آراء | الشريط الأحمر

يا صاح .. يساري وسط الحملة

تتبنى الفيدرالية كما هو واضح من تسميتها التوجه اليساري، ويتكون برنامجها السياسي من إحدى عشرة نقطة، على رأسها “النضال الديمقراطي الجماهيري السلمي للمساهمة في الانتقال من نظام “مخزني” إلى نظام ديمقراطي”.
وتعتبر أن النظام الديمقراطي يتلخص “في ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم، ونظام يقوم على الفصل الحقيقي للسلطات واستقلال القضاء وربط القرار السياسي بصناديق الاقتراع”.

كما ينص برنامجها على “الانخراط الحقيقي في النضال الاجتماعي بكل أشكاله من أجل التوزيع العادل للثروة الوطنية و تحقيق العدالة الاجتماعية” والنضال من أجل انتخابات حرة ونزيهة، وإصلاح التعليم إصلاحا عميقا، و”تحديث الثقافة الوطنية ودعمها استنادا إلى هويتها العربية الإسلامية الأمازيغية المنفتحة”، ويجب التذكير أن اليسار الديمقراطي بتياريه المسلح والسياسي لم يعترف، سواء من خلال تحليله أو من خلال ممارسته، بشرعية ديمقراطية الواجهة، وقاطع انتخابات مؤسساتها لأكثر من مرة.

إن مقاطعة اليسار للمسلسل الانتخابي ورفضه الاعتراف بشرعية مؤسسات ديمقراطية الواجهة هي تجسيد لمقاومة سياسية وصمود في وجه الضغوطات والحصار والقمع. وهي استمرارية لمقاومة وصمود اليسار الوطني في نضاله من اجل الديمقراطية والاشتراكية.

بهذا المعنى تشكل فيدرالية اليسار الديمقراطي استمرارية لخط سياسي نشأ على قاعدة النضال الوطني ضد السلطة الاستعمارية وترعرع في النضال ضد الحكم الفردي المطلق وتطور مع تجربة اليسار الديمقراطي في النضال ضد الاستبداد السياسي للطبقة الحاكمة.

وقد اختلفت ظروف نشأة كل حزب من الاحزاب الثلاثة المشكلة لفيدرالية اليسار الديمقراطي وسياقها التاريخي والسياسي، فحزب الطليعة نشأ في ماي 1983 نتيجة “انشقاقه “عن التيار الانتهازي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وبقي يحمل اسم “الاتحاد الاشتراكي.. اللجنة الإدارية” غيّر اسمه إلى “حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي” في أكتوبر 1991، ولم يغير موقفه المقاطع للانتخابات إلا في سبتمبر 2007 حيث شارك في الانتخابات البرلمانية.

وكذلك الأمر بالنسبة لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، ولد نتيجة انشقاق عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، عقب فشل المصالحة بين المنسحبين من المؤتمر السادس وبين عبد الرحمن اليوسفي الأمين العام لحزب الاتحاد يومها. عقد مؤتمره التأسيسي عام 2001.

أما الحزب الاشتراكي الموحد فقد عاش محطات متعددة تؤرخ لصحوة اليسار و اتجاهه نحو الوحدة و تجميع الجهود، فهو يعد ثمرة تجميع فصائل مناضلة من حركة اليسار الجديد والحركة الاتحادية. وهو أول حزب مغربي ينظم الحق في الاختلاف، ويضمن تشكيل التيارات وتمثيلها في الجهاز التقريري. حيث كانت أول مرحلة في اتجاه الوحدة سنة 2002 عندما تجمعت منظمة العمل الديمقراطي الشعبي و الديمقراطيون المستقلون و حركة من أجل الديمقراطية وفعاليات يسارية في حزب اليسار الاشتراكي الموحد، ليتغير اسمه بعد ذلك للحزب الاشتراكي الموحد بعد اندماج حركة الوفاء للديمقراطية سنة 2007.

إن التذكير بتجربة اليسار الديمقراطي ، أكان مقاطعا أو مشاركا في الانتخابات ، ليس من باب الانتساب إلى سنوات مجد هذا التيار السياسي، بل بالنظر لما تتيحه هذه التجربة من دروس بالنسبة للقوى الديمقراطية المعارضة للنظام المخزني، والتأكيد على أن الإصلاحات، الحقيقية والثابتة، هي دوما نتيجة نضال سياسي مرير، وليست المقاطعة أو المشاركة في المؤسسات سوى تكتيك سياسي لدعم هدا النضال.

أما إذا تحولت المشاركة في المؤسسات الى هدف في حد ذاته، أي الى استراتيجية سياسية، فان الحصيلة ستكون لامحالة هي التكيف والاندماج في المؤسسات والخضوع لمنطقها على حساب النضالات وعلى حساب هدف الإصلاح في حد ذاته. وقد بدأت تجربة المشاركة والمقاطعة كتكتيك سياسي لدعم نضال الشعب ضد الاستبداد المخزني منذ الاستقلال الشكلي.

عرف المغرب أول انتخابات بلدية في ماي 1960. حيث شارك اليسار الديمقراطي (الاتحاد في هذه الانتخابات،. وشكلت أول وآخر انتخابات تجري في شروط سياسية محكومة بموازين قوى لصالح الأحزاب الوطنية. فالشروط الموضوعية والذاتية كانت تسمح لها بالهيمنة على المجالس الجماعية، وهذا ما حصل بالفعل. وتعتبر انتخابات 1960 البلدية هي الانتخابات الوحيدة والأخيرة التي ستحوز فيها أحزاب الحركة الوطنية على أغلبية المقاعد.

وبعد ثلاث سنوات من هزيمته في الانتخابات الجماعية سيلجأ المخزن، إلى تشكيل “جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية” (الفديك) برئاسة وزير الداخلية آنذاك .وقد ضمت هذه الجبهة، بالإضافة إلى الحركة، شبكات الأعيان وعملاء الاستعمار وبقايا نظام القياد.

وستشكل هذه الانتخابات تحولا ملموسا في موازين القوى بين المخزن والأحزاب الوطنية. وسيستغلها المخزن لتشكيل قاعدة اجتماعية وتنظيمها تحت راية أحزابه لمنافسة الأحزاب الوطنية. ويمكن اعتبار انتخابات 1963 التشريعية آخر محطة في مرحلة سياسية وبداية مرحلة جديدة، سينتقل معها اليسار الديمقراطي من المشاركة إلى المقاطعة.

عرفت هذه الانتخابات مقاطعة القوى المنحدرة من الحركة الوطنية، ووجد المخزن نفسه وحيدا وبدون منافس فمنح وزير الداخلية وزعيم جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية 90 % من إجمالي المقاعد البلدية. لكن الانفراد بأغلبية المقاعد في مجالس مزيفة لا تعكس الإرادة الشعبية، سيتحول إلى أزمة سياسية. وهو ما أدى إلى انتفاضة مارس 1965 ومقاطعة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية للانتخابات البلدية لسنة 1969، ثم التشريعية 1970.

بعد القضاء على المعارضة الوطنية الديمقراطية ومن أجل تمويه استبداد الملكية بالسلطة عمل النظام على تدشين مسلسل سياسي (المسلسل الديمقراطي) يرتكز على مؤسسات تمثيلية مزيفة . وقد كرس ظهير 1976 خضوع المجالس الجماعية لوصاية وزارة الداخلية وقلص دائرة اختصاصاتها، مجالس منتخبة (جماعة) وسلطة إدارية (قيادة). ومنذ هذا التاريخ أصبح المسلسل الانتخابي عملية تجديد لمؤسسات الواجهة الديمقراطية الوطنية والمحلية وهدا ما سيتبين من نتائج كل العمليات الانتخابية التي عرفها المغرب مند 1976 و قد عرفت هده الانتخابات مشاركة كل أحزاب المعارضة البرلمانية إلى جانب أحزاب المخزن وأتباعه والموالين له.

وقد كرست نتائج هذه الانتخابات تحكم المخزن في اللعبة الانتخابية والمؤسسات المنبثقة عنها، لتبدأ سنوات التقويم الهيكلي حيث كان مقررا للانتخابات أن تجري في سنة 1981 و سيتم تأجيلها تحت ضغط الأزمة الاقتصادية والاستعداد لتطبيق مخططات التقويم الهيكلي وانتفاضة يونيو1981 وتعقد أزمة الصراع في الصحراء. أمام هذه العوامل ستلد وزارة الداخلية حزب جديد بقيادة الوزير الأول أنذاك. وستكتسح الداخلية من خلال اللامنتمين والأحزاب المخزنية بقيادة الحزب الجديد الأغلبية في الانتخابات المحلية والتشريعية.

اما انتخابات 1992 فقد أسفرت نتائجها عن استمرار الاحزاب المخزنية في حصد النتائج (اكثر من ثلثي المقاعد). وفي شهر نونبر 1997 دعا الملك إلى انتخابات سابقة لأوانها. وقد كان الهدف هو تنصيب حكومة بقيادة المعارضة البرلمانية تمهيدا لانتقال السلطة و تشكيل تحالف بين أحزاب الكتلة وأحزب المخزن من اجل تكييف المؤسسات وفق مشروع حكومة التناوب. هكذا سيتم توزيع مقاعد مجلس النواب بالتساوي تقريبا بين ثلاثة كتل. فتجربة ما بات يعرف بالتناوب ستؤدي الى تشكيل 15 حزب جديد. وقد مثل هذا مؤشرا على نهاية “المرحلة الانتقالية” والعودة إلى النظام القديم.

هذه العودة ستظهر بوضوح في انتخابات 2009بعد ظهورالوافد الحزبي الجديد بقيادة “صديق الملك” المستقيل من وزارة الداخلية واكتساحه للانتخابات بأغلبية المقاعد، وتأسيس مجموعة الثمانية ( تحالف قسري مخزني لثمانية احزاب) على غرار تجربة (الفديك) في عهد الحسن الثاني، وما تلت ذلك من قراءات وتأويلات، لتنكشف اللعبة وينفض الجمع مع الحراك الشعبي لسنة2011 (حركة 20فبراير)، وهكذا سيعود كل واحد من (م8) الى بيته، وينحني النظام للعاصفة ، مؤجلا مشروعه ومعه مشروع (م 8) الى مرحلة أخرى مواتية.

في ظل هكذا شروط تسعى الأحزاب الثلاثة المشكلة لفيدرالية اليسار الديمقراطي -التي لا تملك أي تمثيل في البرلمان- من وراء تحالفها إلى تجميع جهودها في مشهد سياسي تتجاوز الأحزاب السياسية فيه أربعين حزبا، لا يوجد منها داخل البرلمان إلا حوالي ستة أحزاب، لذلك فمشاركةفيدرالية اليسار في الانتخابات، هي معركة نضالية، قبل ان تكون “معركة ” انتخابية، فنحن نسعى في فيدرالية اليسار إلى تحويل صوت المواطنين من صوت انتخابي إلى صوت سياسي وهذا هو الاهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *