حوارات | هام

أوريد: جماعة العدل تُشاطر أفكارًا مع حزب النهج ولا تشاطرها مع البيجيدي

يحتل حسن أوريد موقعًا مهمًا داخل المنظومة الثقافية وحتى السياسية بالمغرب، ليس فقط لأنه اضطلع سابقًا بمهام كثيرة منها مؤرخ المملكة والناطق باسم القصر الملكي سابقًا ووالي جهة مكناس-تافيلالت، بل كذلك لأعماله الأدبية والفكرية التي أنتجها خلال السنوات الماضية، منها بعض الأعمال التي نالت شهرة واسعة كروايتي “الموريسكي” و”سيرة حمار”.
فبعد انسحابه من الشأن الرسمي، قرّر أوريد حصر جهوده في الكتابة والتدريس، لكن ذلك لم يمنع عودة اسمه إلى التداول لدى الشأن العام المغربي، ليس فقط بآرائه وأفكاره التي يثيرها في كتبه وندواته، بل كذلك لاستمرار عدد من المتابعين في ربطه بما يسمى في المغرب “المخزن”، رغم أن أوريد قال أكثر من مرة إن المخزن ليس هو الدولة، والدولة ليست هي المخزن.
التقت CNN بالعربية بحسن أوريد وكان  معه هذا الحوار :
أصدرت مؤخرًا كتاب “الإسلام السياسي في الميزان.. حالة المغرب” الذي تناول علاقة الدين بالسياسة، ما هي أبرز الخلاصات التي خرجت بها في هذا العمل؟
انطلقت في الكتاب من فترة مفصلية في العالم العربي هي هزيمة 1967، فبعد هذا العام، بدأ الاستنجاد بالدين وظهرت حركات سياسية توظف الدين وتحمل شعار “الإسلام هو الحل” لتقديم بديل عن مرحلة سابقة اتسمت بنوع من العلمانية. هذا الشعار انعكس على المغرب، وظهرت حركة الشبيبة الإسلامية، وبعدها حركات أخرى، منها جماعة العدل والإحسان، وحزب العدالة والتنمية بكلّ مراحل تطوّره، زيادة على تنظيمات إسلامية راديكالية.
غير أن الحالة المغربية لم تشهد فقط ظهورًا لهذه الحركات الإسلامية، فالدولة كذلك استخدمت الدين في خطابها الرسمي، وسنّت مجموعة من الإجراءات ذات الطبيعة الدينية. المهم أنه منذ ذلك التاريخ إلى الآن، تبيّن أن استخدام الدين في السياسة يؤدي إلى الكثير من التناقضات والكثير من المآزق، لدرجة أن الحركات الإسلامية وعت ضرورة الفصل الكامل بين الدين والسياسة.
كيف ذلك؟
هذا الوعي يظهر جليًا في الحالة التونسية، فحزب النهضة أكد مؤخرًا فصله بين الدعوي والسياسي. وفي الحالة المغربية، أضحى خطاب حزب العدالة والتنمية خطابًا حداثيًا في الكثير من الأحيان، ولم يعد يقدم نفسه حزبًا إسلاميًا، بل حزبًا بمرجعية إسلامية، كما أن قيادييه يؤكدون وجود تمايز بين الدين والسياسة.
أعتقد أن السبب الأول في هذا هو أن كل الأحزاب تتغير وتتكيف مع بنية الدولة، بما فيها الأحزاب الإسلامية، والسبب الثاني أن الحركات الإسلامية في العالم العربي لم تحمل فكر الدولة ولم تكن لها خبرة أو ثقافة الدولة، بل اشتغلت على المجتمع، وكانت لها ولاءات تتجاوز حدود الدولة القطرية، لذلك فبنية الدولة هي من أثرت على الحركات الإسلامية غداة وصولها إلى الحكم. صحيح كذلك أن هذه الحركات أثرت كذلك على بنية الدولة في بعض الحالات، لكن ذلك لم يحدث في المغرب مثلًا، فحزب العدالة والتنمية انخرط تمامًا في بنية الدولة.
هل يمكن لهذا التطوّر الذي وقع لحزب العدالة والتنمية أن يقع لتنظيم إسلامي معارض هو جماعة العدل والإحسان؟
لن يحدث بنفس الدرجة، لأن الجماعة توجد في موقف المعارضة ولم تنتقل إلى الحكم. أكثر ما تغيّر بالنسبة لها هو وفاة مؤسسها عبد السلام ياسين، ما جعلها تعيش يتمًا فكريًا خاصة وأنه لم يبرز داخلها قائدًا بالمكانة نفسها لمؤسسها ومنظرها الأول. لكن غياب الانتقال من المعارضة إلى الحكم لم يمنع وقوع تطورات داخلها، فهي اليوم تُشاطر أفكارًا مع حزب علماني كالنهج الديمقراطي ولا تشاطرها مع حزب العدالة والتنمية، إذ باتت الجماعة ترى تحالفاتها بمنطق المرجعية السياسية وليس الدين.
هذا التطوّر الخاص الذي تتحدث عنه، هل سيجعل المنطقة العربية تعرف نموذجًا للعلمانية شبيهٍ بالعلمانية الغربية؟
من الصعب ذلك. لفترة من الفترات، حاولت حركات في المنطقة استلهام النموذج الغربي واستعارة منظومات فلسفية وفكرية غربية، غير أنها فشلت في تطبيقها، والنموذج من القومية العربية التي كانت علمانية في الأساس. التطور الذي سيحدث سيبرز من داخل المجتمعات العربية، فالوضع الذي تسبّب فيه خلط الدين بالسياسة سيدفع هذه المجتمعات إلى تبني نموذج الدولة المدنية.
لماذا الدولة المدنية وليس العلمانية؟
كلمة علمانية لها حمولة قد تكون سلبية، الاتجاه الذي ساد في العالم العربي كوّن فكرة أن العلمانية مرادف للإلحاد رغم أن ذلك ليس صحيحًا، لذلك أرى أن عبارة الدولة المدنية التي تفصل الدين عن السياسة أكثر قبولًا، مع استمرار لتولي الدولة لمسؤولياتها في تدبير الشأن الديني.
ألّا ترى أن هناك إمكانية لأن تستخدم الدولة الدين لمصلحتها الخاصة؟
من الوارد ذلك، وهنا تُطرح قضية أساسية لم تحل في العالم العربي، وهي مفهوم الدولة، فهذا المفهوم غير واضح عندنا، فما نسميه دولة هو في الواقع نظام أو بنية، ومفهوم الدولة كتعبير عن عقد اجتماعي يغيب في العالم العربي، لكن في الوقت ذاته، إذا سلمنا أن هناك نية لخدمة الصالح العام، فلا يمكن للدولة أن تتنصل عن واجبتها الدينية من خلال بناء مساجد ورعاية الخطاب الديني السائد، خاصة وأن مثل هذه القضايا مرتطبة بمسائل أمنية، وتدخل الدولة، لن يكون بالضرورة لتوجيه الخطاب الديني، ولكن لخدمة أهداف أمنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *