آراء

معزوفة رمضان الشهيرة

اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إنشاء الله.     

ينام الى حدود الساعة الخامسة عصرا لكي يتمتم فاه بدعاء اعتاد قوله في كل مناسبة.  دعاء اعتاد حفظه قبل كل رمضان كي يتسنى له النطق به بكل طلاقة دون حاجته الى وضع منشورة الأدعية المأثورة على مائدة الإفطار. فيدشن إفطاره ب” دور بيها يا الشيباني” لينهيه بإعادة “بنات للالة منانة” فيتسمر أمام ذلك الصندوق  منتظرا إعادة سلسلة “الكوبل” الى أن يباغته السبات ليبدأ صيامه  بدون سحور.

هذه هي قصة جل هؤلاء مع التلفاز فمن الناس من يقضي يومه متنقلا بين “دمشق” و”حلب” فتحل به الرحال الى “رابعة العدوية” فيتحول المنزل في المساء الى “ميدان للتحرير” الأم تريد الأولى والبنت تترقب بكل شغف حلقة “الكوبل” والإبن يريد تغيير القمر الإصطناعي فمباراته المفضلة أوشكت على البدء فيصيح الجد منددا بضرورة احترام رغبته في مشاهدة البث الحي لصلاة التراويح من مكة المكرمة والأطفال منشغلون بملء معدتهم غير مبالين، فالحلقة الخامسة من “السنافر” لم تبدأ بعد.

فما ذهب الظمأ وما ابتلت العروق وثبت الأجر إنشاء الله.

عادات موسمية تحمل معها نفس المعزوفة. معزوفة رمضان الشهيرة. ففي كل سنة تطبق العائلات المغربية نفس المنهجية البيداغوجية الرمضانية ابتداء من حذف القنوات الفضائية التي تمس بمكانة الضيف الجديد مع استفتاء دستوري طارئ ومعجل حول ترشيح بعض القنوات الروتانية لإحياء رمضان وإياهم إستئناسا بها بعد مشاهدة إعادة سلسلة “بنات للآلة منانة”. وانتهاء بتحجب الفتيات وصرامة الأمهات في حث أبنائهن الصغار على ضرورة احترام الشهر الفضيل وضرورة أداء صلاة التراويح بالمسجد فتتسابق الأم وصغارها جريا للظفر بخمسين سنتمترا في الصف الأول لعلها تحظى بهبة ملكية من جراء صنيعها. فيخطب الإمام منددا بضرورة احترام الأمهات لهيبة المسجد والمصليين وذلك بعدم إحضار أبنائهن الصغار الى بيت الله لكونهم يشكلون خطرا على النظام العام للمسجد فيتحول بذلك المسجد من فضاء للعبادة الى حضانة للأطفال وكل ذلك في سبيل الظفر ببضع سنتمترات في الصف الأول فليصرخ الإمام ولتحيا المعزوفة الرمضانية الشهيرة.

في رمضان حركات موسمية غير عادية الأسواق مكتظة فلا تكاد تجد لك مكانا بين الناس مهن موسمية حصريا فقط في رمضان والكل يتسابق جريا وراء “وعلى رزقك أفطرت” فتراه يجري هنا وهناك من الصباح الباكر بحثا عن “الجبن الأحمر” في  واد وعن “ورقة البسطيلة” في واد آخر الى أن “يؤذن المؤذن أيتها العير” فلا صلاة في وقتها ولا صدقة  في أوانها ولو بورقة واحدة من البسطيلة.

عادات موسمية تحمل معها نفس المعزوفة  الكف عن أخذ الرشوة، التحجب، القيام، التهجد، الكلام الطيب، شروق الشمس ليلا وبزوغ القمر نهارا، تجديد العلاقات الودية والإتفاقيات الدبلوماسية مع قنوات القطب العمومي،  قص الشارب وإعفاء اللحية، تجديد العلاقات بين الناس وبعضها، الدروس الرمضانية في المساجد طيلة الشهر الفضيل، التحرز عن الغيبة والنميمة الكف عن الكذب، الإحسان الى المساكين، النفاتات في العقد في إجازة إستثنائية.

فجميل أن نربط صيامنا بأعمال تعود علينا بالنفع والثواب ولكن من القبح أن ندير لها ظهرنا بمجرد بزوغ قمر ليلة السابع والعشرين وكأن شيئا لم يكن لتعود النميمة لتحتل مرتبتها الأولى في حياتنا فتعود الرشوة معلنة عن بداية عهد جديد بعد غياب طويل فتعود العلاقات الإنسانية لتأزمها من جديد و ستعود المعاملات والعبادات الى سابق عهدها بعد أن ندرك أن رمضان قد أوشك على حزم أمتعته للرحيل لكي يضرب لنا موعدا في الموسم المقبل حتى نستقبله من جديد ببراميل من “الشباكية وسلو” حينها سندرك بأن كل هذه الأشياء ليست في الغالب سوى أقنعة نتنكر بها لا نفتأ أن نتخلص منها حتى يطلق الله سراح من قام بحبسهم. لنعود الى حياتنا الطبيعية. وذلك في انتظار معزوفة جديدة. الى ذلك الحين رمضانكم مبارك وعيدكم سعيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *