آراء

التليكومند

التليكومند هو جهاز التحكم عن بعد في شاشة التلفاز ويمكن استعماله أيضا كجهاز لقياس من يمتلك السلطة الفعلية داخل البيت. فاليد التي تتحكم في هذا الجهاز الصغير تتحكم في تفاصيل أخرى عديدة.

لقد أصبح هذا الجهاز مع مرور الوقت ككيس الجلوكوز الذي يتم تعليقه قريبا من جسد المريض، فما إن تدخل إلى المنزل وتستلقي على الأريكة حتى تبحث يدك بطريقة لا واعية عن هذا الجهاز السحري. وقد تكون ديكتاتوريا لا تبالي بتوسلات زوجتك التي تتابع مسلسلها التركي الذي وصل الحلقة الثامنة بعد المائة، أو سلطويا قاسي القلب تنزع من عيون أطفالك فرحهم الطفولي وهم يتابعون قناة طيور الجنة. (بالمناسبة لقد صارت هذه القناة المساند الرسمي للأمهات في إخراس أبنائهن).

فمن كثرة سماع تلك الأغنيات الطفولية صباح مساء، أصبحنا نرددها دون وعي حتى إن أحد أصدقائي فاجأني ذات يوم وأنا أدندن بشكل لا إرادي: “قال جحا في ذات نهار إني ليس لدي حمار”، فما كان منه إلا أن أكمل المقطع ضاحكا ومعترفا في نفس الوقت بسلطة أطفال اليوم المتنامية جيلا بعد جيل. ورحم الله الزمان الذي كان البيت كله يتابع الأخبار على مضض ومباريات كرة القدم والرقص على الجليد ومسلسل دالاس على مضض.

ابنتي أروى لها طريقة ذكية في فرض سياسة الأمر الواقع، فما إن تحس بي داخلا إلى البيت حتى تخبأ التليكومند في قرار مكين!! وابدأ البحث دون جدوى حتى اتعب فاستسلم وأتابع معها الرسوم المتحركة على مضض، وهكذا أصبحت أعرف “بن تن” و”فتيات القوة” و”مغامرات فين وجاك”.

يمكن أيضا في اعتقادي استعمال التليكموند لقياس درجة حبك لمن يشاركك سقف بيتك. فالشخص الذي ستترك له التيليكموند وأنت متأكد تماما أنه لن تفوتك مشاهدة كل ما تحبه، وسيتوقف بالضبط عند ما يرضيك، وسيقوم بتعلية الصوت متى احتجت إلى ذلك دون أن تصرح، وسيضحك عند اللقطة التي لن يضحك أحد في العالم عليها سواكما.. هذا اختبار حب مهم، اترك لزوجتك التليكموند واختبر علاقتكما من جديد.

وعلى ذكر الحب فيمكن إضافة جهازي التليكموند والتلفاز الى قائمة انجح العلاقات الغرامية في المغرب مثل: الخبـز وأتــــــاي، البيـض وماطيشــــــة، الطـون والحــــرور، رايبي وميريندينا، رمانة وبرطال وحتى المانطة والسداري.. كل ما في الأمر قارئي العزيز، أن معظمنا يشتري التلفزيون الذي تختاره الزوجة ولكنه يحتفظ بالتليكموند طول الوقت، وهذا يشبه إلى حد كبير نظرية “الدستور الممنوح”.

هناك جهاز تيليكموند آخر كبير يمتلكه صانعو المشهد السياسي المغربي بحيث يتم تبديل المشاهد في أية لحظة وبكل سهولة كأن تنتقل من حكومة إلى حكومة، كما تنتقل من قناة إلى قناة، والغريب أن قامات سياسية كبيرة رضيت أن تلعب دور بطاريات التليكموند، ما إن يتم استهلاكها حتى تجد نفسها في مزهرية البيت إلى جانب أشياء أخرى بدون قيمة: مفتاح ليس له باب، قلم رصاص مكسور، فاتورة كهرباء، ورقة عليها رقم تلفون من دون اسم، بطاريات مستهلكة لكنها للاحتياط، إبرة بدون خيط، عملة معدنية صفراء قديمة، برغي لا أحد يدري مكانه أو مصدره.

الصينيون فطنوا لتأثير هذا الجهاز على الأطفال فقاموا بصناعة لعب بلاستيكية صغيرة تشبه التليكموند ولكنها بدون تأثير، يأخذها الطفل ويقلد الكبار في البحث عن قنوات فضائية ويظن لسذاجته أنه يتحكم في التلفاز وهذا أيضا أشبه بنظرية “حكومة تصريف الأعمال”.

أهم انجازات هذا الجهاز أنه يجعلك بالرغم عنك، تعض أو تدك بطارياته السامة إذا لم يعد يستجيب لك لانتهاء صلاحيتهما وتغامر بصحتك بدل النزول إلى الشارع بحثا عن بطاريات جديدة لمتابعة فيلمك العربي التافه، وهذا أيضا استجابة لنظرية “مش حتقدر تغمض عينيك”.

وأخيرا قارئي العزيز إذا أردت أن تكسب قلب زوجتك إلى الأبد، إذهب عند أي مكتبة وأعط الرجل جهاز التليكموند واطلب منه أن يلفه لفة هدية وبعد ذلك أعطه لزوجتك كعربون محبة وإخلاص واستسلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *