آراء

عبر زر إعجاب ومتابع … تفوز بقيمة افتراضية

إذا ما ذكرنا كلمة التواصل وربطناها بالمجتمع فنحن حتما نجتمع تحت سقف مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل اوتوماتيكي، الشيء الذي يغنينا عن كل ما هو واقعي ويبقينا في حظيرة الوهمي. فان هذا المولود الجديد فوق أكتافنا، سيتجشأ من تخمته ’ لنجد به إيجابيات لربما نفعت وأنهت مهمتها في وقتها، ورغم توغلنا في تلك القذارة ’ – كلمة قوية بعض الشيء – الا أنها حتما تعبر عن الواقع المعاش، وإذا ما أردنا تنظيف المكان بمنديل نظيف تحت ما يسمى – نظرية القرب وجعل العالم قرية صغيرة – كما تلقينا في مقررات الابتدائي الا ان الرائحة تظل في الأجواء لتزعجنا باستمرار، فهل رذاذ عطر كاف، أم أننا نستهلك على حساب امبراطورية غرزت أساطيلها بمعادن ذكية، تكاد لا تفارق أيدينا. تختلف الألوان والشعارات، والمضامين والتصاميم، الا أن الهدف واحد. وفي هذا المقال لن يقع اختيارنا على أحد هده المواقع لتحليله والتوغل في أبعاده عن محض الصدفة – كل شيء يحدث لسبب معين –

نجاح تسلل عبر أروقة ستانفورد: 

هو Kevin systrom ابن، ثمانينيات القرن الماضي، تخرج من جامعة ستانفورد عام 2006، وفي ظل المشاريع التي كان يشارك فيها، حول تطوير البرامج المعلوماتية، بدأ بحضور دروس علم الحواسيب، الذي وجده صعبا للغاية. لكن على لسان Kevin فان ” أفضل عمل هو ذلك الدي تفعله بكد، فهذا ما أقوم به يوما بعد يوم في انستغرام “. فبعد فشل ونجاح متوال، في مجالات متعددة منها التسويق والهندسة، بدأ بتطبيق Burbn الذي توفر على الصورة والفيديو عبر تسجيل حضور، وبعد استثمارات عدة، وشراكة Kevin وMike، قررا أن يركزا على الصورة، بعد ملاحظتهما لمدى استمتاع المستخدمين بها، وبدراسة دقيقة، أضيفت الثورة أو نقطة قوة البرنامج، بواسطة فلترات تجمل الصورة وتعطيها رونقا خاصا، الشيء الذي غاب في التطبيقات الأخرى. فبعد اطلاقه عام 2010 تحت تغطية صحفية ضخمة، توافد المستخدمون ليصلو الى المليون، وتضاعف ليتخطى حاجز 30 مليون. وبلغة الأرقام فان عدد الصور تجاوز 100 مليون، بمعدل 58 صورة ومستخدم جديد كل ثانية. أرقام قياسية فجرت سقف الأرباح والنجاح. وان كان للانستغرام رقم حظ فسيكون هو المليار ’ فبعد تخطي حاجز المليار صورة بعد فتحه، استحوذت شركة فيسبوك على التطبيق بصفقة بلغت المليار دولار. طبعا تطورت هده الأرقام بشكل مهول حقا.
وأول الدول التي تستعمل هدا التطبيق هي الولايات المتحدة الامريكية واليابان والبرازيل، والتي تستحوذ على % 40 من مستخدمي هدا التطبيق، وبالعالم العربي شكل الناشطون نسبة تقدر ب 7,1 مليون مستخدم، حيث أن السعودية تبوأت المركز الأول بينما حل المغرب في الرتبة التاسعة. اذن فبعد الخطوات الصغيرة التي اتخذها Kevin وتراكم الخبرات بعضها فوق البعض، في رحلة مزجت بالسعادة والمرارة، نجد أن الأشياء الصغيرة تخلق فروقا كبيرة.

من رأى ليس كمن سمع:

الصورة هي الكائن الحي في أجود حالاته –ريجيس دوبري-، في بداية المقال أشارت إلى أن الاختيار والاهتمام بالصورة بالضبط، لم يأت عن محض الصدفة، وإذا أردنا التحديد فإن العصر الحالي هو عصر الصورة، فهيمنتها على شتى المجالات لتكون دليلا قويا، تطور عبر الحضارات والأزمنة، فلا طالما ارتبطت الصورة بالإنسان، فهي عقل أيقوني تركب من تحليلات وتخيلات كانت مصدرا للإبداع والعطاء، الذي يتطور دون توقف، فمنذ العصر القديم ’ نالت الصورة اهتماما وتبوأت مكانة مهمة في المجتمعات الإنسانية. فهذه الوسيلة التمثيلية للحياة اليومية تسللت بلباقة لعقولنا، لتحمل في طياتها أبعادا ورسائل مشفرة تجعلنا ننحني أمام كونها صانعة لإعلام جديد، وذلك عبر طرق وأشكال العرض، فهذه المادة تتحدث عن نفسها، فأهوال الحرب قد أزعجتنا بصوتها، لكن الصورة هزت قلوب الملايين
وزعزعت الرأي العام، لهذا فإن منابر الاعلام الجديد وتحديدا انستغرام لم تحقق تلك النجاحات عن محض الصدفة، بل تعرضت لقوة يمكن القول عنها ناعمة، تثير الانتباه وتفرض حضورا فاعلا في المجتمع الدولي، ناهيك عن التأثير الفردي الذي يشكل الخطورة القصوى على عقل الفرد ومشاعره عبر الابهار وتوجيه السلوك، الشيء الذي سنفصل فيه أكثر في الفقرة القادمة.

قذائف نفسية واجتماعية:

في هذا الوطن السيبراني الذي لا يمتلك تاريخا قديما لنتنبأ بمستقبله، ولا جغرافيا لنحدد منطقة نشاطه، فانعدام الذاكرة والحدود والتراث، يجعل هذه الصدمة الكهربائية مؤثرة على بنية الحركة الاجتماعية عامة.
اذا ترجمنا كلمة cool نسقط في كل ما هو رائع , هكذا يجعلك الانستغرام , او يفرض عليك ما يجب أن ترغب فيه، لتنعزل عن الواقع و تلجأ لصورة معدلة من كل جوانبها، فتعتبرها الكمال و السمو الاجتماعي، وغير ذلك فهو غريب، اذ أن مجموعة من mêmes – و هي صورة بتعليقات مضحكة – أصبحت أفضل من تجمع عائلي , و حتى لو تكبدنا العناء ، و ضحينا بالخروج معا ، فوجب مشاركة الصورة حالا، مع تعليق يزيدها غنى و جمالية، فأصبحنا لا نفهم معنى الخصوصية، و لا أظن أننا سنجرب رؤية منظر و التأمل بدل تسجيله في هواتفنا، و لن نبتسم عند سطر مكتوب في رواية جميلة فنحتفظ بها لأنفسنا، لا هذا عيب ! فالموضة تقتضي الإفصاح و الافتضاح، فالحصول على إعجاب افتراضي يزيد من ثقة المستخدم، و الآراء المختلفة تقود إلى التخلي عن كل ما هو أصلي و اتباع التقليد كيفما كان، و حسب الاحصائيات حتى الآن فإن أسوء موقع للتواصل الاجتماعي و الذي يؤثر على الصحة العقلية و النفسية بشكل كبير هو الانستغرام، و حسب شهادة أحد مستخدميه تقول عائشة خربش أن هذا الموقع يغلب عليه مشكل المقارنة بين الوضعية الشخصية و آخرين ، لربما لثرائهم الفاحش، استطاعوا شراء سيارة فاخرة، و عبر جراحة تجميلية عبر أجسادهم، أصبحوا أكثر إغراءات ، الشيء الذي يولد طبقة حقودة غير عاملة ، بل تبحث عن طرق مختصرة للتقليد ، كمت أضاف أحمد مستأد وهو طالب صحفي لا يستعمل هذا التطبيق ، يعتبر أن الانستغرام بدعة إلكترونية جاءت في إطار التناسل الغريب لمواقع التواصل الاجتماعي و الذي جاء لأهداف ربحية فقط . ذلك أن هذا الفضاء التواصلي ينهل كثيرا من فكرة الفيسبوك لدرجة تصل للمطابقة، والطامة الكبرى أن هذا الأخير يرتكز على المحتوى المرئي فقط من صور وفيديوهات بعيدا عن التدوين، مما يعمق مشكلة العزوف عن القراءة وإبداع الأفكار والتحليلات المكتوبة.
إن هذه الحرب بين النفس الآدمية ونظيرتها الالكترونية لا زالت قائمة في ظل تفاقمها، فهل هناك من حل لإيقاف النزيف، أم أن المرض قد أنخر جسد المجتمع؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *