المغرب الكبير

وثائق بنما: هذه هي تفاصيل فضيحة فساد عملاق النفط الجزائري سوناطراك

كشفت وثائق بنما تعاملات مالية خارجية لعدد من الأثرياء والمشاهير والشخصيات النافذة حول العالم، استناداً إلى 11.5 مليون وثيقة زوده بها مصدر مجهول. وقال الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين -ومقره واشنطن- إن الوثائق التي سُرِّبت من شركة “موساك فونسيكا” للمحاماة -ومقرها بنما- احتوت على بيانات مالية لأكثر من 214 ألف شركة في ما وراء البحار، في أكثر من 200 دولة ومنطقة حول العالم، وفق ما ذكر تقرير لقناة الجزيرة الإخبارية.

ولم تثر الجزائر كثيراً في وسائل الإعلام، إلا أنها حاضرة في قلب فضائح تسريبات بنما فقد أظهرت الوثائق مستجدات جديدة تتعلق بفضيحة الفساد في شركة “سوناطراك” الجزائرية المتخصصة في استغلال الموارد البترولية، حيث أكدت هذه الوثائق أن ابن الرئيس التنفيذي السابق لشركة النفط سوناطراك، محمد رضا مزيان، قام بتحويل مبالغ هامة من الأموال إلى بنوك سويسرية.

ورغم أن المحكمة الجنائية في الجزائر لم تكشف عن حيثيات وتفاصيل تورّط أبرز المتهمين، محمد رضا مزيان، فيما يُعرف بقضية “سوناطراك 1″، التي امتدت جلسات الحكم فيها بين ديسمبر سنة 2015 و فبراير من سنة 2016، فإن المعلومات الجديدة التي تم تسريبها عن القضية من شأنها أن تسلّط الضوء على الجانب المظلم فيما يتعلق بمصادر ثروة نجل الرئيس التنفيذي السابق للشركة البترولية، وفق ما ذكر تقرير لصحيفة لوموند الفرنسية.

وفي هذا السياق، أدين مزيان، البالغ من العمر 45 سنة، بتهمة الفساد وتبييض أموال وحكم عليه بالسجن 6 سنوات ودفع غرامة مالية تقدر بمليوني دينار جزائري، أي ما يعادل 16700 يورو. في المقابل، ونظراً لعجز المحكمة عن تحديد قيمة الممتلكات والأموال المشبوهة التي يخفيها المتهمون في هذه القضية، أفلت مزيان من العقاب وأخلي سبيله إثر انتهاء فترة اعتقاله على ذمة التحقيق.

في واقع الأمر، بدأت خفايا قضية الفساد التي طالت شركة سوناطراك تطفو على السطح منذ سنة 2000، بحسب ما ذكرت صحيفة لوموند، وتحديداً في أعقاب ارتفاع العائدات المالية نتيجة ارتفاع سعر برميل النفط في الأسواق العالمية.

وقد سمحت هذه العائدات للحكومة الجزائرية بإطلاق مجموعة من المشاريع الاستثمارية العمومية التي مهّدت الطريق فيما بعد لتورّط العديد من الأطراف في عمليات فساد.

وفي أعقاب ذلك، تم فتح تحقيق في شبهة الفساد في مدينة ميلانو الإيطالية، حيث أُطلق على هذه القضية اسم “سوناطراك 2”. ونتيجة لذلك، كشفت التحقيقات عن قبول بعض المسؤولين في وزارة الطاقة الجزائرية وإدارة شركة سوناطراك لعمولات مالية إبان توقيع عقود عمل مع شركات أجنبية أخرى.

تركيز شركة وهمية في جزر العذراء البريطانية

وأثناء وقوفه أمام القاضي في جلسة الاستماع اعترف محمد رضا مزيان بأنه قد جمّد حساباته المالية الثلاثة التي يمتلكها في ثلاثة بنوك مختلفة في باريس، وهي على التوالي كل من: بنك باركليز، والبنك الأخضر، وكريدي ليوني. كما اعترف مزيان بأنه سجّل شقته في باريس باسم طفليه من زوجته الفرنسية، وفق ما ذكرت الصحيفة.

وفي السياق نفسه، كشفت “وثائق بنما”، التي نشرها الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، أن مزيان فتح، خلال ديسمبر من سنة 2008، حساباً بنكياً في مصرف “كريدي سويس” في جنيف عن طريق شركة محاماة سويسرية، “جي إم إل بي” متخصصة في الدفاع عن مصالح عملاء البنوك السويسرية في الداخل والخارج. وحسب معلومات منبثقة عن الوكالة السويسرية، يملك العميل مزيان حساباً تحت رقم “153729”.

ومن جهة أخرى، كشفت وثائق بنما المسربة أن شركة “جي إم إل بي” قد لجأت لمكتب المحاماة في ” موساك فونسيكا” البنمي بغية التستر على أسماء الشركات الوهمية المرتكزة في جزر العذراء البريطانية، وإخفائها. ومن بين هذه الشركات، شركة “جاكسا أسوشيتد” التي وقع حلها إبان سجن مزيان على ذمة التحقيق سنة 2010.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه الشركة الوهمية كانت تُسيّر منذ سنة 2008، عن طريق شركة وهمية أخرى، كبفيد مانجمنت سيرفيسز إس آي” ” Capfid Management Services SA”، علماً أنها مسجلة باسم إداريي ثروة شركة “جي إم إل بي”.

وفي هذا الصدد، أكد مايكل موخلشتاين، وهو أحد أعضاء شركة “جي إم إل بي” للمحاماة، أنه “من منطلق السرية المهنية، نحن لسنا مطالبين بالإجابة عن أسئلتكم حول عملائنا.. كذلك، تعد جل استنتاجاتكم خاطئة وغير واقعية؛ نظراً لأن نشاطاتنا مطابقة للقوانين والشروط الاحترافية المنظمة لمهنتنا”، وفق لوموند.

توقيع عقود وهمية من 2006 إلى 2009

تزامن فتح مزيان لحساب بنكي في مصرف “كريدي سويس” مع توقيعه لعقد استشارات مع شركة “سايبم الجزائرية للمقاولات”، وهي شركة فرعية تابعة للشركة الإيطالية النفطية العملاقة “إني”.

وقد اضطلعت شركة “إني” بدور بارز في خضم قضية “سوناطراك 2″، حيث قامت برفع الأسعار مستفيدة من سلطتها وتأثيرها على عملاء باقي الشركات الصناعية والتجارية. ونتيجة لذلك، أجبرت الشركة على دفع غرامة مالية قدرها 4 ملايين دينار، أي معادل 33300 يورو.

وفي الأثناء، نص العقد الذي وقعه مزيان مع الشركة على مدّ شركة سايبم الجزائرية بتفاصيل المشاريع التي تهم سوناطراك بإنجازها في مجال الهندسة البترولية، ومدّها أيضاً بالبيانات التي من شأنها أن تساعدها في إعداد العروض الفنية والتجارية.

وتبين فيما بعد أن العقود المبرمة بين كل من مزيان وشركة سايبم كانت مجرد عقود وهمية. ووفقاً لما أورده قاضي التحقيق، ليس هناك ما يشير أو يؤكد أية علاقة شراكة تجمع بين الطرفين في أرشيف الشركة، باستثناء المستحقات “الفخرية” التي حصلت عليها.

ومن المثير للاهتمام أن كلاً من محمد رضا مزيان ووالده محمد مزيان وشقيقه بشير فوزي مزيان، متورّطون في قضية “سوناطراك 1″، على خلفية الدور الذي لعبوه في توقيع عقد بين مجموعة ألمانية وشركة كونتال الجزائر، يقتضي تركيز أجهزة مراقبة عن بُعد بقيمة 11 مليار دينار في شركة سوناطراك.

وخلال سنة 2008، حصل محمد رضا مزيان مجاناً على 5 حصص في رأسمال شركة كونتال الجزائر. إثر ذلك، تخلى مزيان عن هذه الحصص لصالح رئيس الشركة، محمد رضا جعفر آل إسماعيل، بعد أن تلقى منه مبلغاً قدره 1.2 مليون دينار جزائري.

من جانب آخر، اشترى محمد رضا جعفر آل إسماعيل، شقة تتكون من 5 غرف تقع في بلدية ” نويي-سور-سين” على مقربة من باريس، وسجّلها باسم والدة محمد رضا مزيان سنة 2008.

وقد حاول مزيان إقناع المحكمة بأن العلاقة التي تربطه بآل إسماعيل قانونية، إلا أن ذلك لم يفِ بالغرض. فقد شددت المحكمة على حقيقة أن مدير شركة “كونتال الجزائر” وشركاءه الألمان استغلوا التأثير الذي يتمتع به مزيان ووالده ليضعوا أيديهم على كامل أسواق تجارة أجهزة المراقبة عن بعد.

وبالنسبة للأموال التي تلقاها مزيان في شكل شقة التي سجلت باسم والدته التي قدرت قيمتها بحوالي 650 ألف يورو، فهي عبارة عن “رد جميل” من طرف آل إسماعيل مقابل خدماته، بحسب ما قالت صحيفة لوموند.

من جانبها، ذكرت محكمة النقض أن 6 أشخاص قد أدينوا في قضية “سوناطراك” من قبل النيابة العامة. وقد استأنفت أحكام البراءة ضد 7 متهمين من بينهم المدير التنفيذي السابق لسوناطراك، ولا يزال ملف القضية مفتوحاً لدى المحكمة العليا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *