متابعات

ما المطلوب فعله لمواجهة داعش؟

بعد مرور خمسين عاما على ظاهرة العولمة اصبح عالم اليوم عالما واحدا من النواحي الاقتصادية والسياسية والانسانية ، ترتبط مكوناته بالاتصالات الحديثة والآن بالارهاب المعولم ايضا. فان تنظيم الدولة الاسلامية داعش يسفك دماء الابرياء في سوريا والعراق مثلما يسفكها في شوارع باريس وساحات انقرة بل يحاول ان يمد شبكته القاتلة الى انحاء العالم الأخرى.

ويبني داعش مؤسسات اشبه بدعائم الدولة في خلافته المزعومة مواضبا في الوقت نفسه على اتقان التكنولوجيا الرقمية وتسخيرها في خدمة اهدافه. وفي مواجهة هذا التهديد يُطرح السؤال عما يمكن ان يفعله العالم لهزيمة داعش. فهناك من يدعو الى الرد على عنف داعش بعنف مقابل وهناك من يشدد على التعامل الرصين والهادئ مع جماعة متمرسة بالارهاب مثل داعش، والبدء بفهم ما حدث.

فارهاب داعش ليس موجها ضد الغرب تحديدا بل ضد أي شكل من اشكال الثقافة، وضد كل ما هو عقلاني وحر. وتقوم ايديولوجيته على تأويل متزمت جامد لتعاليم الاسلام والشريعة. والمهم ان نعرف ان ارهاب داعش يرفع رأسه في الفراغ. فبعد ان تركت دول فاشلة مثل العراق وسوريا اقتصادها يتردى ويموت ، اوجدت ملايين الشباب الساخطين بسبب انسداد أي أفق لبناء حياة كريمة بالعمل والبناء في اجواء آمنة مستقرة. والآن يريد هؤلاء تصفية حساباتهم مع المسؤولين عما آلت اليه احوالهم.

وفي اوروبا يدور سجال عما إذا كان على دولها ان تسند فرنسا في ردها على اعتداءات داعش من خلال تكثيف الضربات الجوية، باستراتيجية حقيقية. ويتعين على القارة في هذه الحالة ان تفعل كل ما بوسعها لانهاء الحرب الأهلية في سوريا، كما يكتب كلاوس برينكويمر رئيس تحرير مجلة شبيغل مشيرا الى انه ما دامت ايران وروسيا تدعمان بشار الأسد وطالما استمرت الحاجة الى مساعدة روسيا لمحاربة داعش، سيتعين علينا للأسف ان نسلِّم ببقاء الأسد رئيسا في الوقت الحاضر وان نقبل بأنه سيُمنح على الأرجح امكانية الخروج الآمن من المسرح السياسي بدلا من مثوله أمام القضاء.

واضاف رئيس تحرير شبيغل ان الحاجة الى الحلفاء واختيارهم لم تعد مسألة ذوق بل مسألة تكتكيات تقتضي التعاون مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي يحارب داعش ومع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بوصفه شريكا في الحوار ومع الحكومة العراقية التي تحتاج الى مساعدة وتغيير في بلدها لأن استبعاد السنة يدفع مقاتلين جددا الى احضان القاعدة.

كما يجب حرمان داعش من مصادر التمويل والأسس اللاهوتية التي يرتكز عليها والدعم المعنوي الذي يلقاه في المنطقة، بحسب برينكويمر رئيس تحرير شبيغل مؤكدا ان التعليم والوعد بمستقبل وحدهما القادران على انهاء احساس العرب بالعجز الذي كان موجودا قبل ظهور داعش، في ايام حزب الله وتنظيم القاعدة، ولا يمكن السماح باستمراره في عالم ما بعد داعش. وهذا كله يتطلب عملية عقلانية في صنع القرارات ودبلوماسية حاسمة وليس دق طبول الحرب. كما يتطلب دراسة متأنية لجانب قد يبدو من الوهلة الأولى ثانويا في الوقت الحاضر وهو ان البلدان التي لديها مشاكل مشتركة تحتاج الى أمم متحدة فاعلة للمساعدة على معالجتها.

والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على وجه التحديد يمثل عامل مساومة من النوع الذي يجب ان نمنعه في اوقات كهذه، بحسب برينكويمر رئيس تحرير مجلة شبيغل مضيفا ان مجلس الأمن الدول معطل اليوم كما كان قبل 20 أو حتى 60 سنة. وتابع ان اوروبا والمستشارة الالمانية انغيلا ميركل التي يُقترح اسمها في احيان كثيرة لتولي منصب الأمين العام للمنظمة الدولية يتمتعان بنفوذ في مقر الأمم المتحدة في نيويورك وحان الوقت لممارسته. وهناك فترات، مثل الحرب العالمية الثانية أو اليوم الحاضر، تلتقي فيها الدول على اهداف مشتركة رغم الخلافات مع بعضها البعض. وفي مثل هذه الأوقات من الممكن بالطبع بناء تحالف عالمي ضد داعش ، كما يرى كلاوس برينكويمر رئيس تحرير مجلة شبيغل الالمانية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *