ملفات

من يحمي الطفولة .. من مركز حماية الطفولة بأكادير؟

تناقلت وسائل إعلام محلية محاولة انتحار أحد نزلاء مركز حماية الطفولة بأكادير، هذه الواقعة تزامنت مع إصدار المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا حول واقع مراكز حماية الطفولة بالمغرب، إذ حمل التقرير انتقادا مباشرا للسلطات العمومية فيما يخص عدم احترام الجهات الوصية على  مراكز حماية الطفولة للإتفاقيات الدولية لحقوق الطفل… هذا التقرير/ الاتهام يحيل إلى واقع مرير تعيشه الطفولة بهاته المراكز.

ويتطلب الأمر تدخلا استعجاليا لوقف أصناف الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال الجانحين أو من يوجدون في وضعية صعبة. ومن المراكز التي شملها البحث الميداني لفريق العمل التابع للمجلس الوطني لحقوق الإنسان مركز حماية الطفولة بأكادير، أي أن كل ما هو متضمن في التقرير يمس واقع حال هذا المركز الشهير. فكيف هو واقع مركز حماية الطفولة بأكادير؟ وهل يؤدي الأدوار المنوطة به؟ وهل يتم التقيد بمضامين حماية حقوق الطفل؟ وهل هناك مجهدات ملموسة من شأنها المساهمة في إعادة إدماج الجانحين؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي سنحاول ملامستها انطلاقا من واقع المركز، وأيضا من خلال شهادات مجموعة من الأطر التي اشتغلت بهذا المرفق الحيوي، وبالأخص الاعتماد على شهادات حية لنزلاء المركز.

قبل البدء

تم تأسيس مركز الطفولة بأكادير سنة 1986، بطاقة استعابية تصل إلى 120 نزيلا، هذه المؤسسة تشرف على تدبيرها مندوبية الشبيبة والرياضة. وحسب ما هو متضمن في البطاقة التقنية  فإن المركز يستقبل أطفالا يتراوح سنهم مابين 12 و18 سنة، ارتكبوا أفعالا منافية  للقانون تتعلق بجنح التشرد، والتسول، والسرقة، واستهلاك المخدرات، يتم إحالتهم على المركز من طرف قضاة قضايا الأحداث من أجل مساعدة المحاكم على معرفة الوضعية الإجتماعية والسلوكية لكل حدث، ومن أجل تمكين هؤلاء الجانحين من متابعة دراستهم وتقديم تكوين مهني مناسب، بالإضافة إلى إعادة الإدماج في الحياة العامة.

ويشرف على تسيير مرافق هذا المركز 18 إطارا تابعين لوزارة الشبيبة والرياضة في تخصصات متعددة تتلعق بفريق من الإداريين، والمربين المختصين، والمساعدين، والباحثة العائلية، والمدرسين والمنشطين. هؤلاء الأطر المتخصصة يفرض عليها القانون وضع برنامج تربوي لفائدة نزلاء هذا المركز، من قبيل أنشطة تربوية وتعليمية والإدماج التعليمي، بالإضافة إلى أنشطة ترفيهية.

لكن هل هذه المعطيات الرسمية تتماهى مع واقع الحال بمركز أكادير لحماية الطفولة؟ والملفت للنظر أن هذا المركز هو الوحيد من نوعه في المنطقة الجنوبية ككل. وتعد مراكز حماية الطفولة التابعة لوزارة الشباب والرياضة أكثر انفتاحا من مراكز الإصلاح والتهذيب التابعة للمندوبية العامة للسجون، وذلك راجع إلى كونها تقوم بإيواء الأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن الرشد الجنائي، و يوجدون في وضعية صعبة أو الذين ارتكبوا جنحا ومخالفات، حيث يتم إيداعهم إلى أن تتم إعادة تربيتهم وتأهيلهم مهنيا، بخلاف مراكز الإصلاح والتهذيب الخاصة بالذين ارتكبوا جناية أو جريمة يعاقب عليها القانون بالعقوبة السالبة للحرية.

يوم في المركز… اختلالات تدبيرية 

إن صعوبة ولوج هذا المرفق العمومي والإلتصاق المباشر بهموم نزلائه يدفعنا للاعتماد على الشهادات الحية لمجموعة من نزلاء سابقين بالمركز، وذلك لاكتشاف الحياة اليومية للنزلاء، بالإضافة إلى النبش في ذاكرة مجموعة من الأشخاص الذين اشتغلوا لسنوات بهذه المؤسسة. أولى الملاحظات التي أجمع عليها كافة الأطراف هو أن التواجد داخل مركز إصلاحي لا يعني الابتعاد عن الأعمال المنحرفة والجانحة، إنه عبارة عن مجتمع مصغر، يمارس فيه النزلاء «سلوكات انحرافية» تتماهى مع وضعيتهم المجتمعية قبل ولوج هذا المركز.

أما عن أسباب التواجد بهذا المركز فهي متعددة، حيث تأتي شهادات العينات المستجوبة متداخلة فيما بينها، أسباب تكرر نفسها عند التنقل من نزيل إلى أخرى، مثل الأسباب الاقتصادية كالفقر، والبطالة، والإقامة في الأحياء الهامشية، وانحراف الوسط الاجتماعي، دون إغفال المشاكل النفسية التي تلعب دورا أساسيا في تعزيز عملية المرور إلى الفعل الإجرامي/الانحرافي. ويتم استقبال نزلاء المركز بقرارات قضائية لقاضي الأحداث بالمحاكم الإبتدائية التابعة للنفوذ الترابي للمركز. حيث يتم في الغالب استصدار تلك القرارات القضائية دون الإطلاع المسبق للقضاة المعنيين على الطاقة الإستعابية للمركز، وذكرت مصادر مطلعة أن ما يتم تداوله من أن المركز يستوعب 120 نزيلا مجانبا للصواب، إذ أن الإصلاحات التي أدخلت على المركز قلصت من تلك الطاقة، حيث واقع الحال يظهر أن أجنحة المركز لا يمكن أن تستوعب أكثر من 90 نزيلا.

وفي هذا الإطار يستقبل المركز نزلاء مابين الثلاث السنوات  والثمانية عشر سنة عكس ما هو مصرح به في الوثيقة التقنية للمركز، حيث إن استقبال نزلاء دون السن 12 سنة يقوض القوانين الداخلية المنظمة لهذه المراكز، حيث تشير  النصوص التنظيمية إلى توزيع النزلاء إلى ثلاثة فروع: تتعلق بجناح الملاحظة وجناح إعادة التربية، وأخيرا جناح ماقبل الخروج، لأن هذه التفريعات يؤسس لها الدور التعليمي والتأهيلي الموكول لمثل هذه المراكز.

في حين نجد عكس هذا التقسيم بمركز أكادير، فالعمارتين المخصصتين لاحتضان النزلاء تم اقتطاع جزء منها لإقامة إدارة وأقسام تعليمية، وتم الإبقاء على جناح للمتمدرسين بالمقابل تم وضع باقي النزلاء على اختلاف أعمار وأسباب وجودهم بالمركز في الجناح الآخر. ويزيد من تأزيم هذا الوضع  قلة الأطر الإدارية والتربوية المشرفة على تدبير شؤون المركز، إذ أن الطاقم الإداري والتربوي للمركز يتكون من 9 أفراد فقط عكس ماهو مخطط في الوثيقة التقنية لهذه المؤسسة، فالطاقم يتكون من 4 إداريين و3 مربين مختصين وعونين.

فمركز حماية الطفولة موكول له قانونا القيام بأدوار تتمثل في تقديم الخدمات الاجتماعية والتربوية والصحية الكفيلة بتأمين إصلاح النزيل وتقويم سلوكه واندماجه في المجتمع، وضمان تكوين دراسي أو مهني للنزيل يساعده على الاندماج الاجتماعي والاقتصادي بعد انتهاء مدة إقامته بالمركز، وأخيرا العمل على ترسيخ الروابط بين الحدث ووسطه العائلي. فهذه المهام المنوطة بالمركز أصبحت حبرا على ورق بسبب غياب مرشدين مهنيين والباحثين العائليين والمدرسين والمنشطين.

وينضاف إلى ما سبق العمل بنظام التناوب بين المربين الثلاثة، مما يعني أن اثنين منهم فقط يقومون بالمداومة. وموازاة مع ذلك يقوم المندوب لشبيبة والرياضة، باعتباره الجهة المشرفة على المركز، بالإستعانة بأطر المركز في فترة التخييم مما يزيد من إفراغ المركز من كافو أطره التربوية.

هذا الوضع الكارثي الذي يعيشه مركز حماية الطفول بأكادير يلخصه أحد النزلاء السابقين بالمركز بالقول ” كان برنامجي اليومي خلال تواجدي بالمركز شبه فارغ ، فبعد الاستيقاظ حوالى الساعة الثامنة صباحا، أجد نفسي تائها بين تنظيف سيارات بعض الموظفين، وتنظيف مرافق الإدارة… جميع النزلاء في مثل سني يتسكعون في المركز دون تكوين ولا دراسة”. هذا

التصريح يحيل إلى نقطة أخرى تتعلق بحرمان النزلاء من التمدرس والتكوين المهني والأنشطة التربوية، علما أن المركز يتوفر على ورشات للنجارة والحدادة والخرازة والصناعة الجلدية وورشة تعلم الحلويات. إلا أن مدير المركز ومندوب الشبيبة والرياضة قاما بإغلاق هذه الورشات في وجه النزلاء بسبب الخصاص المسجل في الأطر التعليمية المختصة. وفي هذا المنوال ذكرت مصادر مطلعة أنه يمكن تجاوز هذا المشكل من خلال عقد شراكات مع قطاع التكوين المهني، والإستعانة بتجارب جمعيات المجتمع المدني في هاته المجالات. وخلاصة القول فإن تدبير الموارد البشرية أثر سلبا على مردودية المركز وقزم من أدواره العديدة في تأهيل الأحداث للإندماج في المجتمع.

طفولة مغتصبة وحقوق مهضومة

واعتبارا لمحدودية تكوين مدير المركز في مجال الطفولة، نجد أن مهامه تنحسر فقط، حسب مجموعة من النزلاء، على الحد من ظاهرة هروب الأحداث إلى خارج أسوار المركز، وتغييب أدوار أخرى يفرضها القانون. ومن هذه الاختلالات إيداع الأطفال بأجنحة المركز بدون تصنيف قائم على السن أو سبب الإيداع (الأطفال في وضعية صعبة أو في نزاع مع القانون) مما يشكل عائقا أمام توفير التكفل الملائم لكل فئة ويطرح مشكل سلامة الأطفال دون السن 12. ونظرا للإكراهات السالفة الذكر، فإنه يتم الجمع بين النزلاء على إختلاف أعمارهم مما يعرض الصغار منهم للتحرش الجنسي والإغتصاب، في ظل غياب أي مراقبة للأطر التربوية.

وقد صرح أحد النزلاء السابقين إلتقته مشاهد بمدينة إنزكان بالقول: “ما جعلني  أهرب من المركز هو غياب الاهتمام من طرف المربيين، لأنني دائما أتعرض للضرب من طرف النزلاء الكبار إلى درجة أن أحدهم، الذي ينام بجواري، تحرش بي جنسيا وعندما توجهت إلى غرفة المربي المكلف بالحراسة الليلية لم أجده لأنه غالبا ما يمضي الليل بمنزله ليعود لإيقاظنا في الصباح الباكر”، هذه الشهادة من طفل في وضعية شارع تبرر لجوء أغلبية الأطفال إلى الهروب من المركز بسبب عدة ظروف من بينها ما يتعلق بالتحرش والإغتصاب والإهانة والضرب من طرف أطر المؤسسة، الذين يتخلون عن أدوارهم التربوية في غالب الأحيان، لقد أصدر هذا الطفل ذو التسع سنوات حكما على  المركز كفضاء تمارس فيه أفعال غير أخلاقية وغير آدمية، وأضاف أنه هرب عدة مرات من هذه المؤسسة الإصلاحية لأن ظروف الشارع أفضل من فضاء مؤسسة تهضم فيها حقوقه وتقيد حريته.

يضيف الطفل ياسين بعفوية “لا يريدون تسجيلي في المدرسة.. هناك أطفال يذهبون إلى المدرسة لكنني أبقى وحيدا محبوسا في المركز” وهذه الشهادة في مجملها تعطي صورة عن وضعية نزلاء المركز الذين يقضون أوقات يوم كامل بين ساحة المركز و قضاء أغراض الأطر والرجوع الى أجنحة النوم مساء.

وبالرجوع إلى شهادات أخرى لهؤلاء النزلاء يتبين بالملموس عدم خضوع المركز لمراقبة منتظمة من قبل الإدارة الوصية، وعدم سلامة ظروف العيش التي  لا تضمن الحقوق الأساسية للأطفال، وعدم ضمان الحق في الصحة والسلامة البدنية والحماية من كافة أشكال العنف والاستغلال، وكذا حق النزلاء/ الأحداث في إعادة التربية، وهضم حقوق الأحداث في الإنصات إليهم وحمايتهم ومساعدتهم قانونيا طوال المسلسل القضائي. ومن المفارقات الغريبة، التي أقدم عليها مدير المركز تجميد مجموعة من الإتفاقيات بين المركز وجمعيات المجتمع المدني خلال السنتين الأخيرتين. وواقع الحال يظهر أن المركز لا علاقة بحماية الطفولة في ظل ارتفاع نسبة الأطفال الجانحين والأطفال في وضعية صعبة، وفي ظل تخلي المركز عن لعب أدواره، يمكن ملاحظة تزايد كبير لأعداد أطفال الشوارع، وارتفاع حالة العود لدى الأحداث.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شهادات صادمة لنزلاء مركز حماية الطفولة بأكادير

ياسين… يفضل حياة الشارع على البقاء في المركز

في تصريح لأحد الأطفال سبق أن قضى مدة سنة بالمركز قال ” اسمي ياسين عمري 9 سنوات كنت في المركز، بعد أن فقدت والدي في حادثة سير… ومادفعني للهروب من المركز هو غياب الاهتمام من طرف المربيين، لأنني دائما أتعرض للضرب من طرف النزلاء الكبار إلى درجة أن أحد الجانحين، الذي يكبرني سنا، تحرش بي جنسيا خلال الليل وعندما توجهت إلى غرفة المربي المكلف بالحراسة الليلية لم أجده لأنه غالبا ما يقضي الليل بمنزله.. ليعود لإيقاظنا في الصباح الباكر”. وعن سؤال حول هروبه المتكرر وتفضيله حياة الشارع أضاف” لقد تم إرغامي على الرجوع إلى المركز من طرف الشرطة، لكنني عاودت الهروب لمرات عديدة لذات الأسباب… وأردف قائلا، وهو يبكي” تمنيت آن أكون طفلا سويا مثل أقراني، وأن أتابع دراستي لكن مسؤولي المركز ضيعوا حياتي لأنهم رفضوا تسجيلي في المدرسة… عندما كنت في المركز أرى أن بعض النزلاء يذهبون إلى المدرسة، لكنني أبقى وحيدا محبوسا في المركز”.

مروان… والرغبة في التمدرس

بمحطة انزكان للمسافرين التقت مشاهد بالطفل مروان ذي الـ 12 سنة، هو الآخر كان نزيلا بذات المركز وهرب منه مرات متعددة. وحسب مروان فإن من أهم الأسباب التي جعلته يهرب من المركز كونه لا يستفيد من التمدرس ولا من التكوين المهني بسبب إغلاق ورشات التكوين داخل المركز.

هذا بالإضافة، إلى كونه يفرض عليه القيام بأعمال شاقة يوميا تتمثل في نظافة جل مرافق المركز. وأضاف في تصريحه لمشاهد، أنه طلب من الإدارة السماح له بزيارة أمه في سجن انزكان ولم يستجب لطلبه…وأكد أن العنف الجسدي الذي يتعرض له من طرف بعض الأطر العاملة بالمركز وكذا الاطفال الذين يكبرونه سنا، من أهم الأسباب هروبه من المركز.

نور الدين… والبحث عن الذات

وبمدينة تارودانت وفي احدى ورشات إصلاح الدراجات صادفنا نور الدين 21 سنة وأدلى  بتصريح بعد سؤالنا عما اكتسبه من مهارات مهنية خلال تواجده بالمركز لمدة تفوق ثلاث سنوات، قال”  كان برنامجي اليومي خلال تواجدي المركز روتيني، فبعد الاستيقاض حوالى الساعة الثامنة صباحا أجد نفسي تائها بين تنظيف سيارات بعض الموظفين وتنظيف مرافق الادارة… فرغم تواجد بعض ورشات التكوين المهني، إلا أنها ظلت  مقفلة في وجه النزلاء لأسباب غامضة” وأضاف” الأحداث الصغار  يستفيدون إلى حد ما من التمدرس لكن جميع النزلاء في مثل سني يتسكعون في المركز دون تكوين ولا دراسة”. وعن سؤال عن اندماجه في المجتمع، أشار “عندما بلغت سن الرشد غادرت المركز وعدت إلى مدينة تارودانت لكنني وللأسف لم أتمكن من الإندماج في الحياة العملية بسبب عدم متابعة الدراسة أو حرفة تمكنني من الحصول على منصب شغل… وهذا ما أدى إلى دخولي السجن بسبب جنحة السرقة، والآن أحاول تعلم حرفة إصلاح الدراجات رغم أنني أحس بصعوبة ذلك”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *