آراء

وجه النقابات القبيح الذي مرغه بنكيران في التراب

ألف المغاربة بمناسبة فاتح ماي من كل سنة انتظار هدايا السيد بنكيران وأخباره السارة التي لا تحمل في جعبتها غير الإسم، هداياه هذه يُعطى لها من الزخم أكثر مما تستحق ليمر عيد الشغل كسابقيه وينثر الغبار والفتات فوق رؤوس المغاربة وتستمر حكاية الحوار الإجتماعي في الدوران الفارغ والممل حتى سئم المغاربة مسلسله وفقدوا ثقتهم في الجديد والأفضل الذي يوعدون به من قبل نقاباتهم التي فقدت الشيء الكثير في عهد حكومة عبد الإله بنكيران.

لا أحد كان يظن بأن النقابات المغربية رغم عيوبها واختلالاتها ستنهزم بسهولة وتُذل وتفقد بريقها بالشكل الذي لاحظه الجميع بعد وصول السيد عبد الإله بنكيران وحزبه لرئاسة الحكومة، ولا أحد كان يعتقد بأن النقابات ستفشل في مساعيها للي أذرع الحكومة وبالتالي إرغامها على أخد مطالبها على محمل الجد، فهل استطاع بنكيران فرملة وإقبار بريق النقابات وتلطيخ صورتها لدى المغاربة؟

وهل أصبح دور النقابات يقتصر فقط على التنديد وإصدار بيانات وبلاغات للرأي العام عوض إرغام الحكومة وجرها لطاولة الحوار وتحقيق مطالبها استجابة لانتظارات المغاربة؟

في سياق ما عرفه مغرب ما بعد دستور 2011، لم يعد لفاتح ماي في التجربة المغربية طعم يغري متتبعي الشأن العام والعمالي والنقابي والمغاربة بصفة عامة، ولم يعد للنقابات ذاك البريق الذي استلهم المغاربة ذات يوم عندما كانت تزعزع كل الحكومات وكان لها ولتحركاتها شأن يأخذه صناع القرار في دواليب الحكم بالمغرب بعين الإعتبار ويعمل لهم ألف حساب.

مر فاتح ماي لهذه السنة كسابقيه، شعارات وخطابات تلقى هنا وهناك وحشود بأعداد لا يمكن القول بأنها غفيرة جابت شوارع بعض المدن وأزقتها، وتصريحات لنفس الوجوه التي عمرت طويلا في المشهد النقابي المغربي ولا تريد أن تترك الحلبة لغيرها، تعاد فيها نفس الكلمات ولا تحمل في طياتها الجديد الذي ينتظره كل المغاربة والطبقة العاملة على وجه الخصوص وإنما تعاد صياغتها ونثرها على مسامع المواطنين للإستهلاك الإعلامي فقط.

من المعروف أن الحكمة من سن فاتح ماي كعيد للشغل يمكن اختصارها في سعي كل الفرقاء من حكومة ونقابات وباطرونا لتحسين أوضاع العاملين وتمكينهم من ظروف عمل جيدة تراعي كرامتهم وإكراهات الحياة والبحث عن سبل تشغيل أكبر عدد ممكن من العاطلين، والحال في سياقنا المغربي يعكس محاولة السلطات المعنية بملفات الحوار الإجتماعي إقبار الدور الذي يفترض أن تلعبه النقابات، والذي يتلخص في ممارسة كل أشكال الضغط على الحكومات والمشغلين لإرغامهم على تحقيق مطالبها، وتحويلها لمؤسسات تُستشار للإستهلاك الإعلامي فقط ولا يأخد برأيها ولا بمطالبها وتمرير أغلب الإجراءات الحكومية رغم لاشعبيتها حتى وإن رفض الفرقاء الإجتماعيين ذلك.

بمجرد وصول السيد عبد الإله بنكيران لرئاسة الحكومة تحول سحر النقابات وقوتها رغم نسبيتها لضعف وعجز وهوان فقدت على إثره مجمل مقوماتها وفقدت ثقة المغاربة ولم يعد لها تلك المصداقية التي كانت مصدر قوتها في عهد ولى، بل وتحولت لبوق يعيد ويكرر نفس الخطابات ويهدد ويندد ويطالب ولا يملك تلك القوة التي تمكنه من دفع الحكومة والمشغلين لتلبية مطالبها، بل وزاد ذلك من نفور المغاربة من النقابات وعدم اكتراثهم لما يسوقون له وبالتالي فقدان هذه الأخيرة للزخم الشعبي والجماهيري الذي كانت تتباهى به وتستغله للضغط على صناع القرار في الحوار الإجتماعي في لحظات من التاريخ النقابي المغربي.

أكاد أجزم إذن بأن بن كيران استطاع طيلة مدة تربعه على رأس الحكومة المغربية تلطيخ صورة النقابات المغربية وتمريغها في وحل العجز وعدم قدرتها على الوصول لأهدافها ومطالبها، واستطاع كذلك تعميق الهوة بين المواطنين والنقابات ورموزها التي شاخت وهرمت ولم تعد خطاباتها تغري بالشكل الذي كانت عليه سابقا، وذلك بعدم الإكتراث لتحركاتها واحتجاجاتها وممارسة سياسة الآذان الصماء في تعاطيه مع تهديداتها ومظاهراتها وهو ما لاحظناه في جل مسيرات النقابات ووقفاتها الإحتجاجية التي تواجهها الحكومة والمشغلين باللامبالاة وتعيد بالتالي مناوراتها لنقطة الصفر وتشوه بذلك العمل النقابي المغربي بصفة عامة ومسلسل الحوار الإجتماعي على وجه الخصوص.

في انتظار صحوة النقابات المغربية واصطفافها لجانب الشغيلة والمواطنين عوض التركيز على مصالحها الضيقة، لا يسعنا الآن سوى القول بأن النقابات في عهد بنكيران على رأس الحكومة المغربية تمرغ وجهها في التراب وفقدت الكثير وأبرز ما فقدت ثقة المغاربة فيها بصفة خاصة وفي العمل النقابي بصفة عامة، وبأن الحكومة ماضية في برامجها وخطواتها حتى وإن كانت لاتستجيب لانتظارات المغاربة وبلاغات النقابات وتهديداتها وباستشارتها لهذه الأخيرة ودعودتها للحوار إنما ترسخ المقولة المغربية المشهورة التي تلخص كل شيء في علاقات الحكومة بالنقابات وهي: “شاورها وماديرش بريها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *