متابعات

بعد إغلاق مركز الانكولوجيا.. هذا ماخفي في تدبير القطاع الصحي بسوس

ما خفي في قضية إغلاق مصلحة الإستشفاء بمركز الانكولوجيا بأكادير وما تبعتها من استقالات وإقالات، يطرح إشكالية تدبير العنصر البشري والأطقم الطبية داخل المستشفيات بسوس.

وإذا كان مسؤول الأول عن قطاع الصحة بسوس قد كذب، في بلاغ له، الخصاص المسجل في الأطر الطبية الخاصة في تدبير هذا المرفق الحيوي والسهر على حسن أداء مهامه الاستشفائية تجاه مرضى السرطان بجهات سوس والصحراء، فإن الواقع وبلاغات النقابات دقت نقوس الخطر، منذ سنوات، فيما يتعلق بالخصاص المهول في الأطر الطبية على مستوى الجهة في كافة التخصصات.

فقد كان مسؤولو الصحة يرجعون ضعف الخدمات الصحية بأغلبية المراكز الاستشفائية بالجهة إلى هزالة الإمكانيات وضعف ميزانية المخصصة للقطاع الصحي، دون الحديث عن الخصاص المهول في الأطر الصحية وعشوائية توزيعها بتراب الجهة.

اعتراف الوزير بالخصاص في الأطر الطبية.. وتقديم 28 طبيبا لاستقالاتهم من الوظيفة العمومية

قال وزير الصحة خالد آيت الطالب، في دجنبر من السنة الماضية، إن الخصاص المهول في القطاع الصحي، يبلغ 97 ألفا، موزعة بين 23 ألف طبيب، و 74 ألف ممرض” موضحا أن “تدارك الوضع يحتاج لجهود في التكوين والتوظيف، وهو ما يتطلب بعض الوقت والكثير من الجهد في إطار خريطة صحية جهوية تدمج بين التكوين والتوظيف”.

وأضاف ايت طالب أن عددا من الإجراءات لسد الخصاص اصطدمت بامتناع الأطر الطبية بالالتحاق بمراكز العمل، مشيرا أنه في سنة 2019 عرفت توظيف 81 طبيبا عاما فقط في حين تم الاعلان عن مباراة توظيف 705 ممرضا، لكن مشكل العزوف عن التحاق الأطر يبقى عثرة، بانتظار اعتماد تدبير جهوي يحل مشكل التنقل.

وعرف القطاع الصحي بسوس استقالات بالجملة للمسؤولين عن المستشفيات والمسؤولين الاقليمين حيث سجلت السنة الماضية فراغا على مستوى تدبير مستشفى الحسن ومستشفى انزكان ومستشفى تارودانت لعدة أشهر، وشغور مناصب المديرين الإقليميين بفعل الإستقالات المتتالية لمسؤولين عن هذه المرافق الطبية المهمة.

كما أدت قرارات المسؤول الجهوي للصحة فيما يتعلق بإعادة توزيع الأطر الطبية في فترة كوفيد 19 الأولى، من قبيل قرار تخصيص مستشفى الحسن الثاني لكافة المصابين بالجهة وتجميع أغلبية أطباء الإنعاش بذات المستشفى مما تسبب في إغلاق تام لباقي الأقسام الاستشفائية ببعض المستشفيات، ما تسبب هذه في توقف المستشفيات عن أداء مهامها في الاستشفاء واستقبال المواطنين الذي يعانون من أمراض أخرى.

وقد عرفت السنتين الأخيرتين انتقادات واسعة للنقابات الممثلة للأطباء والممرضين لكيفية تدبير المدير الجهوي للقطاع الصحي، واعتبرت، في بلاغاتها المتعددة، أن المدير يتخذ قرارات انفرادية ومزاجية تمس كرامة الاطباء والممرضين، خاصة فيما يتعلق بتجميع أطباء الإنعاش بسوس بمستشفى الحسن الثاني، حيث رفض أطباء ينتمون لمستشفى إنزكان الانتقال إلى مستشفى الحسن الثاني، مستدلين في ذلك على كون ترحيل كافة العلاجات لأمراض أخرى بمستشفى الاقليمي، وتخصيص مستشفى الحسن الثاني لمرضى كوفيد-19، يتطلب تعزيز الاطر الطبية بإنزكان وليس ترحيل المتواجدين بمستشفى الإقليمي، وقد وصل هذا التوتر إلى حد تقديم مدير المستشفى الإقليمي والمدير الاقليمي لصحة بانزكان استقالتهما من منصبهما احتجاجا على سوء تدبير وتقليص اختصاصاتها من طرف المدير الجهوي.

كما تسببت القرارات الانفرادية للمدير الجهوي للصحة إلى تقديم عدة مسؤولين لاستقالاتهم، وقد أدى هذا الأمر إلى تجميع المدير الجهوي لثلاث مسؤوليات تتعلق بمهامه الاولى ثم المستوى الاقليمي للصحة باكادير ومدير مستشفى الحسن الثاني، قبل أن تتدخل الوزارة وتعين مسؤولين بالنيابة على رأس هذه الإدارات.

ومن جهة أخرى، طالبت نقابات الأطباء بتدخل الوزارة لوقف التسيب الذي تعيشه المديرية الجهوية للصحة بسوس، بل طالبت ايضا من الوزارة بفتح تحقيق في صفقات المديرية، واعتبرت أن بعضها تشوبه شبهة الاختلالات، وقد أدى هذا التباعد بين المدير الجهوي والنقابات إلى حد رفع هذا الأخير لدعوى قضائية ضد ثلاث مسؤولين نقابيين لأطر الصحة، قبل أن يتم الضغط عليه من طرف جهات مركزية لسحب شكاياته.

ومن نتائج التدبير العشوائي لقطاع الصحة بسوس إقدام 10 أطباء من القطاع العام بانزكان لتقديم استقالاتهم من الوظيفة العمومية، كما عرف نفس القطاع تقديم مايقارب 18 طبيبا لاستقالاتهم أيضا بعمالة أكادير، وهذا الأمر سيزيد من ارتفاع الخصاص المسجل في الاطر الطبية بسوس.

وخاض أطباء القطاع العام عددا من الإضرابات احتجاجا على أوضاع القطاع، وللمطالبة بتحقيق ملفهم المطلبي، وعلى رأسه، الرقم الاستدلالي 509 كمدخل لرد الاعتبار ، دون إسقاطٍ لبقية الحقوق من ضمنها “درجتين بعد خارج الإطار” وهي رتبة في سلالم أجور الوظيفة العمومية، وتحسين ظروف العمل لعلاج المواطن المغربي، وكذا تخويل الاختصاص في طب العائلة وتقنين الحق المشروع في الاستقالة والتقاعد النسبي والحق في الانتقال، ورفع الحيف الذي يعيشه الأطباء في ظل قانون الحراسة والإلزامية.

وتم تلخيص هذا الغليان الذي يعيشه القطاع، من خلال بلاغ للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام، صدر في نونبر الماضي، بالقول “الطبيب المغربي لم يعد يستسغ المبررات والحجج التي تتوارى وراءها الحكومة للتهرب والتنصل من الالتزام بوعودها والتعامل مع ملفه المطلبي بكل جدية وما أصبحت تفرضه وضعيته الاجتماعية والمادية. وعلى هذه الحكومة أن تعي جيدا أن الطبيب لم يعد لديه ما يخسره، فإن كانت على الطبيب واجبات، فإن له أيضاً حقوقا ومطالب مشروعة لن يتنازل عنها”.

ومن الامثلة الصارخة ما يعرفه مستشفى المختار السوسي بتارودانت، فحسب احصائيات رسمية لسنة 2020، فإن المستشفى يشتغل به 52 طبيبا متخصصا، و12 طبيبا عاما، إلى جانب 177 من الممرضين، لما يزيد عن 834 الف نسمة، وهي عدد سكان إقليم تارودانت، فيما نجد أن الخريطة الصحية بالمغرب تشير إلى أن عدد الأطباء المُشتغلين في المستشفيات العمومية بالمغرب يبلغ 12 ألفا و454 طبيبا سنة 2020، بينهم 3.616 طبيبا عاما، و8.337 اختصاصيا.

وفي القطاع الطبي الخاص، وصل عدد المشتغلين فيه خلال نفس السنة إلى 13 ألفا و622 طبيبا، بينهم 5.182 طبيبا عاما و8.440 طبيبا أخصائيا، ما يجعل العدد الإجمالي للأطباء العاملين في القطاعين العام والخاص بالمغرب 25.575 طبيبا، وباعتبار أن عدد سكان المغرب 36 مليون نسمة، فقد تم تسجيل 7.1 طبيب لكل 10.000 نسمة، وهي نسبة بعيدة جدا عن معيار منظمة الصحة العالمية، المُحدّد في 15.3 طبيبا لكل 10.000 نسمة.

استثمارات عمومية هزيلة.. وارغام المؤسسات المنتخبة على سد هذا الخصاص 

انتقد برلمانيون ومنتخبون من سوس النقص الحاد في التجهيزات الصحية بمستشفيات أقاليم الجهة، حيث كانت وضعية الصحة بالمنطقة موضوع اسئلة شفوية وكتابية لعدد كبير من البرلمانيين، حيث اعتبروا أن ماتعيشه المستشفيات بسوس يعد وضعا كارثيا بكافة المقاييس، خاصة ضعف التجهيزات لمواجهة وباء فيروس كورونا وباقي الامراض، بالاضافة إلى ضعف التأطير الصحي نظرا للنقص الحاد في الأطر الصحية.

وكان مجلس جهة سوس ماسة قد خصص مبلغ 26 مليون درهم لتجهيز مستشفيات الجهة دون ان تحسن هذه الاعتمادات من الخدمات الصحية داخل هذه المستشفيات، إذ وجه اعضاء مجلس الجهة، خلال الولاية السابقة، انتقادات حادة لوزير الصحة والمدير الجهوي، واعتبروا أن الاعتمادات المالية المخصصة للقطاع الصحي، والمقدرة ب 36 مليار درهم، لم تستغل بالشكل الأمثل للتخفيف من معاناة ساكنة المنطقة، حيث إن أزيد من 1 مليون درهم خصص لتغذية المشتغلين في جناح كوفيد 19 بمستشفى الحسن.. بل ذهب بعض أعضاء الجهة إلى التشكيك في هذا الرقم مستدلين في ذلك على أن الأطقم الصحية المشتغلة بجناح كوفيد 19 لم يتجاوز عددها 60 شخصا.

كما عملت وزارة الداخلية، في شخص، عامل اقليم تارودانت، على إرغام الجماعات ال 89  على تجهيز قسم الانعاش،حيث تم تخصيص مبلغ 2 مليون درهم من طرف مجلس الجهة لوحده، لتجهيز 30 سريرا إضافيا بالمستشفى الإقليمي بتارودانت، والتي تم اقتناؤها من طرف الجماعات الترابية بالاقليم. فيما لم تتجاوز استثمارات وزارة الصح ةبالاقليم، في إطار محاربتها لتفشي فيروس كورونا، مبلغ 3,6 مليون درهم لشراء التجهيزات اللازمة لعمليات الاستشفاء الخاصة بمرضى كورونا، فيما نجد أن استثمارات الجماعات الترابية والمحسنين تجاوزت الاستثمار العمومي بعشرات المرات في فترة تفشي الوباء.

ورغم الاستثمارات الهامة بالقطاع الصحي بسوس من طرف الجماعات الترابية، فإن ذلك لم يؤثر ايجابا على تحسين جودة الخدمات الصحية بالجهة، وخاصة بمستشفى الجهوي الحسن الثاني باكادير، حيث تحولت هذه المؤسسات المنتخبة الى رجل إطفاء لسد الخصاص بسبب ضعف الاستثمارات العمومية في القطاع.

وبالمقابل، خصص وزير الصحة مؤخرا لقاء مع برلمانيي سوس ماسة لتدارس الوضع الصحي بالجهة، إلا أن ضعف استثمارات الوزارة بالجهة يعطي انطباعا أن مخرجات هذا القاء لم تتجاوز مرحلة تشخيص معيقات القطاع الصحي بالمنطقة.

وعلق احد المهتمين بالشأن الصحي بسوس على وضعية المستشفيات بالجهة، أن وزراة الصحة تعتمد على مقولة “عاونوا الفرقة” للتغطية على عجزها في رصد مبالغ هامة لتجهيز المستشفيات على غرار باقي الجهات، حيث إن تدخلات المحسنين ساهمت في تحسين خدمات هذه المؤسسات الاستشفائية بعد أن تم التخلي عن الاستثمار بالجهة منذ سنوات.

من جهة أخرى، ورغم اعطاء انطلاق بناء المستشفى الجامعي بأكادير منذ 2015، فإن وزارة الصحة لم تفرج عن الإذن باعطاء انطلاق اشغال بناء المستشفى الجامعي باكادير إلا سنة 2018 لاسباب ظلت مجهولة. وكانت وزارة الصحة قد اطلقت نهاية 2015 صفقتين الاولى تتعلق بتهيئة البقعة الارضية التي ستضم المشروع، والصفقة الثانية تتعلق ببناء المستشفى الجامعي، الذي يعد سادسا على المستوى الوطني، بجوار كلية الطب.

وتضم مكونات هذا المركز الاستشفائي الجامعي: جراحة القلب والشرايين والمستعجلات وتطوير المساعدة الطبية المستعجلة والأمراض العقلية والأنكلوجيا وأمراض الدم والطب عن بعد والتكوين. وتتوزع الطاقة الاستيعابية لهذه المكونات بين مصلحة طب الأنكلوجيا (26 سريرا) والمستعجلات وطب الحروق والعناية المركزة (68) والتخصصات الجراحية (210) والتخصصات الطبية (210) والطب النفسي (120) وطب الأطفال (78) وطب النساء والتوليد (90 سريرا و16 قاعة للعمليات) والمستشفى النهاري (30 سريرا).

والملاحظ أنه بعد مرور 7 سنوات على اطلاق صفقة بناء المستشفى الجامعي باكادير إلا أن الاشغال الكبرى لهذا المرفق الصحي الهام لم تعرف النهاية في انتظار إطلاق صفقات أخرى تتعلق بالتهيئة والتجهيز.

ومن الأمثلة الشاذة التي يعيشها القطاع الصحي بسوس، إصدار وزير الصحة للمرسوم الوزاري المتعلق بتنفيذ القانون رقم 70.13 المتعلق بالمراكز الاستشفائية الجامعية، إذ اعاد المرسوم الصادر في 23 يوليوز 2018 تصنيف مستشفى الحسن الثاني من مؤسسة استشفائية إلى مستشفى جامعي.

وقد أثار هذا القرار ضجة وسط الأطر الطبية بسوس بسبب تداعيات إعادة تصنيف مستشفى الحسن الثاني، حيث إن التصنيف الجديد سيغير النظام الداخلي للمستشفى في الجانب المتعلق بكيفية تدبيره والأجهزة المسؤولة عليه، بالاضافة الى وضعية العاملين من الاطر الطبية بالمستشفى، إذ تتخوف هذه الهيآت من تغيير وضعياتها الإدارية والتحفيزات المتغيرة بين الاشتغال في مؤسسة استشفائية ومستشفى جامعي.

وفي ذات السياق، أكد مسؤول من وزارة الصحة، في اجتماع باكادير، أن تحويل مستشفى الحسن الثاني الى مستشفى جامعي هو مرحلة انتقالية تقتضيها اشكالية تعثر بناء المستشفى الجامعي باكادير، مشيرا إلى أن وضعية العاملين بالمستشفى لن تتغير وأن بداية العمل بتطبيق المرسوم الجديد سيبتدئ من شتنبر المقبل عبر التحاق أساتذة الطب، وكذا توفير الآليات الطبية والمختبرات الضرورية لاستقطاب طلبة كلية الطب باكادير، بعد ثلاث سنوات من افتتاحها.

وخلاصة القول، يحتاج تطوير القطاع الصحي إلى نخبة محلية قادرة على الترافع على هذا الملف، والابتعاد على خطابات “المجاملة” التي تطبع لقاء المسؤولين محليا وجهويا مع وزارة الصحة وممثليها بسوس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *