ثقافة وفن

سهيل بن بركة..رائد الفيلم السياسي بالمغرب

يعد سهيل بن بركة من أهم رجال السينما بالمغرب، لدرجة أن البعض، كما أشار إلى ذلك فؤاد سويبة، في مستهل كتابة عن الفيلم السياسي بالعالم والذي أفرد فيه حيزا مهما للمخرج المغربي الكبير، يَعتبرُ أن هناك مرحلة ما قبل وما بعد سهيل في المشهد السينمائي، ليس فقط المغربي وإنما أيضا الإفريقي.

سنتطرق في ثنايا هذا المقال إلى تجربة السينمائي المغربي العالمي بشيء من التفصيل، معتمدين أساسا على الكتاب  الأنف الذكر وهو من تأليف الباحث، الروائي والمخرج فؤاد سويبة. هذا المرجع يضم في طياته معلومات وتحليلات دقيقة عن مختلف التجارب العالمية في مجال الفيلم السياسي وقد خصص فيه ثلاثة مباحث مطولة  لثلاثة أعمال بارزة لسهيل بن بركة، يتعلق الأمر بألف يد ويد، حرب البترول لن تقع وأموك، مع إشارات هنا وهناك لبقية الإنجازات، التي لا تقل عنها فنية.

ولد سهيل بن بركة في 25 دجنبر 1942 بتنبكتو من عائلة تنحدر من مدينة كلميم. تابع دراسته الثانوية بمالي، قبل أن ينتقل للديار الإيطالية للحصول على اجازة في علم الاجتماع، ليلتحق بعد ذلك بمعهد السينما. هناك احتك ببعض المخرجين العالميين أمثال بازوليني، الذي شارك معه في عمله الموسوم بالإنجيل حسب ماثيو.

حسب فؤاد سويبة ، بدأ المعلم سهيل، كما يحلو له أن يسميه، مشواره في مجال السينما في وقت كانت الانتاجات المحلية تكاد تنعدم بسبب قلة المكانيات وعدم انخراط الدولة.

أول عمل سينمائي له هو “الف يد ويد”، الذي انتج عام 1972، أعلن من خلاله المخرج- دائما حسب فواد سويبة- قطيعته مع الطرح التقليدي لمن سبقوه، ليواصل في “حرب البترول لن تقع” بحثه عن أساليب جديدة. في سنة 1982 شكل صدور فيلم أموك حدثا سينمائيا  استثنائيا في قارة  كانت تواقة للحرية والانعتاق. في معرض حديثه عن باكورة أعمال المخرج سهيل بن بركة، يشير الكاتب الى أنه يمثل، بمعية “وشمة”  لحميد بناني و”اسراب”  لأحمد بوعناني، نقطة انطلاق لثورة في مجال الفن السابع بالمغرب. لذلك لا غرو أن يلقى عمل كهذا نجاحا باهرا لدى شريحة هامة من المثقفين ويحظى باحتفاء كبير في المهرجانات.

اختار فؤاد سويبة كعنوان لمبحثه عن فيلم “حرب البترول لن تقع” صراع الأيديولوجيات،  فقد ظهر هذا العمل لحيز الوجود سنة 1974 في عز الصراع العربي الإسرائيلي، رغم أن صاحبه لم يعد انتاج مكونات الصراع العسكري لحرب 1973 ، كما هو شأن معظم الافلام المصرية في تلك الفترة، مركزا بالأحرى على تداعيات الحصار النفطي للدول الداعمة للكيان الصهيوني.

فلم” أموك”، ثالث الافلام التي تناولها الكاتب بالدراسة والتحليل، هو فيلم عن الصراع الاجتماعي، جاء في سياق نظام الابارتايد بجنوب إفريقيا.

يبدو جليا من خلال عرضنا للأعمال الثلاث لسهيل بن بركة  أن هذا الأخير ظل وفيا لروح الفيلم السياسي من حيث هو انتقاد للأوضاع الاجتماعية والسياسية المزرية ومن تمة انتقاد  نظام حكم بعض الأنظمة وهو ما شكل العمود الفقري  لكتاب فؤاد سويبة “جمالية الفلم السياسي”.  ما يميز هذا العمل الجبار هو أن مؤلفه متخصص في مجال السينما، فقد شغل منصب المدير الأول للدراسات بالمعهد العالي لمهن السمعي بصري والسينما، بالإضافة  لاشتغاله في مجال الصحافة ومشاركته في اطلاق مهرجانات سينمائية في بلده المغرب وانتاجه لبرامج للتلفزة المغربية ولمحطات أجنبية، هذا علاوة على كونه روائيا ذا قلم سيَّال.

هو دون أدنى شك مرجع أساسي لمن أراد تكوين فكرة عن الفيلم السياسي بالعالم عامة وبالمغرب خاصة.

4 أسئلة لفؤاد سويبة، مؤلف “جمالية الفلم السياسي”

يذهب البعض إلى أن سهيل بن بركة قد غير مسار السينما بالمغرب. في منظورك، أين تكمن مساهمة بن بركة في هذا الحقل؟

أولا بن بركة جاء محملا بتجربة اكتسبها خلال فترة تواجده بإيطاليا، التي تعتبر مختبرا هاما في هذا المجال. تعلم السينما بالمدرسة و تسنى له أن يصاحب مخرجين ايطاليين و عالميين أثناء انتاج أعمالهم. كما جمعته صداقة بأسماء وازنة كبازوليني و دينو دي لورينتي اللذين مهدا له طريق الابداع. فطن مبكرا الى اهمية الاعتماد على سيناريو جيد و تسويق عالمي للحصول على مصادر تمويل كافية. لذلك تمكن من طرق مواضيع مهمة كالميز العنصري (فلم اموك) و الزواج المختلط ابان فترة الاستعمار (عشاق موكادور)، الصراع من أجل السلطة من خلال قصة الأمير السعدي عبد المالك في فيلم طبول النار.  تناول أيضا موضوعا جديدا وهو حصار النفط في فلم حرب البترول لن تقع. بن بركة مكن الفلم المغربي من سلك سبل تعبيرية جديدة لم يعهدها المتفرج مع غيره ممن سبقوه.

جلب مستثمرين أجانب و فتح الباب لنجوم السينما العالمية في مدينة ورززات.

لذلك طرق أبواب هوليود بحثا عن منتجين كلما خطرت له فكرة مشروع ما.

كان حاسما في هذا المجال معطيا الفرصة لتقنيين و مشتغلين في ميدان السينما السينمائي المغربي.

كيف تصف لنا سهيل بن بركة باختصار ؟

هو فنان انتبه الى أهمية أن تحظى البلد بسينما ذات قيمة عالمية وهو مشروع لطالما دافع عنه بالغالي و النفيس الى يومنا هذا.

سهيل أخرج مجموعة من الأفلام القيمة. في كتابكم جمالية الفيلم السياسي ركزتم على ثلاثة منها ، الف يد و يد، حرب البترول لن تقع و أموك. لماذا هذا الاختيار ؟

كل أعمال سهيل جديرة بالاحترام التقدير. كل مشروع من مشاريعه ساهم في خلق سينما لها جودتها، سينما تحاول الاجابة عن قضايا لها علاقة بالمجتمع ومستجداته. اخراج فلم عن الفراعنة أو عن نظام الأبارتايد بجنوب افريقيا دلالة عن انكار الذات لصالح قضية تنبني على الغاء الحدود و الانتصار للإنسان أينما كان. في ما يخص اختيار الأعمال الثلاثة التي ذكرتم، أقول أن هذا يستجيب

لمتطلبات أكاديمية. فقد اخترت أفلام يخص أحدها استغلال قصر من طرف رأسمالي بدون أخلاق و استغلال شركات كبرى للتخلص ممن عارض أوامرهم او الاشارة الى مواجهة سود جنوب افريقيا  لعنف وعنصرية البيض. هذه الأعمال مكنتني من رصد الجانب الجمالي المستبطن في أفلام ذات حمولة سياسية.

خرج  الى حيز الوجود مؤخرا اخر أعمال بن بركة وهو رمل و نار. كلمة مختصرة عن هذا العمل..

يندرج هذا الفلم في اطار مشروع المخرج و هو تعريف الأجيال الجديدة ببلدهم من جهة و من جهة أخرى ابراز مدى الاختلاف بين الشرق و الغرب. مسار هذا الجاسوس الذي استقر بالمغرب منذ 1802 يحمل دلالات عميقة حول علاقة العالمين الشرقي و الغربي حاليا. و هنا تتجلى اهمية الخوض في التاريخ خاصة عندما يتعلق الامر برصد التناقضات في العلاقة بين هذين لعالمين. هذه القدرة الفائقة للغرب للاستعلام عنا دون اثارة الشكوك. من خلال هذا الفيلم يعلن سهيل رفضه لكل أشكال التطرف مؤكدا على أن الأعمال الجيدة تتطلب تمويلا ضخما و ليس فقط الاعتماد على المساعدات المحلية كما دأب عليه القوم في مناطقنا.

 حاوره محمد عالي الحيرش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *