ملفات

السباعي : ملف أراضي الجموع يحتاج إلى تنزيل القانون ومقاربة تشاركية في حل إشكالاته

مر المجتمع الإنساني من مراحل سطرت تاريخه إلى الحالة التي نعيشها اليوم ولا يمكن الجزم أننا سنستمر على ما عاهدنا عليه مجتمعنا الإنساني في السنوات المقبلة، فالإنسان إنتقل من عصر التقاط الخيرات من الأرض إلى زراعتها واستغلالها لنجد انفسنا امام ظهور الملكية، ولكون الإنسان يطمح للتوسع وغريزة السيطرة تسيطر عليه فقد كان الفرد يضع يده على مساحة تفوق حاجياته، وهو ما جعل الأرض تصير محط صراع بين المجتمعات، الجماعات وحتى بين الأفراد.
وحيث الفرد يسعى جاهدا لتعزيز قوته وهيمنته على الأرض التي يرثها بنو نسله بعد وفاته، غير أن هاته الأرض تتجزأ بعد مرور الأجيال وبالتالي فلا قيمة لها إن تحولت من الكل إلى جزء وأجزاء اكثر صغرا، وبالتالي ظهور المجتمع المشاعي او الملكية المشاعية أي الإستغلال الجماعي أو القبلي للأرض، وإذا ما ربطنا الأمر بالمغرب كان النتاج الأراضي السلالية أو اراضي الجموع التي تنتشر على طول المعمور.
أراضي الجموع والفترة الإستعمارية
مجموعة من السكان ينتمون في الأصل لسلالة واحدة يستغلون ارضا بطريقة تشاركية تلكم هي ما يعرف بالأراضي السلالية أو اراضي الجموع، وفي الأصل قد تكون هاته المجموعة البشرية عبارة عن دواوير أو فخدات أو أعراش وبشكل عام قبائل، يكون فيها التسيير حسب العرف و التقاليد السائدة وليس إنتاج تقليد أو تبني عرف دون ما بنيت عليه استغلال الأرض أي العرف الذي مشت به المجموعة وضمن استقرارا وسلما بين أفراد المجموعة، بالإضافة إلى أن من بين العناصر الموحد لأراضي الجموع أنها ل يمكن التصرف فيها بالبيع ولا الحجز ولا الرهن في المقابل ينتفع بها ذوي الحقوق عن طريق الرعي أو الزراعة أو حتى بناء السكن.
في المغرب تشكل اراضي الجموع رصيدا عقاريا مهما إذ تبلغ مساحتها ما يقرب 15 مليون هكتار وإذا ما ربطنها بمساحة الأرض النفعية بالمغرب فإننا سنكون امام رصيد عقاري يشكل سيكون ثلث المساحة الصالحة للزراعة و الرعي، و يوجد على طول المعمور أكثر من 4563 جماعة سلالية موزعة على 48 إقليم وعمالة و يبلغ ذوي الحقوق عليها ما يناهز 9 مليون نسمة.
في الفترة الإستعمارية سنت مجموعة من القوانين ويتجلى ذلك عبر ظهير 27/4/1919 الذي نظم تدبير اراضي الجموع بشكل يسمح للدولة بالتدخل فيها، حيث أقر هذا الظهير على أن الأراضي الجماعية هي في ملك جماعات سلالية و تحت وصاية وزارة الداخلية، أي أنه لا يمكن اتخاذ أي قرار بشأنها إلا بموافقة الوزارة الوصية ومجلس الوصاية (ويتكون من ممثلين عن وزارة الداخلية وعن وزارة الفلاحة والمياه والغابات) ويقصد بالوصاية أيضا حماية الأرض ورعاية شؤون الجماعات. أما بالنسبة لتدبيرها لا بد أن يتم وفق مسطرة محددة ومضبوطة تضم دراسة جدوى المشاريع المزمع انجازها فوق الأراضي بعد استشارة السلطات المحلية والإقليمية ، وموافقة نواب الجماعات السلالية .
هنا حث الظهير على ضرورة اختيار نواب عن كل جماعة سلالية يشكلون ما يعرف بجمعية المندوبين أو جماعة النواب يمثلون ذوي الحقوق لدى السلطات المحلية و ينوبون عنهم في اتخاذ القرارات تحت مراقبة مجلس الوصاية و السلطة المحلية المعنية.
واليوم كما سبق ذكره وصاية على الجماعات السلالية تعهد إلى السيد وزير الداخلية. و تسهر على تسيير شؤون الوصاية على الجماعات السلالية مديرية الشؤون القروية بوزارة الداخلية و كذا السلطات الإقليمية.
الظهائر المنظمة لأراضي الجموع
أهم النصوص التي بمقتضاها عدل الظهير المذكور هي كالتالي:
 ظهير 18/2/1924، أجاز نظام خاص لتحديد الأراضي الجماعية وتم تعديله بظهير 16/2/1933.
 ظهير 28/5/1938، أجاز تفويت الأراضي الجماعية لفائدة الدولة
 ظهير 13/12/1941، أجاز كراء الأراضي الجماعية كراء طويل الأمد كما أجاز تفويت حق الانتفاع الدائم للأراضي الجماعية للغير.
 ظهير 19/3/1951، نظم طريقة تدبير الأراضي الجماعية و تفويتها.

فطن المشرع المغربي في عهد الاستقلال بالوضع الذي ستؤدي إليه أحكام ظهير 27/4/1919 وبذلك بادر إلى إدخال عدة تعديلات والتي يمكن ذكرها حسب الترتيب التالي:
• ظهير 9/5/59 بموجبه فسخ العقود الممنوحة بموجبها حقوق الانتفاع الدائم للعقارات الجماعية ومراجعة عقود أكريتها المبرمة لأمد طويل.
• ظهير 28/7/59 بموجبه عهد بالوصاية على الجماعات إلى وزير الداخلية
• ظهير 17/11/59 بموجبه قضى بعدم قابلية قرار مجلس الوصاية لأي طعن
• ظهير 30/6/60 بموجبه فسخ التفويتات بشان الأراضي الجماعية اعتمادا على ظهير 19/3/1951.
• ظهير 6/2/1963 بموجبه صرح بعدم قابلية الأراضي الجماعية للتقادم ولا للتفويت والحجز والذي نظم مسطرة التقاضي ضد الجماعة أو لفائدتها كما ألغى عدة فصول من ظهير 1919.
• ظهير 25/7/69 بموجبه نظم وضعية الأراضي الجماعية الواقعة داخل المناطق السقوية.
• ظهير 2/3/73 بموجبه نص على استرجاع ملكية الأراضي الفلاحية التي في ملك الأشخاص الذاتيين الأجانب أو الأشخاص المعنويين.
ذوي الحقوق صفة بين الإكتساب والسقوط
ما يلاحظ في صفة ذوي الحقوق هو هو عدم انسجام المقتضيات المنظمة لهذا الإطار، بحيث كل جماعة سلالية تضع شروط خاصة بها لاكتساب صفة ذي حق. نجد أغلب الجماعات السلالية في الجنوب ومنطقة الوسط تضع معيارين لاكتساب هذه الصفة وهما الذكورة أو الزواج ، وإستثناءا يمكن للنساء المعيلات لأسر اكتساب هذه الصفة ،أما المناطق الجبلية بالشمال فالذكور هم من يرثون عن آباءهم ، و النساء يستفدن فقط من نصف النصيب في السكن وخيرات الأرض دون العين، أما الأراضي العارية فتبقى من نصيب الرجال ، كذالك بعض مناطق الغرب صفة ذوي الحقوق لا تمنح إلا للذكور.
اما سقوط صفة ذوي الحقوق تختلف هذه المعايير من جماعة إلى أخرى كون المشرع لم يتطرق لتحديدها، ولتفادي الفراغ التشريعي المتعلق بأسباب سقوط صفة ذي حق في إطار الجماعة السلالة قامت مبادرات وطنية في إطار المناظرة الوطنية حول اراضي الجموع سنة 2017 والتي حضرها ممثلوا مجالس الوصاية ومختلف الفاعليين الحقوقيين بالإضافة إلى ممثلين عن الوزارة الوصية وأساتذة جامعيين بوضع واقتراح بعض المعايير والتي تعد في رأينا منطلقا أساسيا لتوحيدها هي كالتالي:
1. إتلاف ممتلكات الجماعة،
2. تفويت حق الاستغلال للأجانب،
3. التعرض على تحفيظ عقار جماعي بسوء نية.
ويتم فقدان هذه الصفة بقرار من الجماعة النيابية و يمكن الطعن فيه أمام مجلس الوصاية ،
وفي رأينا هذه المعايير ستشكل وسيلة للحد من الإستغلال والترامي على أراضي الغير لحرمان الأشخاص المعنيين بأراضي الجموع.
الصفات الواجب توفرها في المجالس النيابية
تتشكل المجالس النيابية عن طريق الإنتخاب أو التعيين، لمدة محددة بعد توفر شروط معينة في المرشح لمنصب النائب، ويشترط فيه الشروط التالية :
 أن يكون منتسبا للجماعة السلالية .
 أن يكون مسجلا بلائحة ذوي الحقوق بالجماعة السلالية .
 أن يكون مقيما بصفة مستمرة بالجماعة السلالية .
 أن يكون مشهودا له بالقدرة البدنية والفكرية.
 أن يكون مشهودا له بالأخلاق الحميدة و بالشرف والنزاهة و الإستقامة.
 أن لا يكون أميا و يحسن القراءة و الكتابة باللغة العربية.
 أن يكون ملما بممتلكات الجماعة السلالية و بأعرافها و تقاليدها .
 أن لايقل سنه عن 30سنة و لا يتجاوز 70سنة .
 أن يكون منعدم السوابق العدلية و غير محكوم عليه من أجل جرائم عمدية .
 أن لا تكون له أية منازعات قضائية مع أعضاء الجماعة السلالية بخصوص الممتلكات الجماعية وتدبيرها .
و بعد استكمال النائب لكل هذه الشروط يتم تنصيبه بعد تعيينه أو إنتخابه، ويتم تعيين النائب من طرف ذوي الحقوق المسجلين باللائحة في حالة ما إذا كانت موجودة و ذلك طبقا لما جاءت به الدورية 51 بتاريخ 14 ماي 2007 و في حالة عدم وجودها يتم تعيينه من طرف 12 عشر فردا من الأعيان الذين يفترض أنهم من ذوي الحقوق .
على سبيل الخاتمة
يقول تعالى في كتابه الكريم “وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ” سورة الذاريات، حق المحروم في الأراضي السلالية أو اراضي الجموع ثابت، ويمكن أن نسجل هنا على أن العديد من المواطنين يدعون أحقيتهم في الأراضي السلالية ويترامون على حق المحروم من ضمن الحقوق الإجمالية لذوي الحقوق في المقابل يغيب أحيانا مجلس الوصاية ويتم تغييبه مرات عدة قصد الإجهاز على إستغلال سليم لأراضي الجموع وكما سبق فمجلس الوصاية له إطار ينظمه ويعطيه شرعيته القانونية كما أن نواب هذه الجماعات لا يتوفرون على المستوى الثقافي المطلوب، بالتالي فملف أراضي الجموع يحتاج إلى تنزيل العمل القانوني المنظم له من جهة ومن جهة أخرى يجب إعادة النظر خلال إيجاد حلول للمشاكل التي تعيشها اراضي الجموع ،وفق مقاربة تشاركية يتم فيها إشراك السياسي والاقتصادي و الجمعوي والحقوقي.

ذ/الحسين بكار السباعي محامي بهيئةالمحامين بأكادير والعيون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *