ثقافة وفن

في ذكرى رحيله: علي صدقي أزايكو.. الصفعة المضادة

أود ان اتحدث عن المرحوم “صدقي علي أزايكو” (1942_2004) رمز الشموخ الامازيغي الذي لا يرضى الرضوخ. المفكر المجدد، المؤرخ الملتزم، والشاعر الذكي…اسس مدرسة في التأريخ واحدث ثورة في الشعر و اسس فكرا امازيغيا جديدا…انه النبي الامازيغي الذي تعرض للمحاكمة الظالمة بسبب كل هذا التجديد على حد تعبير الفيلسوف محمد بودهان…

أود ان اتحدث عنه من خلال ما رواه لنا صديقه المؤرخ ايضا، والوزير الحالي للاوقاف “احمد التوفيق” في الجزء الثاني من سيرته الذاتية تحت عنوان” والد وما ولد”، تطرق التوفيق في حديثه عن حياته المدرسية الاولى في مراكش اواخر الخمسينيات من القرن الماضي، حيث تعرف على صديق جديد في خريف سنة 1958 وهو علي صدقي الذي التحق هو الاخر في نفس السنة باعدادية محمد الخامس بمراكش. وساعدتنا رواية التوفيق في فهم جزء كبير من شخصية صدقي علي في مرحلة مهمة من حياته التي لا نعرف عنها شيئا مادام لم نقرأ بعد مذكراته، إن هو تركها.
نعرف ان صدقي علي عاش في اليتم منذ طفولته بسبب فقدان والده الذي توفي في حادثة سير حافلة نقل عمومي بمنعرجات تيزي نتاست بداية الخمسينيات. ولكن لا نعرف الكثير من المعطيات حول اقامته في مراكش والرباط….الخ.
ميزة ازايكو الوحيدة التي تميزه عن الاخرين هي تملكه المبكر للوعي الثقافي الامازيغي وهو تلميذ في الاعدادي بمراكش، وذلك نتيجة ذكائه الثاقب وكثرة اطلاعه ومطالعته، هذا الوعي بأمازيغيته جعله يعاني وهو صغير السن، يقاوم غطرسة الفكر العروبي منذ نعومة اظافره.
يقول التوفيق في الصفحة رقم 204 : زاد من توتره في تلك الايام أن مدير المدرسة ارتكب فعلة شنيعة، وذلك بأن صفع صديقه علي صدقي صفعة كان لها في نفسه أثر بليغ. صفعه لأنه تأخر بضع دقاءق عن وقت دخول المدرسة ….وهذا المدير في غاية الاعجاب عن نفسه….كان سبب ازدياد قلق الولد (اي التوفيق) أن صديقه علي يتيم شديد الحساسية لكل أنواع الظلم، يبدو انه يسقط يتمه الشخصي على حال أهله الامازيغ، ومن ثمة فهو ميال الى تفسير اوجه التفوق الثقافي الذي يدعيه الاخرون بأنه ارادة فرض تفوق عرقي. يشعر أن الظلم الذي يصدر من منطلق هذا النوع من الادعاء هو اشد أنواع الظلم والاذانة. ولم يحمل المضروب صفعة المدير الا على ذلك المحمل وهذا ما سيدفع به الى ترسيخ الاعتقاد بأنه هو وأمثاله من أمازيغ الجبل محقرون جميعا من أهل المدن المحمولين على تغليب أنهم من العرب أصلا، ادعاء استعلاء وترفع، مع أن العدد الكبير من أهل المدن هم من الامازيغ…..وكان النقاش حول هذا الموضوع مستمرا بين الصديقين وكان علي صدقي يعيب على الولد قلة استحضاره لهذا الشعور في تفسير الامور.” انتهى كلام التوفيق.
لماذا صفع مدير المدرسة التلميذ صدقي علي؟ جاء في الرواية ان هذا الاخير تأخر عن وقت الدخول. لكن الحقيقة هي عكس ذلك وهي الحقيقة التي فطن لها ازايكو، وهي ان المدير صفع ازايكو بسبب موقف ايديلوجي لانه كان متحمسا لاديولوجية القومية العربية، اسمه الكامل عبدالنبي بلعادل وهو من الشباب الذين كانوا في حزب الاستقلال وخرجوا منه بعد 56 وانضموا الى تيار عبدالله ابراهيم، بل كان المدير من اصدقائه حيث قام عبدالله ابراهيم حين كان وزيرا اولا في الحكومة بزيارة خاصة للمؤسسة التي يدرس بها ازايكو والتوفيق…اذن المدير كان ينتمي الى التيار العروبي اليساري المنشق عن حزب الاستقلال سنة 59…جاء في رواية التوفيق..”……فالولد المصفوع كان يرى أن السماء قد تصرفت بعدل عندما وقع القاء القبض في الايام الموالية على أحد أصحاب المدير، شريكه في الافكار التقدمية، أو “التأخرية ” كما كان يسميها علي صدقي…ابتهج لان ذلك يدخل نكدا على المدير.”
يتضح ان مدير المؤسسة يعلم بمواقف صدقي علي الذي كان لا يضمر اي شيء..خاصة وانه كان تلميذا مجتهدا وومتفوقا حيث يتحدث التوفيق في روايته ان المدير والاساتذة كانوا يسعون الى استقطاب التلاميذ للانظمام لتوجهاتهم السياسية ووالايديولوجيةخاصة وانهم كانوا جلهم اجانب من مصر ولبنان وفلسطين …اوطان القومية الناصرية…لنقرأ ماذا حدث لصدقي علي مع احد اساتذته المصريين، دائما من رواية التوفيق احمد:”زاد المدرسون المصريون اعتدادا بتلك الزيارة….وبلغ به الحماس الى حد ارتكاب حماقة ما فتئ يحاول التكفير عنها. ذلك ان التلميذ علي صدقي ذكر في ايام المؤتمر اسم عبدالناصر بأنه سليل الفراعنة..فما كان من الاستاذ الازهري، الا أن قام من مقعده وقصد التلميذ وونهره وصرخ في وجهه غاضبا وهو يقول له” عبدالناصر أشرف من أبوك” هكذا…كان ذلك الخطأ دفعا جديدا لعلي صدقي في اتجاه مزيد من الانطواء على النفس واحتداد مشاعره الوطنية الامازيغية في تأويله الخاص للتاريخ، ودون ان يذكر تلك الشتيمة من المدرس المصري والصفعة الظالمة السابقة من مدير المدرسة المشهور بميولاته العروبية حسب تعبير صدقي، كان يقول للولد” إن أصل هذا الظلم بدأ مبكرا باهانة في عهد عقبة بن نافع، تلك الاهانة التي لحقت زعيم الامازيغ الذي أراد من أوقعوه في الاسر أن يهينونه فكلفوه من الافعال ما لا يليق بكبراء القوم ، ولقبوه “كسيلة” استهزاء، وأغفلت الكتب اسمه الحقيقي عن قصد.” انتهى كلام الوزير احمد التوفيق.
من المؤكد انه اتضح كل شيء من خلال شهادة احمد التوفيق وهو يتحدث عن سنة 1961 حيث كان عمر صديقه علي صدقي لم يتجاوز 19 سنة. وهو تلميذ يقاوم عبر كل الجهات، يتيم الاب يسكن وحيدا في غرفة سفلية مظلمة في فندق يعرف بمقهى “بو الزيت” داخل المدينة العتيقة مراكش، وهو فندق ينزل فيه التجار ويبيعون فيه المواد الفلاحية…يقاوم أخطر شيء كان يعاني منه وطنه المغرب وهو الاستيلاب الثقافي والهوياتي عن طريق تزوير التاريخ. وبسبب ذلك كرس كل حياته للتصحيح..تصحيح الفكر وتصحيح التاريخ، بالاجتهاد والتأويل الممكن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *