طب وصحة

المتحور “أوميكرون”…معلومات هامة

لا صوت يعلو على صوت الاستعداد لاحتواء متحور أوميكرون، وسط حالة من القلق منذ اكتشافه في قارة إفريقيا، فما مدى سرعة انتشاره، وما شدة الأعراض الناتجة عنه، وهل يتغلب على اللقاحات؟

تم اكتشاف أول حالة لمتحور أوميكرون يوم 9 نوفنبر الماضي لمواطن في بتسوانا، جنوب القارة الإفريقية، ثم أبلغت جنوب إفريقيا منظمة الصحة العالمية، يوم 23 نونبر، بالمتحور الجديد، وبعدها بثلاثة أيام اكتشفت إصابات في هونغ كونغ، ثم في أوروبا ودول أخرى.

توم بيكوك، عالم الفيروسات في إمبريال كوليدج لندن، كان أول من حذر من خطورة المتحور الجديد، ونشر تفاصيل ما توصل إليه على موقع مخصص لنشر المعلومات المتعلقة بالخريطة الجينية لفيروس كورونا، وقال بيكوك في رسالته على الموقع المتخصص، إنه حتى الآن تم اكتشاف أربع سلاسل فقط لانتشار المتحور الجديد، لذلك “أنصح بالمراقبة حالياً”، مضيفاً أن وصول المتحور الجديد إلى آسيا يشير إلى أنه قد يكون أكثر انتشاراً مما نعرفه.

كما أن العدد الهائل من الطفرات في بروتين الفيروس يعني أنه يمثل قلقاً حقيقياً لقدرته على مقاومة الأجسام المضادة الموجودة حالياً، سواء نتيجة للقاحات كورونا أو المناعة الطبيعية.

وزاد القلق بعد أن أصدرت منظمة الصحة العالمية تحذيرات مقلقة بشأن المتحور، الذي سمته “أوميكرون”، واصفة إياه بأنه قد يكون الأخطر على الإطلاق منذ اكتشاف سلالة دلتا.

وأصدرت العديد من دول العالم قرارات بحظر السفر من وإلى جنوب إفريقيا ودول أخرى مجاورة لها، رغم تحذيرات منظمة الصحة العالمية من أن هذا الإجراء لا يفيد في احتواء الإصابات بالمتحور الجديد، وقد يدفع الدول التي تكتشف سلالات أو تحورات جديدة لفيروس كورونا على أراضيها من إخفاء الأمر، خشية تعرضها لحظر السفر.

الآن وبعد أن انتشرت حالة من القلق الشديد حول العالم، توجد أربعة أسئلة كبرى تتعلق بالمتحور أوميكرون، وتمثل حجر الزاوية لجميع الأطراف، أول هذه الأسئلة يتعلق بمدى سرعة الانتشار التي يمتلكها أوميكرون.

فسلالة دلتا كانت قد اكتُشفت أولاً في بريطانيا مطلع العام الجاري، لكن في أواخر مارس الماضي، كشف باحثون عن وجود سلالة جديدة من الفيروس في الهند، وصفت بأنها “مزدوجة الطفرة” وأطلق عليها “دلتا بلاس”، تسببت في انتشار الفيروس بصورة أسرع بكثير، وباتت دلتا بلاس مسؤولة عن الموجات المتتالية من الوباء في الهند وأوروبا وحول العالم.

والسؤال هنا: هل أوميكرون أسرع انتشاراً من دلتا بلاس؟ بحسب تقرير شارح لموقع Vox الأمريكي لم يتوصل العلماء بعد لإجابة قاطعة عن السؤال، نظراً لأن الوقت لا يزال مبكراً، لكن إذا كانت الإجابة نعم فذلك يعني أن الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بأوميكرون هم غير المطعمين بأي من لقاحات كورونا حتى الآن، وهؤلاء أعدادهم بعشرات الملايين في أمريكا وأوروبا وبالمليارات حول العالم.

الدول الجنوب إفريقية التي تم حظر السفر إليها من قبل أمريكا وعدة دول أخرى، خشية من انتقال متحور أوميكرون الجديد/ voanews
وستكون سرعة انتشار العدوى بأوميكرون أعلى كثيراً مما حدث مع دلتا بلاس، ما يعني أن المتحور الجديد قد يصبح الفيروس الأكثر نقلاً عدوى في الأشهر القليلة المقبلة. وهذا ما حدث مع دلتا بلاس، حينما أزاح السلالات الأخرى من الفيروس، سواء كورونا المستجد أو ألفا أو أوميجا وغيرها.

وهناك عوامل كثيرة لا تزال مجهولة فيما يتعلق بسرعة الانتشار، أهمها مدى قدرة أوميكرون على إصابة من تلقوا جرعات كاملة وتنشيطية من لقاحات الوباء، وعدد الأيام التي يكون المصاب بأوميكرون ناقلاً للعدوى. فالمصابون بدلتا بلاس كانوا يستمرون كناقلين للعدوى لبضعة أيام أكثر من المصابين بألفا أو أوميجا. والعامل الحاسم في سرعة الانتشار هو مدى قدرة أوميكرون على خداع الأجسام المضادة الناتجة عن اللقاحات الحالية، فإذا كان ذلك هو الحال ستتضاعف سرعة الانتشار، وربما تؤدي إلى إصابات أكثر بكثير مما شهده العالم في الموجات السابقة.

حتى الآن تتسم التقارير غير الرسمية القادمة بالأساس من جنوب إفريقيا بشأن الأعراض التي تسببها الإصابة بأوميكرون بالإيجابية. ففي مؤتمر إحاطة موجز عقدته وزارة الصحة بجنوب إفريقيا، يوم الإثنين 29 نونبر، قال يونبين بيلاي، وهو طبيب ممارس عام في ضواحي جوهانسبرغ، إنه “من المبكر” تحديد ذلك، إلا أنَّ الإصابات التي شاهدها كانت معتدلة، موضحاً: “نرى مرضى يعانون من سعال جاف وحمى وتعرق ليلي وآلام كثيرة في الجسم. والأغلب أنَّ وضع الأشخاص الحاصلين على التطعيم يكون أفضل”، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

ومن جانبها، قالت الدكتورة أنجليك كوتزي، الممارس العام في بريتوريا، إنَّ العديد من المرضى الذين رأتهم كانوا يعانون من أعراض غير عادية، لا سيما التعب الشديد، ولم يُبلِّغ أي منهم عن فقدان حاسة التذوق أو الشم.

وفي مقال لصحيفة The New York Times الأمريكية، قال أشيش جها، عميد كلية الصحة الجامعة في جامعة براون، إنه بسبب “كون أوميكرون متحور تم اكتشافه للتو، يفتقد العلماء للبيانات الكافية كي يقيموا مدى قدرته على إحداث إصابات شديدة الأعراض من عدمها”.

يعتبر بروتين “سبايك” هو المسؤول عن تشكيل “النتوءات الشوكية الموجودة على سطح فيروس كورونا والتي تمنحه الشكل التاجي المعروف عنه”، تعبيرية/ WOH
وأضاف جها أنه لا بد من إجراء تجارب مكثفة على التسلسل الجيني لأوميكرون ومقارنة العينات التي يتم جمعها من مناطق مختلفة حول العالم، قبل الجزم بأن المتحور الجديد يسبب أعراضا أشد من سلالة دلتا بلاس أم لا.

بيل هاناج، خبير الأوبئة في جامعة هارفارد، قال لموقع Vox إنه يتابع عن كثب حالة “الدخول إلى المستشفيات في إسرائيل على وجه الخصوص نتيجة الإصابة بأوميكرون”، موضحاً أن ذلك سيكون بمثابة مؤشر مبكر على مدى شدة الأعراض الناجمة عن الإصابة بالمتحور الجديد، كون إسرائيل قد لقحت مواطنيها بالكامل، وقدمت جرعات تنشيطية لأغلبهم أيضاً.

حتى الآن إذن، لا تزال الإصابات المسجلة بأوميكرون تعاني من أعراض خفيفة ومتوسطة فقط، لكن منظمة الصحة العالمية في تقييمها الأحدث نصحت بعدم الإفراط في التفاؤل، ومن ثم التساهل في اتخاذ الإجراءات الوقائية، لأن أغلب من أصيبوا بأوميكرون ينتمون لفئة الشباب، وهذه الفئة العمرية من النادر عموماً أن تصاب بأعراض شديدة نتيجة عدوى كورونا.

في حين أنَّ الأمر قد يستغرق عدة أسابيع قبل أن نحصل على أية إجابات نهائية فيما يتعلق بطبيعة التهديد الذي يشكله “أوميكرون”، إلا أنَّ الأدلة المبكرة تُظهِر أنَّ اللقاحات توفر بعض الحماية على الأقل.

وقالت الدكتورة وسيلة جاسات من المعهد الوطني للأمراض المعدية، للغارديان، إنَّ 87% من حالات فيروس “كورونا” المستجد الذين دخلوا إلى المستشفيات في مدينة تشوان بجنوب إفريقيا، حيث اكتُشِف أوميكرون كانت لغير المُلقّحين.

وبدورها، رسمت رودو ماتيفها، رئيس قسم العناية المركزة في مستشفى Chris Hani Baragwanath، المستشفى الرئيسي في سويتو، صورة مماثلة في إحاطة يوم السبت 27 نونبر. وقالت ماثيفها: “نشهد تغييراً ملحوظاً في الصورة الديموغرافية لمرضى كوفيد-19. يأتي الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين العشرينيات وأواخر الثلاثينيات بقليل، بمرض متوسط ​​إلى شديد، ويحتاج بعضهم إلى العناية المركزة. حوالي 65% لم يحصلوا على تطعيم ومعظم البقية محصنون بجرعة واحدة فقط”.

ومع ذلك، يمكن أن ترجع هذه الاختلافات الديموغرافية ببساطة إلى معدلات التطعيم: 64% ممن تزيد أعمارهم عن 60 عاماً في جنوب إفريقيا حصلوا على جرعة واحدة على الأقل، مقارنة بـ26% فقط ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً.

ورغم أنَّ هذه الروايات غير الرسمية قد تكون مُطمئِنَة، لكن يجب التعامل معها بحذر. قال الدكتور موج شفيك، طبيب الأمراض المعدية في جامعة سانت أندروز في اسكتلندا، للصحيفة البريطانية: “كل التصريحات حول شدة أوميكرون -إما في اتجاه أخطر أو أكثر اعتدالاً- لا يمكن الاعتماد عليها في هذه المرحلة، لأنها تستند إلى الحكايات أو القليل جداً من البيانات. حتى نتائج الدراسات الوبائية الأولى من المرجح أن تكون متحيزة، لأنَّ هناك تحديات كبيرة عند استنتاج السببية لشدة المرض مع المتغيرات الجديدة، خاصة الآن بعد أن اكتسب العديد من الناس المناعة، إما عن طريق التطعيم أو العدوى”.

ومن ناحية أخرى، نعلم من أنواع الفيروس السابقة أنَّ المتغيرات المختلفة يمكن أن تؤدي إلى مرض أكثر أو أقل حدة، وأعراض مختلفة. على سبيل المثال كان متحور ألفا (الذي اكتُشِف لأول مرة في المملكة المتحدة) أكثر قابلية للانتقال ومرتبطاً بمرض أكثر حدة مقارنة بالمتغيرات السابقة، لكن الأعراض كانت متشابهة إلى حد كبير.

بينما كان دلتا (الذي رُصِد لأول مرة في الهند) أكثر قابلية للانتقال وفتكاً، ومع ذلك فإنَّ اثنين من أعراض “كوفيد-19” الرئيسية؛ وهما السعال المستمر وفقدان الشم والذوق كانا أقل شيوعاً بين المصابين، لكن المزيد من الناس يبلغون عن الإصابة بالصداع أو سيلان الأنف، أو الاثنين معاً.

قد يُعزى أحد أسباب هذه الاختلافات إلى التغييرات في طريقة تفاعل الفيروس مع خلايانا المناعية. العديد من أعراض المرض الشائعة؛ مثل الحمى أو سيلان الأنف، ناتجة في المقام الأول عن استجاباتنا المناعية للعدوى بدلاً من التعرض للتلف المباشر بالفيروسات أو البكتيريا. قد تفسر الاختلافات في استجاباتنا المناعية أيضاً سبب عدم تعرض شخصين بالضرورة للأعراض نفسها في حالة إصابتهما بنفس الفيروس أو المتغير.

وبشكل عام، لقاحات كورونا مصممة للوقاية من الفيروس الأصلي وتحوراته المبكرة، وبالتالي قد يكون أوميكرون بطفراته الكثيرة (من 30 إلى 50 طفرة) قد تحور إلى درجة تصعب من مهمة اللقاحات في التعرف عليه كي تحذر الجهاز المناعي منه، بحسب جها: “دعونا نكون واضحين. من غير المرجح تماماً أن يفقد أوميكرون لقاحات كورونا جميعاً فاعليتها بشكل تام، لكن من المحتمل أن يجعل فاعليتها أقل بنسبة ما”.

النقطة الرابعة الهامة بشأن أوميكرون تتعلق بالعلاجات الموجودة حالياً، أو “حبة كورونا” من ميرك البريطانية وفايزر الأمريكية، وما إذا كانت فعالة أيضاً في مواجهة المتحور الجديد.

وهذه العلاجات الفموية أثبتت فاعلية كبيرة خلال التجارب السريرية في التخفيف من أعراض الإصابة بكورونا، وبالتالي عدم الحاجة لدخول المصاب إلى المستشفى، إضافة إلى تقليل خطر نقل العدوى لدى المريض، وتنتظر تلك “الحبة” موافقة الجهات الصحية في الولايات المتحدة وبريطانيا لتصبح متاحة للجميع.

ومثلت تلك العلاجات الفموية حالة من التفاؤل الكبير حول العالم، إذ بات كورونا -حال نجاح العلاج بشكل واسع- في طريقه لأن يصبح واقعاً يمكن التعايش معه، كالإنفلونزا التي نخشاها، لكن نتعايش عند الإصابة بها. وبالتالي السؤال الآن: هل تفيد تلك العلاجات الفموية في حالة الإصابة بأوميكرون أم أننا بحاجة لعلاج جديد تماماً؟

فكما هو الحال فيما يتعلق باللقاحات، خلق أوميكرون حالة من الشك تجاه علاجات كورونا الفموية أيضاً. فهل تصمد اللقاحات والعلاجات في مواجهة المتحور الجديد، أم يجد العالم نفسه في سباق مع الزمن للتوصل إلى علاج جديد تماماً للتصدي لأوميكرون؟

حتى الآن يتمسك أغلب خبراء الأوبئة بنبرة متفائلة في هذا الصدد، ويبنون هذا التفاؤل على أسس علمية، مفادها أن العلاجات الفموية قائمة على مبدأ ثابت في التصدي للفيروسات بشكل عام، وبالتالي ستظل قادرة على استهداف أجزاء من الفيروس لم تتحور بعد.

لكن الإجماع الوحيد بين خبراء الأوبئة حتى الآن هو أن “الوقت لا يزال مبكراً” للحكم على مدى الحاجة للقاحات أو علاجات جديدة، مصممة خصيصاً لمكافحة والوقاية من أوميكرون. والرسالة حتى الآن هي أنه لا يوجد مبرر للذعر من المتحور الجديد ما دمنا نتخذ جميع إجراءات الوقاية من تلقي اللقاحات وارتداء الكمامة والالتزام بالتباعد الاجتماعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *