مجتمع

ماسبب عدم قدرة القرد على الكلام رغم امتلاكه لحبال صوتية

قد يبدو للجميع أن القردة التي تتحدث هي ضرب من ضروب الخيال العلمي، وأفلام الكارتون، والإعلانات البلهاء. لكن أحدث الدراسات تشير إلى أن قدرة القرد على الكلام من المحتمل أن تكون أقرب للواقع مما هو شائع.

يمتلك قرد المكاك مثلاً تشريح أحبال صوتية قادراً على التكلم مثل الإنسان، وفقاً لدراسة نُشرت الجمعة 9 ديسمبر2016  في مجلة العلوم المتقدمة.

وعلق ثور جون بيرغمان، أستاذ علم النفس التطوري في جامعة ميشيغان الذي لم يكن جزءاً من البحث، في رسالته بالبريد الإلكتروني إلى صحيفة كريستيان ساينس مونيتور: “يشير هذا إلى أن ما يميز الإنسان عن باقي الثدييات هو قدرته على التحكم في الجهاز الصوتي، وليس امتلاكه الجهاز نفسه”.

العائق الرئيسي:

وافترض الباحثون بعلوم الثدييات غير البشرية في السابق أن الشكل/الحجم/البنية التشريحية للجهاز الصوتي في أدمغة الحيوانات هي العائق الرئيسي الذي يمنعها من إخراج الأصوات التي تشكل الخطاب البشري. ولاختبار صحة هذا الافتراض، قرر العلماء دراسة تشريح الجهاز الصوتي نفسه.

في عام 1960، أجرى عالم اللغة والإدراك الدكتور فيليب ليبرمان دراسةً قام فيها هو وزملاؤه بدراسة تشريح الجهاز الصوتي لقرد من فصيلة المكاك الريسوسي (القرد الهندي الصغير)، ثم قام بتصميم نموذج كومبيوتري للحركات التي يمكن لجهازه الصوتي تنفيذها. وأظهر هذا النموذج أن القرد الهندي الصغير يمكنه فقط إصدار عددٍ محدودٍ من الأصوات مقارنةً بالإنسان.

لكن بعض الباحثين لم يكونوا راضين بالشكل الكافي عن هذه الدراسة لجسم حيوانٍ نافق، لذلك قرروا تكرار الدراسة على قردٍ حي.

وعليه، قام الفريق بتسجيل فيديو بالأشعة السينية لقردٍ هنديٍ صغيرٍ وهو يصدر أصواتاً، ويغير تعابير وجهه، ويتناول الطعام. ثم استخدموا هذه البيانات في تصميم نموذج كومبيوتري ومعياري يكشف الحركات التي يمكن للجهاز الصوتي الخاص بالقرد تأديتها، وهو ما يشبه دراسة الدكتور ليبرمان والتي صدرت عام 1969.

وقد صرح آصف غضنفر، عالم الأعصاب في جامعة برينستون بولاية نيوجيرسي وأحد المشاركين بالدراسة: “هذه النماذج تفترض أن مختلف الأصوات التي يمكن للقرد الهندي الصغير إصدارها، تتداخل في الواقع إلى حدٍ كبيرٍ مع الأصوات التي يصدرها الإنسان”.

ويقول ماركوس بيرلمان، عالم الإدراك في معهد ماكس بلانك لعلم النفس اللغوي بهولندا الذي لم يشارك في البحث، ضمن رسالته بالبريد الإلكتروني إلى صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور”: “هذه الدراسة تقدم دليلاً قوياً للاعتقاد بأن القردة لديها جهاز صوتي قادر على التحدث كالبشر”.

وأضاف الدكتور بيرلمان أن هذه الدراسة قد تساعد الباحثين على فهم كيفية تطور لغة الخطاب الخاصة بأسلافنا. ثم أردف قائلاً: “من المفترض أن تكون هذه القدرات متوافرة أيضاً لدى القردة الضخمة ، وهو ما سيرسم الخط الأساسي لأصل جميع أجداد وأسلاف الإنسان. ومن الواضح الآن أن التشريح الصوتي لأجدادنا لم يكن عائقاً أمام تطور لغة الخطاب”.

السبب الرئيسي في تطور اللغة:

ويقترح الباحثون أن التشريح العصبي أو بعض العوامل الأخرى قد تكون هي السبب الرئيسي في تطور اللغة البشرية.

وصرح أدريانو ريس إي لاميرا، عالم الأنثروبولوجيا والعلوم الإدراكية في جامعة دورهام بإنكلترا الذي لم يشارك في البحث، ضمن رسالته بالبريد الإلكتروني إلى صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور”: “هذا نموذج متماسك وبمثابة تجربةٍ عملية. ولكن نتائجها ليست جديدة”.

وأضاف الدكتور لاميرا: “لقد قاموا بجمع البيانات التي تؤكد قدرة الأحبال الصوتية لدى القرد على كلام. ولكن الكتابات تُظهر كما لو أن أبحاث ليبرمان قد انتهت في عام 1969، وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة. وقد نشر ليبرمان (الذي يبدو وكأن الكُتاب يسعون لدحضه) شرحاً على نطاق واسع يكشف كيف تطور فهمنا لأحبال القردة الصوتية وعلم وظائف الأعضاء منذ عام 1969. وفي حقيقة الأمر، أصدر ليبرمان دراسات عدة توضح قدرة الجهاز الصوتي للقرد على إصدار مجموعة متنوعة من الأصوات”.

ويتفق ليبرمان نفسه مع هذا الكلام، حيث صرح في لقاءٍ تليفوني: “لقد قاموا بعملٍ رائع يبين أن القردة تمتلك مجموعةً أوسع من الأصوات وبنتائج أفضل مما حصلت عليه في عام 1969″. وعلى الرغم من أن هذا يعني امتلاك القردة لجهازٍ صوتي يسمح تشريحه بإنتاج أصوات تشبه خطاب الإنسان بعض الشيء؛ لكن هنالك بعض الفروق الدقيقة في القدرات التي لا تمتلكها القردة.

وتقترح الدراسة الجديدة أن القردة يمكنها أن تنتج 5 أصوات مماثلة للبشر، لكنهم يفتقدون صوتاً واحداً هو الأكثر أهمية. ويضيف ليبرمان، الذي يحمل الآن لقب أستاذٍ فخريٍ في جامعة براون في بروفيدانس بولاية رود أيلاند: “صوت حرف الـ/i/، هو بمثابة خاصية مميزة للخطاب البشري. وتشريح الجهاز الصوتي للقرود الهندية الصغيرة يبدو أنه غير قادر على إصدار مثل هذا الصوت”.

ويقول ليبرمان: “يمكن أن نتحدث دون استخدام هذه الأصوات، ولكن لن يكون الخطاب وسيلة إتصالٍ فعالةٍ حينها”.

والأمر لا يتعلق فقط بالأصوات عند الحكم على قدرة الثدييات غير البشرية وأسلافها على الحديث من عدمها، حيث يقول بيرلمان: “هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن أجدادنا امتلكوا أيضاً تشريحاً للجهاز الصوتي قادراً على نطق مختلف الحروف الساكنة. فعلى سبيل المثال، تمكنت الشمبانزي الشهيرة فيكي من نطق كلمات بالإنكليزية مثل ماما، وبابا، وكأس، والتي تمتلك ثلاثة حروف ساكنة مختلفة (/ م /، / ب /، / ك /)”.

وأضاف بيرلمان: “بالنظر إلى الأدلة الحالية، يظهر جلياً أن أسلافنا من القردة الضخمة كانوا يمتلكون تشريحاً للجهاز الصوتي قادراً على نطق عن ما يكفي من الأصوات والحروف الساكنة لتوفير حجر أساس للغة المنطوقة”.

ويعتقد علماء الأعصاب مثل الدكتور غضنفر وغيره من الباحثين أن الثدييات غير الناطقة تفتقد المسارات العصبية اللازمة للنطق. ولكن لاميرا يستبعد الفرضية الصوتية القائمة على التشريح.

ويوضح: “توصلنا إلى مجموعة متزايدة من الأدلة من مختلف أنواع القردة على أن هناك القليل من القيود العصبية على النطق – فأقرب أقربائنا يمكنهم تعلم نطق الأصوات والأسماء الساكنة، سواءً في البرية أو تحت الأسر!”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *