متابعات

هذا ما قاله الناقد الجمالي موليم العروسي عن “لوغو” أكادير الجديد

تابعت بالفعل السجال على الجرئد الإلكترونية لكن لم يسعفني الحظ لمتابعته على الجرائد الورقية بحكم تواجدي خارج المغرب لظروف خاصة. تابعته أيضا على وسائل التواصل الاجتماعي ولاحظت أنه كان فرصة لمعرفة رأي العديد من الناس أو قل ردة فعل الناس. وبما أن الأمر يتعلق بفنان كبير وبمدينة عالمية تابعت باهتمام بالغ كل ردود الأفعال وخصوصا تلك الصادرة عم “نقاد ومثقفين”.
أثارني أو قل أغاظني ذلك المجهود الكبير الذي قام به البعض للبحث عن أصل اللوغو وظن أنه وجد ضالته في فنان سوري لا أعرفه قيل إنه صمم لوغو مدينة القاهرة سنة 2016.

الذين انجرفوا مع هذا الطرح وراحوا يتقاسمون صورة لوغو القاهرة المستوحى من الأهرامات، لم يكونوا يعرفون أن محمد المليحي وزملاءه في مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء والذين كانوا في بداية ستينات القرن الماضي يجتهدون في إحياء وعصرنة الثراث البصري المغربي، كانوا قد اهتدوا إلى الحلي الأمازيغية وطوروها بشكل مذهل ولا زالت الوثائق شاهدة على ذلك، وليس أقلها مجلة أنفاس التي كانوا أعمدتها من الناحية الفينة. ومن يعرف هذه الحلي يعرف أن لها شكل هرم. إذا اتهمنا محمد المليحي بالسرقة الفنية يجب أن نتهم أجدادنا أيضا بنفس السرقة.

لا أفهم هذا المستوى من كره الذات، فإما أننا نسرق من الغرب أو أننا نسرق من الشرق، أليست لنا شخصية متفردة؟ يقال هذا عن السينما وعن التشكيل وعن الرواية وعن الفكر وعن كل مجالات الإبداع أي كل ما يؤسس الروح المغربية.
من الضروري فتح نقاش واسع حول هذا الموقف من الذات.
المسألة الثانية هي الحديث عن مدينة أكادير كمدينة أمازيغية، صحيح ولكن المغرب كله أمازيغي. يجب أن لا نسقط في هذا الفخ. من قال انه لابد لكي يكون اللوغو جيدا يجب أن يرتبط بإثنية ما؟ من الذي طور الخط المغربي وجعله متميزا عن الشرقي أليس هم الأمازيغ؟ صحيح أنهم استغلوا جمالية الخط الكوفي التي لها صلة قرابة جمالية مع الكرافيك المغربي، ولكنهم جعلوا من الخط المغربي خطا متواجدا في كل أرجاء افريقيا الغربية.

هنا أيضا جلد وكره للذات لا أفهمه، وكأنني بمغاربة يحاولون سلب المغاربة الأمازيغ كل ما أسسوه من حضارة ميزتهم عن العرب. أكادير مدينة دولية وليس من الضروري أن نجد في اللوغو عناصر مقروءة.

اللوغو أيقونة تفرضها الدعاية والتواصل وكل ما تقدمه المدينة لساكنتها ولزوارها. وإلا سوف يكون أول لوغو أن ننتقده لعدم توافقه مع ما يرمز إليه هو لوغو ماكينطوش (Macintosh)، إذ ما الذي تعنيه تفاحة مَقْضُومَة؟ ومع ذلك فإن آبل (َApple)، تسيطر على جزء كبير من عالم الإلكترونيات والاختراعات والأموال.
ما لاحظته على وجه الخصوص هو ما نبهت إليه أكثر من مرة وهو انتشار الجهل والدجل بسرعة بفضل وسائل التواصل. وهذا شر بدأ يؤثر حتى على الماسكين بالسلطة وأصبحوا يتجاوبون معه دون أن يفطنوا إلى أنهم يشجعون سلطة الشارع وقد تصل إلى ما لا تحمد عقباه. ينتشر الجهل على شكل عدوى (Viralité de la bêtise) كالنار في الهشيم ولا يمكن إيقافه فيأتي على الأخضر واليابس (تحدثت عن هذا الأمر في عمودي الشهري في مجلة زمان النسخة الفرنسية عدد غشت 2020 ).

يريد البعض وخصوصا منذ ما سمي بحملة المقاطعة أن يستغل الهفوات لتصفية الحسابات التي غالبا ما تكون سياسية، فتنجرف الجموع وراء الخطابات الشعبوية إلا أن ضررها أكثر من نفعها هذا إن كان لها نفع أصلا.
ألم يتساءل المنتقدون ولو لحظة واحدة إن كانوا على خطأ؟ إنهم يشعلون الشرارة ثم يتراجعون إلى الخلف ويتركون جحافل، غالبا ما تكون بدون هوية أو مشروع اجتماعي أو سياسي، تردد اللازمة دون معرفة محتواها.

خطير كل ما يحدث ويجب أن نتساءل من يكون وراء كل هذا؟ من الصواب في نظري أن لا يخاطر الإنسان بالدخول في هذه الجدبة لأنه يمكن أن يحترق بها.

ولنا فيما حدث بين سياسيين من نفس الحزب (اليسار) من العبرة مما يجعلنا نفكر ألف مرة قبل الانخراط في فعل كهذا. من السهل أن نجيش الناس للنزول إلى الشارع لكن من الصعب أن نتحكم فيهم لنعيدهم إلى منازلهم.

الخطر في هذه الكتل البشرية التي ليست لها هوية حقيقية والتي تخرج كالعفاريت من قماقمها وتنشر الدمار (تلويث سمعة الناس والإجهاز على خصوصياتهم…).

لا يمكن أن نسمي هذه الجحافل التي لا يوجد أي رابط لا عقدي ولا إيديولوجي ولا قيمي، بينها رأيا عاما. هل يمكن تسمية مشاهدي ما ينشر على شاكلة ”روتيني يومي” رأيا عاما؟ المستفيدون من هذ النوع من النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي، هم السياسيون الذين يعجزون على مقارعة الأفكار والسوق الرأسمالية التي تستعمل هذه الجحافل لكي تنشر الدعاية لمنتوجاتها خلال هذه الحملات المشحونة.

من حوار مع عبدالعالي الدمياني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *