آخر ساعة

مواطن الجزائر ومواطن المخيمات..نفس المصير

ما فتئت المنظمات الحقوقية الدولية تنادي السلطات الجزائرية بالسماح لها بزيارة أراضيها لمراقبة وضع حقوق الإنسان، لكن هذه الأخيرة تلح على رفض كل زيارة أو دخول ترابها، وهذا دليل على تدني الوضع الحقوقي لأن أية زيارة ستكشف عن تشابه الوضع بالذي يوجد في مخيمات البوليساريو مادامت الخلفيات والمرجعية الإيديولوجية مشتركة وتبعية المسلحين في البوليساريو لتوجيهات العسكر الجزائري، وبالتالي للمواطن نفس القيمة في الجانبين معا حيث المبادرة الخاصة منعدمة بالمفهوم الليبرالي، وغياب “مبدأ دعه يعمل دعه يمر”، بينما تهييج وشحن المواطن تربويا وسياسيا وبشكل مقصود هو الحزام الآمن لفلسفة العداء ضد الجار المغرب وبقاء محبي الفتن في السلطة، مما يجعل من عمليات الاختفاء القسري والاضطهاد والتعذيب والاستعباد ومختلف أشكال المس بحقوق الإنسان التي يتعرض لها المحتجزين داخل الستالاك الكبير يتطلب مبادرة دولية للتحرير من الظلم المادي والنفسي الممارس ضد هؤلاء البؤساء، والتركيز على رفع اليد الجزائرية عن قيادة البوليساريو ونهاية العلاقات الفاسدة التي أرادت الجزائر أن تجعل لنفسها دولة راعية للفتن باسم مصالحها الإستراتيجية ، مما يدل على أن جبهة البوليساريو هي نسخة مصغرة فقط وهي قريبة من حكومة تصريف أزمة الجزائر.

حاولت الجزائر دائما أن تتنفس داخليا و خارجيا بموضوع الصحراء المغربية على حساب الأزمة سياسيا واجتماعيا وحقوقيا واقتصاديا …الخ، والواقع أن كل باحث أراد أن يقارب هذا الموضوع بمختلف المناهج العلمية سيجد حقائق غير قابلة للشك كما يلي:

باعتماد المقاربة التاريخية، نجد أن كل الوثائق والمخطوطات الدينية والوثائق السياسية التي تربط سكان الصحراء والعلاقة الوطيدة بينهم و بين سلاطين المغرب بما في ذلك بيعة شيوخ القبائل والمذهب المالكي المتبع في الصحراء وتبعية الزوايا والطرق لبعضها بين شمال المغرب وجنوبه إلى اليوم، هي حقائق غير قابلة للشك وفي المقابل لم تكن الجزائر قائمة كدولة و ليس لها تاريخ اللهم الحديث عن الاستعمار العثماني ثم الفرنسي و المقاومة منذ الأمير عبد القادر.

وباعتماد المقترب الواقعي، يستفاد أن المغرب لم يخرج يوما من أرضه حتى في ظروف الحماية، وأن عمارة الأرض من طرف السكان المغاربة كانت وما زالت، وأن بسط الدولة نفوذها على التراب الصحراوي شيء مثبوت و ثابت بعدة أدلة وحجج، بل أن المغرب تاريخيا امتد حتى السودان.

وباعتماد المقترب النسقي، فإن التحليل يبين أن النسق السياسي المغربي الليبرالي في الستينيات والسبعينيات رفض إدخال مطلب التغيير لكون المطلب كان يستهدف النسق ككل، وتعزز بعدة محاولات فاشلة للانقلاب، وهذا أحبط المشروع وأعطى للجزائر والمتآمرين معها فرصة الانتقام لأنها الجار الوحيد الاشتراكي فتم تغيير المطلب بتحويله إلى مطلب الانفصال، كأقل مطمح، ومحاولة إدخاله عن طريق النسق الدولي للمس بكرامة المغرب معتمدا على أعداء الخارج وانفصاليين في الداخل، مما لقي إلى حدود 1999 رواجا دبلوماسيا سبب معارك وصدامات مع الجزائر، لكن منذ دخول الأمم المتحدة على الخط اتضحت الرؤية لدى المجتمع الدولي واتخذ النزاع منحى أكثر واقعية.

وعليه فإن الوضع الحقوقي في المخيمات له علاقة بالتطورات التي يعرفها النزاع والتي لا ترضي الجزائر ولا قيادة البوليساريو مما يطرح معادلات أربع وهي :

 الوصفة الأولى: أزمة النظام الجزائري، وتغييره بنظام أكثر انفتاحا وإزاحة العسكر عن قيادة الدولة، وحلول الديمقراطية الليبرالية … وهذا التحول سيشجع المعارضة على الوصول إلى السلطة، و على التحول السياسي نحو مصلحة الشعب التي تراعي قيمة الفرد بدل الحنين الإيديولوجي الذي كرس الهيمنة وأضعف المشاركة الواسعة في قرارات الدولة، ومن تم تغيير وضعية المغرب العربي، هذا التحول سيغير النسق السياسي الداخلي المتخلف للجزائر بوضع منفتح ومتطور على المستوى الدولي، وسينتهي الارتباط بالبوليساريو.

الوصفة الثانية: أزمة عصابة البوليساريو، واقتناع المحتجزين بأهمية الارتباط بوطنهم الأم المغرب واعتماد أسلوب الحكم الذاتي بالحفاظ على خط سيادة الدولة والحفاظ على المكتسبات انطلاقا من شعار “إن الوطن غفور رحيم” الذي أطلقه جلالة المغفور له الحسن الثاني، وثقافة حقوق الإنسان، إلا أن هذا السيناريو يشكل خطرا على المحتجزين لكون المسلحين الحراس يهددون حياة هؤلاء باعتبارهم ورقة ضغط، مما يفرض تحرك المنظمات الدولية وهيئات المجتمع المدني المغاربية والعربية والإفريقية والدولية والقيام بزيارات للمخيمات تحت إشراف أممي، والسماح للمحتجزين بالسفر والقيام بزيارات الأهالي في المغرب…الخ.

الوصفة الثالثة: تفعيل الأمم المتحدة لدورها كاملا وتفادي التعطيل، وتقريب وجهات النظر بين الأطراف لإنهاء هذا النزاع المصطنع وتطوير الحوار بشكل توافقي لتنزيل الحكم الذاتي، ومعانقة المشروع التنموي الذي تتطلع إليه جهة الصحراء بساكنتها.

الوصفة الرابعة: توسيع وتنويع عمل الدبلوماسية المغربية الرسمية وغير الرسمية مع الحكومات والشعوب العربية والإفريقية والدولية ذات التوجهات المتقاربة والمنفتحة والمؤيدة للسلم والأمن، وذات القدرة التواصلية والرغبة المشتركة في المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية والتجارية والمتعايشة دبلوماسيا، وتطويق الأزمة بتقوية الروابط مع دول شمال إفريقيا والساحل باتفاقيات جدية تهم محاربة التطرف والإرهاب وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول في مقابل تنمية المجتمعات واتخاذ المبادرات الكفيلة بإنهاء مواضيع تتغذى منها لوبيات تستثمر الصراعات والتسلل إلى ثروات الدول.

المغرب مطالب أكثر من قبل بمواكبة الصرح والتحرك في إطار القانون للوقوف بجانب المحتجزين في مخيمات البوليساريو والرفض بكل أشكال التعبير تعرض الإنسان للاضطهاد والتنكيل والاستعباد وإشهاد المجتمع الدولي وإشراك كل قوى الفكر الإنساني الحرة من أحزاب وجمعيات ومنظمات ودولية وهيئات وشخصيات ومسؤولين في عملية رفع الظلم عن المحتجزين في ظل نظام دولي لم يعد يهتم إلا بأسلحة الدمار والحروب الاقتصادية والهيمنة على الأسواق في إغفال لقضايا الإنسان وكرامته وحقوقه لأن مثل هذه الحقوق تم تخطيها في المجتمعات الغربية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *