، والقناطر الحديثة البناء قد جرفتها السيول، والموظفون الذين يرحلون رويدًا رويدًا ولا كفاءات كافية لتعويضهم، إضافة إلى التجهيزات الصحية المطلوب إنجازها، لا سيما في القرى الجبلية حيث تصل الأدوية في أحسن الأحوال على ظهور البغال، وصدمة الشيخوخة القادمة من دون الموازنات الاجتماعية لمواجهتها، علاوة على هجرة من الجنوب يجب استيعابها، وكل هذا مصحوبًا بكلفة 40 سنة من الحرب لا بد من تحمل أعباء موازنتها”.

حلم غير مصرح به

لكن هذا الواقع لا يدوم إلى ما لا نهاية. قال مارتينيز: “في الوقت الذي يعز فيه علينا، نحن الأوروبيون أن نعرف مصير اليونان، وما إذا كانت عملة اليورو ستبقى أم لا، وما إذا كان تسونامي انتخابي في 2017 بباريس سيكنس قصر الاليزيه أم لا، وفي هذا الوقت نملك جارًا حكمه متواصل ومستمر على مدى 34 سنة بالنسبة لمحمد الخامس، و38 سنة مع الحسن الثاني، وها قد مضت حتى الآن 16 سنة بالنسبة لمحمد السادس”.

وبالنسبة إلى آخر من تبقى من الفرنسيين من جيل ما بعد 1968، الذي طالما تولّه حبًا بالرئيس الصيني ماو تسي تونغ والاشتراكية النفطية وجنرالات الجزائر، “لا يمثل الاستقرار في المملكة الشريفة والضامن للطمأنينة الأوروبية أولوية لديهم، إذ يحلم هؤلاء التقدميون حلمًا عدميًا بأن تشتعل النيران في بهلوان يلعب بها في جامع الفنا بمراكش، لتشتعل بعدها الالعاب النارية باسم حقوق الإنسان، فيحدث أن تتكامل في مشهد واحد، من ثلوج قمم اوكايمدن إلى الشواطئ الأطلسية بالداخلة، والأنقاض الرومانية في وليلي، مع الأنقاض الجديدة للمخزن الذي سيجرفه ربيع شعبي وثوري الإلهام”.

هذا الحلم غير المصرح به، هو الذي يشكل الخلفية المسكوت عنها لكل الكتب – القوالب الجاهزة التي تثقل المغرب وملكيته وتقيس ثقلهما، تزكم الأنوف حولهما وتترصد روائحهما، عقودا بعد عقود. بيد أن المرء لا يحتاج أن يكون عالما مستقبليا كبيرا لكي يعرف ما سيحدث في أقل من 100 يوم لو أن خرافة سياسية، من نوع ثورة الياسمين التونسية زعزعت الاستقرار في الرباط.

الباب المزدوج

سيبدأ كل شيء بحكومة وحدة وطنية ذات واجهة عريضة، سرعان ما ستسقط في العجز الشامل، ثم، من الرباط إلى بروكسل مرورًا بباريس، ستشق هذه المغامرة أغلب الدول على ضفتي الأبيض المتوسط، إلى أن تصل الاتحاد الأوروبي الذي سيخرج منها مهزوزًا.

فقوة الصدمة المزلزلة ستقفز بسهولة فوق جبل طارق، مثلها في ذلك مثل مخروط الصنوبر عندما يقفز في حرائق الغابات، فتنتقل من مكان إلى أخر وتنشر اللهب.

ومفاد هذا الحديث هو أن سعي أوروبا عمومًا وفرنسا خصوصًا إلى لعب دور المتدرب الساحر لتلقين الدروس في حقوق الإنسان، من السمارة إلى العيون أو الداخلة، لن يقتصر على المخاطرة بوقوع بعض الحوادث الإضافية مثل “لمبيدوزا”، بل سنكون أمام كارثة بحجم فوكوشيما، جيو-استراتيجية، تحت نوافذ بروكسل وباريس نفسها.

هذا هو السبب اليوم الذي يفرض الحذر غرب شمال إفريقيا، وتحديدًا مع المغرب، بلد الباب المزدوج المنفتح على أوروبا وإفريقيا، المنغلق في الآن نفسه في وجه الساحل الضاج بكل أنواع الفوضى، والهدف كله من وراء هذا الكتاب الذي يطلق صفارات الإنذار، كما يوضح الكاتب.

ففي الأقاليم الجنوبية الصحراوية للمغرب، التي أصبحت صنو منطقة إلزاس-لورين الفرنسية، يتعرض هذا الجزء من الارض المغربية منذ أربعة عقود، ليس فقط للمناورات الدبلوماسية المنسقة والانتقادات المتجددة على الدوام، بل لحرب في الظل على طريقة أنطونيو غرامشي، المفكر والمناضل الشيوعي الايطالي المعروف بتنظيراته للحرب، والذي قتله النازيون، يقودها الجهاز الأمني الجزائري الذي يتفوق في توظيف وتشغيل شبكات الأممية المناضلة العالمية، القائمة منذ سنوات الحرب الباردة.

الوضع الاعتباري

إنها حرب مر عليها 38 سنة، تخاض على كل الجبهات، الدبلوماسية منها والإعلامية والثقافية، على شكل شبكة جرى نسجها بحبكة، بما في ذلك على الانترنت، بهدف استمالة العقول لفائدة قضية صحراوية، جرت فبركتها في المكاتب الجزائرية، ومثل دولة – ايكيا سلمت عدتها لتركيبها تحت خيمة في تندوف.

كل هذا كان من الممكن أن يكون شيئًا لطيفًا، مثل أي إنتاج من تلفزيون الواقع السياسي أو مثل فيلم للمخرج الاسباني الكاتالوني خابيير بارديم، خرج من استوديوهات الإنتاج في الجزائر العاصمة، وقد استدعى الجمهور للاستماع إلى المغنية عزيزة تحت أضواء النجوم، حول نار بمخيم في تلال الصحراء الرملية.

بيد أن الموقع الذي يوجد فيه المغرب، في زمن الإرهاب الحالي، مع مقاتلي تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي وتنظيم “بوكوحرام” وفروع تنظيم داعش الذين يجوبون طرق الصحراء، وصولًا إلى متاحف تونس العاصمة، يجعل السعي إلى إعادة حروب الاستقلال والتحرير الوطني وتصفية الاستعمار، كما كان الأمر في زمن شباب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لعبًا بعود الثقاب قرب برميل البارود، مع ما يَكْمُن في ذلك من خطر في تفجير هذا الربْع من العالم.

يقول مارتينيز: “هذا هو السبب الذي يجعل من ملك المغرب، بوضعه الاعتباري دينيًا كأمير المؤمنين، ووضعه الاعتباري سياسيًا كرئيس دولة تمد جذورها في إفريقيا، فيما أغصانها تَرفٌّ للرياح الثقافية لأوروبا، يجعل منه هبة إستراتيجية من لدن تاريخ يمتد قرونًا عديدة. إنه حقًا، الوحيد الذي بمقدوره أن يسهر على الجنوب لكي يبعث الطمأنينة بعيدًا في الشمال”.

ساهر على الجنوب الكبير

في 7 يونيو 2013، وقّع المغرب و9 دول من الاتحاد الأوروبي، ضمنها فرنسا، في لوكسمبورغ الإعلان المشترك لقيام شراكة حول حرية التنقل بين المغرب والاتحاد الأوروبي، لفائدة الطلبة والباحثين ورجال الأعمال.

وينص الإعلان على فتح مفاوضات من أجل اتفاق استقبال ودمج المهاجرين غير الشرعيين في إطار محاربة الهجرة السرية من جنوب الصحراء باتجاه أوروبا شمالًا.

والحال أن الأرقام المالية والبشرية المتعلقة بالمهاجرين، ذات الصلة بهذه الموجة ومآسيها، تشهد بصورها المنقولة عبر نشرات الأخبار المتلفزة الايطالية على الكارثة: جثت هامدة كهياكل عظمية حيوانية، رضع في أحضان بحارة ايطاليين بالبدلات العازلة البيضاء خوفًا من العدوى، جثث بالآلاف في أقبية البواخر أو طافية فوق الموج، 63 ألفًا وصلوا خلال ستة أشهر فقط من 2014، 24 ألف قتيل في 15 سنة، بحسب منظمة العفو الدولية.

هذا هو الوضع، هذه هي سياسة الجوار، وهذه هي الآثار الناجمة عن الصراعات في سوريا، من دون الحديث عن الصومال، بل هذه هي في الأساس الآثار الناجمة عن قصف ليبيا، الذي زعزع مالي، ويزعزع تونس.

لم تعد هناك حدود، ولا مراقبة، لأنه لم يعد هناك – إذا ما استثنينا الجزائر موقتًا – سوى دولة واحدة قبالة أوروبا: المغرب.

فكل سياسة الجوار الأوروبي لم تعد تعتمد، في ما هو أساسي، سوى على هذا البلد واستقراره، وبالتالي على مَلَكيّته التي تضمن هذا الاستقرار.

واذا تمت زعزعة استقرارها، أو استقراره، فإن كل منطقة النزاعات من الحوض المتوسط إلى إفريقيا جنوب الصحراء ستتوقع وتيرة انتشار اضطرابها.

وبلغة أخرى، المملكة الشريفة هي الشريك الوحيد بعوده الصلب، القادر على الوقاية من الارتفاع المهول لعدد حالات حوادث لامبيدوزا، مع كل المآسي التي نعرفها.

ضامن استقرار المغرب

في الجزائر، يُفضي فوز حزب إسلامي إلى حرب أهلية بالدم والنار. وفي المغرب، يفضي فوز حزب إسلامي آخر إلى حكومة تشتغل بشكل عادي، فلماذا هذا الفرق؟ بكل بساطة، لأن للمغرب ملكًا يلَطّف الصدمات السياسية، ويقي من العواصف، سواء كانت عواصف عسكرية في السبعينات أو اجتماعية في عقد الألفية الثانية (2000)، أو عواصف إعلامية سياسية في العقد الحالي يسببها الربيع العربي.

إن كل خصوصية واستثنائية النموذج السياسي المغرب تكمن هنا، أي في التركيبة الذكية بين العناصر المؤسساتية والقانونية للديمقراطيات الكلاسيكية، كما نتصورها لدى أساتذة القانون، وبين تفاعل دينامي لا نجده في أي مكان آخر.

ففي البلاد نظام سياسي سلالي فريد من نوعه، يشكل هويته الدستورية، وهو نظام لا يمكن قانونًا أن يصدر بمرسوم بهذا الاسم أو ذلك، لأنه نظام جاء “بإفراز” من التاريخ، الشيء الذي يمنحه تساوقًا كبيرًا يجد صداه في المجتمع المدني المغربي، لأنه مجتمع مدني، لا يمكن، بدوره، اختزال خصوصيته في نماذج المجتمعات الأخرى.

ساهر على استقرار المغرب الكبير

تظل القضية الشائكة هي قضية الصحراء، والقوى الغربية، من الولايات المتحدة إلى فرنسا، حتى وان كانت اشتراكية أو عالمثالثية، تنظر بحنين إلى أسطورة الثورة الجزائرية، ونجدها مع الاستقرار. عليه، فإن قدر المغرب في الصحراء مواصلة ممارسة سيادته، لأن أي حل آخر سيكون وراء اندلاع موجة توتر تقلب كل أجزاء الدومينو: أولًا، في الجنوب إلى حدود مالي، ثم في الشمال حيث مخاطر مؤجلة لا تخطر على بال.

واذا كان الصراع في سوريا أو في غزة، في إبان تموز (يوليو) 2014، قد ولّد تخوفًا من تصديره إلى الضواحي الأوروبية، فَمَنْ بإمكانه أن يتصوّر أن الرباط بعد زعزعة استقرارها، ستظل من دون أثر على ساكني نفس المناطق؟

والحال، أنه، في كل الأماكن وبكل الأشكال، نجد الجمهورية الجزائرية الصحراوية الديمقراطية تخوض ضد المغرب حربًا باطنية، في الدول، وفي الجماعات، والمنظمات غير الحكومية والبرلمانات، بل حتى في المهرجانات الشعرية. وما فتئ النادي الرياضي الدبلوماسي بتندوف (جنوب غربي الجزائر) يمارس الضغط ويكون مجموعات اللوبيات، مستعملا “غارات” حقوق الإنسان.

استخفاف فرنسي

إن المعركة ضد المغرب منصبة على هذا الموضوع، المحبوك والمكثف والمركز في شعاع “ليزر” يمسح بقطر 360 درجة كل الكوكب الإعلامي والسياسي، بل حتى القضائي.

وشاهدنا ذلك بطريقة تبعث على الذهول في فبراير 2014. وقتها، وصل الأمر بمنظمة غير حكومية إلى حد أنها بعثت إلى إقامة سفير المغرب في باريس استدعاء مدير “مديرية المحافظة على التراب الوطني” المخابرات الداخلية المعروفة اختصارا باسم “الديستي” للمثول أمام القضاء بتهمة انتهاك حقوق الإنسان في الصحراء.

هذا الحدث مهم، ليس فقط لأن القاضية الفرنسية التي سمحت بهكذا “إرسال” قضائي من أصول جزائرية، بما يكشف مرة أخرى حدود حياد العدالة، بل لأن الوضع اختمر فيه وقتها احتياطي توتر كان من الوارد أن يتفاقم إلى أزمة جدية.

خصوصًا عندما خرج آلاف المغاربة، وسط موجة من الأعلام الوطنية، ليتظاهروا أمام سفارتنا في الرباط، وقد زاد من ألمهم ذلك الاستخفاف القضائي الفرنسي والتصريحات بمسحتها الاندفاعية المرضية المنسوبة إلى سفير فرنسا في الأمم المتحدة.

خط التوتر الجزائري – المغربي

الديمومة في الزمن ليست هي ما يعكسه عمر العاهل المغربي مقارنًا بعمر الرئيس الجزائري، إنها أساسًا ديمومة ملكية الحق الإلهي، إذ تتيح لنا أن ننتظر وصول ما ليس منه بد: انهيار المحروقات الجزائرية.

حين يزف ذلك اليوم، سيضم المغرب الكبير، إضافة إلى تونس وليبيا دولة ثالثة من دون استقرار، على الحدود الجنوبية لأوروبا، التي سيكون عليها حينها تدبير مجيء الآلاف من سكان دولة الغاز، الدولة النفطية سابقًا، المنهارة، حينما لن يبقى سوى مرفأ واحد صلب البنيان، هو المغرب، وعلى رأسه عاهله.

من البديهي في هذه المنطقة الصحراوية أن المغرب لا يحتكر وحده وجود دولة وجيش يضمنان الأمن. فالجزائر، بدورها، تملك الاثنين، بيد أن المملكة الشريفة وحدها لديها أوراق الاستمرارية الثلاث، وثالثها الشرعية الدينية لسلطتها التي تضمن وحدتها وتمنحها وضوح الرؤية.

الملك الاستراتيجي

في الوضع الجغرافي الذي يؤهله لأن يَلْعَب دور المحور الاقتصادي الدبلوماسي لمجموع منطقة شمال غرب إفريقيا، يمثل المغرب جزءًا لا يتجزأ من كل هيئات ومؤتمرات القارة، وغالبًا ما يساند المغرب المواقف الفرنسية للتهدئة في صراعات إفريقيا السوداء، كما كان الحال في الزايير سابقًا، ومالي حاليًا، وذاك هو دوره كساهر على السلام في صراعات الساحل، ذلك هو مغرب “ملك القبعات الزرق” إلى جانب المغرب الساهر على اندماج إفريقيا الأطلسية.

هناك اليوم حرب الذهنيات في الإسلام الإفريقي، تسَمّم دينيًا الصراعات القبلية وتشْعل من جديد الخصومات الاثنية الاجتماعية القديمة، لكن عمليات التدمير التي يقوم بها “بوكوحرام” في نيجيريا، هي التي تضخم بطبيعة الحال، من حجم المشكل الاسلاموي المطروح على إفريقيا.

وبمقدور المغرب، في هذه الحالة، بتوجهه نحو إفريقيا أن يقدم الكثير، إذ أن إسلامه المعتدل، وسلطته الروحية – الدينية وسوسيولوجية الزوايا الدينامية والوضع الاعتباري الديني لملكه، كلها عناصر حاسمة في إيجاد حل للتطرف. فالمغرب يتوفر، بالفعل، على إسلام الزوايا، وإن فقد بعضها من أهميته، ذلك الإسلام المتسامح، المخالف والمضاد لما يتم تصديره إلى سوريا مثلا، انطلاقا من دول الخليج المعروفة.

فهو يصدر مذهبه المالكي، حيث تجعل إمارة المؤمنين من الصعب على القوى الخليجية أن تناهض الدور الإسلامي الريادي الذي يلعبه الملك باعتباره سبْط النبي.

أكثر من ذلك، في الوقت الذي يقوي فيه المغرب شراكته الاقتصادية المتقدمة مع الاتحاد الأوروبي، التي تحوله الآن بفضل الاتفاق التبادل الحر المتكامل والعميق (أليكا aleca) إلى العضو التاسع والعشرين في الاتحاد الأوروبي تنفتح أمامه الآن منطقة اقتصادية في إفريقيا الغربية.

على سبيل المثال لا الحصر، أشرف الملك في جولة واحدة فقط في فبراير 2014، على توقيع 17 اتفاق تعاون، أو استثمار أو شراكة في باماكو، و26 في أبيدجان، ليغطي كل مجالات التعاون التقني، من بنوك واتصالات ومواد فلاحية كالأسمدة والمساعدة الجمركية وتبادل طلابي وهندسة أو غيرها.

استقرار المستقبل

أن نعرض على ملك المغرب أن يكون مقدامًا أمر لا غرو أنه غريب، لأن ثلاثة من بين أكثر الأعمال الجريئة في الأربعين سنة الأخيرة، كان وراءها ملك.

ففي السادس من نوفمبر 1975، كانت المسيرة الخضراء. في ذلك اليوم، أضاف الملك الحسن الثاني إلى بلاده وبضربة محكمة، اكتفى فيها بتنظيم مسيرة واحدة، ما لا يقل عن 266 ألف كيلومتر مربع من أقاليمه الجنوبية التي كانت تحتلها اسبانيا، وهو ما يُعادل نصف مساحة فرنسا.

وبعد مرور 39 سنة، كانت مسيرة الجنوب نحو إفريقيا الغربية، حيث أضاف الملك محمد السادس، بجولة واحدة أيضا وأربعين اتفاقية، إلى الفضاء الاقتصادي الجيو-استراتيجي للبلاد، مناطق نائية مساحتها 2 مليون كيلومتر مربع، تمتد من باماكو إلى أبيدجان، وليبروفيل وكوناكري، بها سوق يضم 40 مليون نسمة، بل فيها ما هو أبعد من ذلك، ونقصد به التمكن من الاعتدال الروحي للمساجد، في منطقة يجسد خطر التطرف فيها حقيقة قائمة.

وبالكاد نُبالغ إذا قلنا إن المغرب على وشك أن يكون الدولة 29 في الاتحاد الأوروبي من دون أن نحيط علمًا بذلك، والدليل على هذا أنه، منذ أول أكتوبر 2012، صار بإمكان المنتوجات الفلاحية المغربية المعدة للتصدير نحو الاتحاد الأوروبي أن تدخله مقابل 0% كحقوق جمركية.

وبناء عليه، فإن مسألة انتماء المغرب إلى الاتحاد قد فقدت من هالة جرأتها، لأن المغرب، من جهة ما هو أساسي، في طوره إلى الاندماج، والخطوات الجريئة قائمة اليوم في أماكن أخرى، وإن كانت دومًا على الضفة الجنوبية لأوروبا التي تتمفصل فيها قضية الأمن الحارقة، مع الهجرات الصاعدة والنزعات الراديكالية الدينية المقاتلة.

محيط متوسطي آمن

وبخصوص هذا التحدي الأمني الكبير، يعتبر المغرب، بفعل موقعه الجغرافي وسلطته الدينية، البلد الأفضل عدة لمواجهته، إذ بإمكانه المساهمة في معالجة الإشكالين المطروحين منذ قرون، واللذين من شأن حلهما أن يخلق محيطًا آمنًا ويوفّر شروط قيام الاتحاد الاقتصادي المغاربي، وهو ضروي أكثر مما هو مستحيل، والاندماج المتوسطي، والذي صار من اللازم قيام مؤسساته.

منذ 1600 سنة، أضحى حوض المتوسط، من أعمدة هيكل أورشليم إلى أعمدة جبل طارق، يتيم روما ونظامها ووحدتها، ويمكن لملك المغرب أن يساهم في أن يستعيد المتوسط أعمدة هذا الهيكل وذاك، مع ما يرافق ذلك من جرأة في تشييد مجموعة متوسطية ذات قدر مشترك، مختلفة عن الاتحاد من أجل المتوسط الضائع، الواقع تحت الهيمنة الألمانية والبلدان غير المتوسطية، وعن مسلسل برشلونة، الذي اختزلته بروكسل في مجرد تنويع باللون الأزرق للواقع الرمادي في اوروبا.

الحق، وأنه لا أمل يرجى من هذين المسلسلين، الاتحاد من أجل المتوسط ومسلسل برشلونة، فهما، ككل شيء يصدر عن 30 الف موظف بيروقراطي في بروكسل، خرجا مغشوشين من أصله، والحال أن الاندماج المتوسطي يمثل فكرة عظيمة، وتكتسي ضرورة ألفي قرن.

ما من شك أن فكرة وحدة المتوسط هي فكرة أوروبية أكثر منها انشغالًا مغاربيًا، ففي الجنوب تفكر الدول تفكيرًا وطنيًا، وعندما يخطر لها أن تحلم بالوحدة، فعادة ما تعطي الأولوية لأمة المؤمنين وليست لوحدة المتوسط.

فكرة المجموعة المتوسطية

بيد أن حوض الأبيض المتوسط يمثل تلخيصًا للعالم، الذي يحمل ثقل كل صراعاته، ومن ثم، لن نتصور المغرب وملكه، كأمير للمؤمنين، غير مكترثين لوضع الإطار المناسب لإحلال الهدوء في هذه المنطقة.

فمن وجهة نظر سوسيولوجية، يساهم المغرب، عبر وجود أكثر من مليون مهاجر من مواطنيه في فرنسا مثلًا، وعبر متعددي الجنسية والزيجات المختلطة والترحال الصيفي، في بناء حوض متوسطي على مستوى القاعدة، وبالتالي فإن المبادرة الملكية القاضية بإحياء وتنشيط فكرة المجموعة المتوسطية، تعمل على استكمال إطار حوض متوسطي على مستوى القمة، ومعناها، سلطة سياسة متوسطية عليًا، تتوفر على موازنة حقيقية تكمن مصادر تمويلها في استغلال الحقول الغازية الضخمة، في عرض بحر لبنان وسوريا بالأخص، يجري تكليفها “السلطة العليا”، بتدبير 4 وكالات مهامها هي: بلورة سياسة فلاحية متوسطية، وإعداد مخطط ضخم باسم مخطط رمسيس للتجهيزات الصحية والنقل المدرسي والسككي، وبرنامج للتعليم العمومي باسم برنامج ابن خلدون، بمسار تعليمي مزدوج جنوب -شمال لفائدة أطفال الدول الواقعة على الضفة المتوسطية، وأخيرًا، سياسة لتدبير تنقلات المهاجرين وموجاتهم.

وستمثل مالطا، بوجودها في الملتقى الأمثل بالحوض المتوسطي، ما بين إفريقيا وأوروبا، مالطا الفينيقية، الإغريقية، الرومانية، الوندالية، البيزنطية، النورماندية، ثم العربية، مالطا التي توفقت في خلق التوازن باستعمال لغة سامية مكتوبة بحروف لاتينية، يمكنها أن تكون مكانًا هندسيًا ورمزيًا جيدًا لاحتضان مقر السلطة العليا المتوسطية.

وهذا واحد من الاقتراحات الأربعة، التي تمثل المربع الذهبي لأجل المستقبل، كما يقدمه مارتينيز في كتابة “محمد السادس .. ملك الاستقرار “.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *