الشريط الأحمر | ملفات | هام

شارع الموت .. حكاية مقطع طرقي يرعب سكان القليعة

إذا كان المدخل الرئيسي لبلدية القليعة عمالة انزكان أيت ملول هو ذاك المدخل الذي يرحب بزوار المنطقة وقاطنيها، فإنه أيضا المكان الذي يودع فيه العشرات الحياة كل سنة دون سابق إشعار وبطرق بشعة.

مدخل القليعة من جهة الشمال أو “شارع الموت” كما يحلو للساكنة المحلية أن تصف، يكون سنويا مسرحا لعشرات الحوادث الطرقية المميتة، أبطالها عجلات عربات مجنونة، وتفكير آدمي ناقص، وفوق ذلك تقصير واضح للعيان من قبل مؤسسات وجهات معنية بالأمر كما تشير إلى ذلك أصابع الساكنة هناك.

شارع الموت

الشوارع لا أسماء لها عادة في الجماعة الحضرية القليعة سوى تلك التي تداولها السكان فيما بينهم مذ كانت المنطقة خلاء لشجر الأركان والصبار، قلما تلفي فيها تجمعات سكنية، وإن كان المجلس البلدي المنتهية ولايته الذي قاده الاستقلالي العربي كانسي قد أقدم على توزيع أسماء على غالبية الشوارع الكبرى للمدينة القرية، خاصة منها المطلة على الشارع الرئيسي.

لكن الساكنة هناك لا تحبذ ذكر هذه الأحياء بمسمياتها الحديثة، بل منهم من يعيش في حي مسمى لديهم باسم قديم قدم الحي ذاته، ومسمى باسم آخر لدى المجلس الجماعي، فالساكنة هنا لا يهمها اسم الشارع بقدرما يهمها إيجاد طريقة كيفما كانت لبناء بيت ودس عائلته فيه، وهم الذين قادوا “ثورة” بناء عشوائية صادفت الحراك الشعبي الذي بدأ في سنة 2011.

من بين الشوارع التي بصمت على تاريخ قوي في المنطقة، الشارع الرئيسي الذي يشقها، والذي حبذ الجميع أن يسميه ” شارع الموت ” كنية على الكم الكبير من الحوادث الطرقية التي تقع فيه دون غيره من شوارع المناطق المجاورة.

عشرات الضحايا

أحد ضحايا حداثة سير بـ "شارع الموت" بالقليعة

خلال السنتين الأخيرتين تناسلت وبشكل كبير حوادث السير في منطقة دون غيرها بعمالة انزكان، تحديدا في بلدية القليعة، الأمر الذي وضع إزاءه الفاعلون وسكان المنطقة علامة استفهام كبيرة، حوادث تخلف وراءها عشرات الضحايا من المواطنين، بينهم نساء وأطفال رضع وتلاميذ، وحسب الاحصائيات التي حصلت عليها الجريدة فتعداد الحوادث التي وقعت ب”شارع الموت” خلال هذه السنة والسنة الماضية بلغ نحو 26 حادثة سير مميتة قضى فيها 13 شخصا نحبهم فيما أصيب فيها عشرات آخرون بكسور ورضوض وإصابات مختلفة.

“عبد الله ” فاعل جمعوي يتحدث عن كون الشارع أصبح اسمه يقترن بالموت، أمام ما وصفه بصمت المسؤولين المريب وتهرب جهات كثيرة من مسؤوليتها، وعن دور جمعيات المجتمع المدني يضيف “عبد الله” أن الأخيرة لا تشكل قوة ضغط في المنطقة بقدرما يجري أغلبها وراء المصالح الشخصية.

شارع الموت يعيش الفوضى بشكل يومي، إذ لا وجود فيه لعلامات تشوير وحواجز اسمنتية للتخفيف من السرعة، وما يزيد الوضع تفاقما أن الشارع تطل عليه مؤسسات تعليمية عمومية وخاصة، وقد شهد حوادث ضحاياها تلاميذ أبشعها تلك التي لقي فيها تلميذ يبلغ من العمر 14 عاما مصرعه بعدما أسقطته حافلة وارتطم بالأرض ليسلم الروح لباريها.

ويعتبر “شارع الموت” المنفذ الوحيد للمنطقة لسكانها من العمال والموظفين وغيرهم ممن يقطنون منطقة كتب لها أن تكون منطقة حضرية مع وقف التنفيذ، منطقة يبلغ تعداد سكانها بحسب إحصائيات سابقة أزيد من 100 ألف نسمة.

مشروع يؤجل وقف النزيف

يبدوا أن “شارع الموت” بالقليعة مازال عازما على ارتكاب مجازر جديدة، ففي الوقت الذي يناشد فيه المواطنون تغييرا ينهي مآسي المقطع الطرقي المرعب، يأبى مشروع التطهير الصحي إلى أن يؤجل أحلامهم حتى إشعار آخر، وهو المشروع الذي بدأ المجلس البلدي المنتهية ولايته شطره الأول، قبل أن يتوقف لشهور بسبب إفلاس الشركة الفائزة بصفقة الانجاز.

نائب رئيس المجلس البلدي للمنطقة يتحدث للجريدة عن كون المشروع سيستأنف بعدما استيفاء شروط تسليمه لشركة جديدة، وحول غياب علامات تشوير وحواجز اسمنتية للتخفيف من السرعة بالشارع المذكور، قال “الحسان المهادي” إن الأمر غير ممكن اليوم، حتى تنتهي اشغال التطهير السائل متم السنة المقبلة، عندها سيبدأ الشروع في تثنية الطريق الرئيسية التي ستنتهي مع نهاية سنة 2017، ومع نهاية الأشغال بها يمكننا أن نتحدث عن شارع مجهز بالكامل، أما اليوم فمن الصعب أن نبني حواجز إسمنتية، تم نعيد حفر الطريق من جديد.

وفيات قرب مركز الدرك

أحد ضحايا حادثة سير بـ "شارع الموت" بالقليعة

أغلب الحوادث التي وقعت بـ “شارع الموت” كان قبالة مركز الدرك الملكي شاهدا عليها، الأمر الذي زاد القضية انفعالا، فكيف لا تحصد طرق عديدة أرواح مواطنين أبرياء، ومقطع صغير يجاور مؤسسة أمنية يقتل العشرات ؟، هكذا يسائل الكثيرون من أبناء القليعة رجال الدرك بالمنطقة عن أسباب نزيف الدماء الذي سال غير ما مرة قرب أقدامهم، غير أن مسؤولا أمنيا كشف أن عدد رجال الدرك لا يتجاوز 17 فردا، يسهرون على أمن أزيد من 100 ألف نسمة، بمعدل دركي واحد لكل 5880 فردا، ويضيف ذات المسؤول أنهم راسلوا من ذي قبل جهات بما فيها المجلس البلدي من أجل التدخل.

مسؤولية من؟

من يتحمل مسؤولية ازهاق أرواح مواطنين كثر في “شارع الموت” دون غيره من شوارع المنطقة؟ سؤال عريض يؤرق الساكنة المحلية.

فإذا كان المجلس البلدي المحلي قد أخرج نفسه من دائرة مسؤولية ما وقع ويقع، فإن ثمة أصابع تشير إلى أن الأخير له يد في مسلسل الحوادث الطرقية التي قتلت العشرات.

“أشرف كانسي” فاعل إعلامي وجمعوي يشير إلى أن الشارع يشكل نقطة سوداء بالمنطقة، ويضيف أنه ليست هناك أية محاولة داخل المجلس الجماعي من أجل توسيع الطريق رغم تخصيص ميزانية لذلك من طرف المجلس السابق، ولم يكلف الأخير نفسه عناء وضع علامات تشوير وحواجز للتخفيف من السرعة في أماكن تكون آهلة خاصة في أوقات الذروة يضيف “أشرف”، لا سيما أن “شارع الموت” يعتبر المدخل الوحيد باتجاه عدد من الأحياء الشعبية.

وعكسه يرى عبد الكريم الشافعي رئيس الجمعية المغربية لحماية وتوجيه المستهلك بالمنطقة، أن المسؤولية يتقاسمها الجميع، لكنه لمح إلى أن ثمة اعتبارت واقعية تحول دون تحقيق أي تقدم في هذا الإتجاه، فالمجلس بحسبه لا يمكنه أن يتحرك حيال الوضعية الحالية المتسمة بتعثر مشروع حيوي، كما أن اختصاصات رجال الدرك الملكي لا يمكنها فعل شيء بالنظر إلى اختصاصاتهم وعددهم القليل، أما النسيج الجمعوي يضيف “عبد الكريم”، فهو يكتفي بالتفرج، لأن فاقد الشيء لا يعطي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *