آراء

دفاعا عن السينما .. بعيدا عن النفاق (عيوش واللغط الفيسبوكي)

خالد انعيمة
خالد انعيمة

أثارني النقاش أو (بالأحرى) التعليقات العاطفية (البريئة) حول فيلم نبيل عيوش الأخير “الزين اللي فيك”. والغريب أنها قد تكون للقطات من الفيلم الّذي لم يشاهده الكثيرون، فالأغلبية جائعة، رميت لها قطعة لحم نيئة، فتهافتوا لأكلها. لم يفكر أحدا أنها قد تكون مسمومة .. نعم مسمومة.

يذكرني هذا الجدل بما كان “يسوق” له المتأسلمون حول (الفن النظيف) والحملة التي شنتها بعض المنابر “الاعلامية” و “الفيسبوكية”، وأصحاب الفتاوي الغريبة على الفنانة المسرحية “لطيفة أحرار” في مسرحية “كفر نعوم” أو مهرجان “موازين” ومدعوييه (الغربيين) والخرجات الأخيرة لوزير في الحكومة الملتحية: “ما يتعراوش علينا”، كلها خرجات مخدومة وموجهة لدغدغة عواطف عامة الناس (العوام) في افق انتخابي قريب.

التعليقات الكثيرة حول الموضوع تدفعنا إلى التساؤل مع هؤلاء: هل من الممكن أن نناقش السينما؟ موضوعها؟ رسائلها؟ هل يعتبر عيوش زنديق السينما المغربية؟ أيمكن مناقشة تجربة عيوش السينمائية بهدوء؟

يكاد يجمع نقاد السينما في المغرب، التأكيد على حضور هاجس الهوية في مدلولها الفردي والجماعي في أعمال المخرج نبيل عيوش من جهة، والاشتغال القوي بتسليط ضوء الكاميرا على اختلالات واقع اجتماعي (يؤمن الفنانون بقدرة السينما على التأثير فيه).

من جهة أخرى، فأفلام نبيل عيوش تعكس الهمّ الذي يحمله شخصيا كذات “ممزقة” بين ثقافتين عربية وغربية، مسلمة ويهودية وعلمانية. كما نلمس حضورا قويا للمخرج عيوش في مساءلة اختلالات مجتمع “يسير بسرعات متعددة” وإنتاج أفلام تتجاوز البعد الفني الجمالي لتطلق رسائل للتحرك من أجل تجاوز الأعطاب وصنع التغيير الإيجابي على مستوى الذهنيات والممارسات الاجتماعية والعامة.

أسئلة الذات والهوية من أهم الموضوعات التي تخترق سينما نبيل عيوش، وأفضل خيط ناظم لمقاربة أفلام عيوش، التي وإن كانت تتنوع من حيث النوع والموضوع والأماكن والخلفيات الثقافية والسياسية، إلا أن ذلك لا يحجب مركزية سؤال الهوية وقلق المسار الخاص نحو تحقيق الذات.

ويبدو هذا الهاجس جليا، في الاشتغال بقوة على الطفولة، من منطلق أن منسوب تلبية حاجات هذه المرحلة تحدد علاقة الطفل مع العالم ومدى تحقق عامل الثقة بينه وبين المحيط الاجتماعي. الأطفال في فيلم “علي زاوا” وشباب سيدي مؤمن في فيلم “يا خيل الله”. والمشترك هو الحرمان / الكبث/ الاعلاء /التعويض …(وهي مفاهيم يعرفها جيدا من يشتغلون في علم النفس)، الحرمان كمؤسس للوعي، الذي يغديه في الفيلمين التفكك العائلي وغياب الأب والعنف والإقصاء.

غير أن ذلك لا يغطي على مفهوم الالتزام (بمعناه الأخلاقي الكانطي وليس الديني الضيق). في أفلام عيوش المطبوعة بالواقعية الاجتماعية والالتزام السياسي، على غرار قضايا أطفال الشارع في “علي زاوا”، مأساة اللاجئ الفلسطيني في “أرضي”، التطرف في “يا خيل الله”، الحوار بين الشرق والغرب في “كل ما تريده لولا”.

كما لا ننسى أنه “يعوض” بالسينما مجربا مختلف الأنواع من الدراما الاجتماعية، الفيلم الموسيقي، البوليسي، الوثائقي. إنها تجربة تطرح وضع السينمائي، الفنان والمثقف، في مجتمع يعيش انتقالات حاسمة وصعبة على أصعدة مختلفة، ذلك أن بعض أفلام عيوش تشكل في الحقيقة “فيلم- وثيقة”، وإن كان لا يكتفي بتصوير الواقع بل يؤوله.

فالواقعية لا تنفي حضور الجماليات الفنية والسردية في أعمال عيوش. فلماذا التجني على مخرج لم يكذب على واقع مغربي يؤلم، لماذا نرفض الظهور بدون مساحيق؟

المغربي في عمومه محافظ (أو يدعي أنه كذلك مع الاستثناء طبعا) لكنه يعيش إزدواجية في الشخصية، وما يقوله أو ينشره من أحاديث عن الأخلاق (بمعناها الضيق) والقيم التي يريد حمايتها هو مجرد كذب، لأنه يفتقد إليها في سلوكياته اليومية، أو ديماغوجية عمياء.

نحن المغاربة «نخشى رؤية وجوهنا في المرآة»، وندعي أننا محافظون كما أغلب الشعوب العربية، في حين أن التناقض ينخر يومياتنا. كان العقل والعلم في عونك يا وطني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *