ملفات

عزيز أخنوش .. رجل الثقة بين القصر والإسلاميين

هو رجل هادئ لا يهتم كثيرا بالأضواء التي يعشقها السياسيون.. رجل عملي لا يقضي كثيرا من وقته في العمليات الحسابية التي يلجأ إليها بعض ممن يسيرون الشأن العام سواء من رجالات الدولة أو من الساسة.. ممارسة السياسة بالنسبة إليه ليست إلا خدمة وطنية يؤديها متى طلبت منه، ولا تهمه اليافطة التي سينضوي تحت ظلها أو ستدفع به ليكون وزيرا أو غيره، كما يفعل كثير من السياسيين في البلاد، بل إن الأحزاب وصناع القرار في الدولة هم من يسعون إلى خدماته كلما تاهوا في البحث عن رجل مناسب ليرقع ثقوبا من الأخطاء التي ارتكبوها أو وصلا بين خصم بدا أن التصالح معه خير من معاداته.. إنه رجل مفضل وثقة بالنسبة للقصر وسياسي محترم بالنسبة لبقية الأحزاب وعلى رأسها الإسلاميين. فكيف استطاع عزيز أخنوش أن يصنع لنفسه تلك المكانة الرفيعة في هرم الدولة وأن يتمتع بنظرة احترام بين جميع المكونات السياسية؟ في هذه السطور سنعرف بعضا من الجواب.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يرتبط اسم عزيز أخنوش بصفته رجل أعمال أكثر منه رجل سياسة، فالرجل لا يتقن إلا لغة الحسابات المالية والربحية، أكثر من إتقانه الحسابات السياسية التي لا يستقيم حالها على حال، فتقلده لمناصب كبرى في الدولة جاء بفضل تميز مجموعته الاقتصادية التي صنعت منه نجما ساطعا في سماء رجالات المال والأعمال، وليس بفضل نضالاته في صفوف الأحزاب أو النقابات.

سر النجاح .. “أكوا”

قليلون هم فقط من يعرفون معنى اسم شركة “أكوا” التي صنعت المجد للسوسي الذي يثق فيه الساسة في الرباط، فحقيقة اسم هذه المجموعة يتكون من شقين، الأول “أكـ” مرتبط ببداية كنية عائلته بالحروف الفرنسية (Akhannouch)، أما الشق الثاني “وا” فكناية عن الإسم العائلي لعائلة رفيق عمر أبيه الحاج “واكريم” الذي أسس معه المجموعة الاقتصادية الأقوى في المغرب…عزيز أخنوش وكما قال ذات مرة القيادي الاستقلالي بسوس علي قيوح، ما كان ليكون ذا شأن لولا أباه، ذاك الرجل العصامي الذي بدأ رحلة تجارته من درب عمر بالدار البيضاء إلى أن يتمكن بعد تزايد رأس ماله من شراء محطة لتوزيع الغاز في مرحلة أولى، ثم شراء محطة ثانية في مرحلة ثانية، لينتقل إلى المرحلة الأهم التي ستغير تاريخ سيرته وسيرة أبنائه إلى الأبد، بعد أن أنشأ ورفيق عمره وزوج شقيقته الحاج واكريم شركة “إفريقيا غاز” لتوزيع المحروقات، التي تعتبر أول شركة مغربية خالصة في القطاع.

بعد أن عاد عزيز أخنوش سنة 1986 من كندا، وفي جيبه أكثر من دبلوم في التسيير والتدبير، كان زوج عمته واكريم وأبوه قد شرعا يحصدان ما زرعاه بشركة توسعت خلال السبعينيات لتنشئ حاويات التخزين الضخمة، وتؤسس للقاعدة الصلبة لشركة “مغرب أوكسجين” كصناعة تكميلية لتوزيع المحروقات، وكان على أخنوش الابن أن يأخذ زمام الأمور ويطور التدبير اليومي لشركة إفريقيا غاز، ويوسع مجالات أنشطتها لتصبح مجموعة “أكوا” رائدة في قطاع المحروقات.. ومن ثم بدأ نجمه يسطع في سماء عالم رجال الأعمال، وهو ما ستكون نتيجته أن يصبح محط أنظار لعدد من قادة الأحزاب علهم يضفرون بعضويته داخل حزبهم.

 أخنوش في السياسة

فكما لم ينطلق أخنوش الابن من الصفر في عالم المال والأعمال، فإن ممارسته للسياسة لم تنطلق من فراغ أيضا، فقد مهد له في ذلك أبوه من خلال حزب “العمل” الذي ساهم في تأسيسه وضم بين صفوفه مجموعة من أمازيغ سوس، قبل أن يؤسس “الحزب الحر التقدمي” ويطلق جريدة سماها “العدالة” لتكون لسان حال حزبه ابتداء من سنة 1974، ليتخلى عن الكل في وقت لاحق مخافة إغضاب الحسن الثاني حسب ما تقوله مصادر عدة، وهذا ما يفسر ربما انضمام ابنه إلى حزب الأحرار الذي دائما ما يوصف أنه خرج من جبة القصر، وذلك عندما دفع الحسن الثاني بصهره عصمان إلى تأسيس حزب يخلط الأوراق في لعبة السياسة التي بدأت تلتف حول عرشه بين يساريين طامعين في ملكه وإسلاميين ينكرون شرعيته في الحكم.

لقد كان دور أخنوش الابن في السياسة هو تلبية دعوة القصر كلما احتاج إليه، وليس ممارسة السياسة من أجل السياسة، فحتى عندما حدث زلزال في حزب الأحرار بعد الإطاحة بمصطفى المنصوري عن طريق صلاح الدين مزوار وقرر هذا الأخير أن لا يضع يديه في يد عبد الإله بنكيران عندما فاز حزبه بتشريعيات 2011 بعد ربيع عربي عاصف، شاهد المغاربة كيف أن أخنوش جمد عضويته داخل هذا الحزب وعاد إلى الحكومة ليشغل منصب وزير الفلاحة لولاية ثانية على التوالي، من بوابة المستقلين.

لكن الأنظار لم تشد إلى ابن تافروات أكثر مما شدت إليه الآن بعد تعيينه في منصب وزير الإقتصاد والمالية بالنيابة، بعد انسحاب حزب شباط من حكومة بنكيران وتعيين الملك للوزير السابق نزار بركة على رأس المجلس الاقتصادي والاجتماعي. فرغم حجمه السياسي الكبير داخل حزب الحمامة إلا أن انسحابه منه حينها لم يسلط عليه كثيرا من الأضواء التي اختطفها بنكيران لزمن طويل لأسباب يعرفها الكل. غير أن اختيار بنكيران له ليكون وزير للاقتصاد والمالية بالنيابة عاد ليسلط الضوء عليه باعتباره أحد السياسيين المغاربة المقبولين من طرف القصر (الذي ليس غريبا عليه بكل حال من الأحوال، فقد اختار الملك محمد السادس وعقيلته الإفطار رمضان الأخير في منزل أخنوش في جو عائلي حميمي، كما أنه في الوقت ذاته ابن عمة زوجة الأمير مولاي هشام)، ومن طرف الإسلاميين الذين فضلوه على وزير منهم يمسك بالنصف الثاني من وزارة المالية الحساسة.

متتبعون لمسيرة أخنوش لا يستبعدون أن يعود الرجل إلى حزب الأحرار ليقلب الطاولة على مزوار في حال فشل الأخير في ترميم حكومة ابنكيران، وما يعنيه ذلك من ذهاب إلى انتخابات مبكرة، قد تكون سببا في اعتلائه منصة رئاسة الوزراء في حال تزعم حزب الأحرار للانتخابات، وهو المنصب الذي كان سيؤول إلى أخنوش خلال الانتخابات الماضية وليس لمزوار كما يعتقد الكثيرون، لولا أن البيجيدي حقق الفوز العريض، كما لا يخفي كثير من مناضلي حزب الأحرار امتعاضهم من أداء مزوار ورغبتهم في الإطاحة به من على رأس الحزب وتعويضه بشخص آخر لن يكون إلا أخنوش الذي يعرف كيف يضبط الإيقاعات والتوازنات السياسية، ويعشق التوافقات التي تقترب من الإجماع، في مغرب لم يعد صناع القرار فيه يتحمسون لرؤية الإسلاميين يدبرون شؤون البلاد.

أخنوش والقصر

يدرك كثير من المغاربة أن الوصول إلى المناصب الأسمى في الدولة لا يمكن أن يتأتى للواحد إلا إذا لم يكن مرضيا عنه في القصر، وهذا الحال لا يختلف كثيرا عند أخنوش، وهو ما يفسر حرص الملك على بقاء وزارة الفلاحة الإستراتيجية في يد واحد من هؤلاء المرضي عليهم، لا لشيء إلا لأن أخنوش قريب من عائلة الملك والمحيطين به ويرتبط بشكل أو بآخر بشبكة قرابة ومصاهرة قريبة من صناع القرار في البلاد منذ ما قبل الإستقلال وحتى الآن، فأخنوش ليس إلا ابن عمة زوجة الأمير مولاي هشام ابن عم الملك محمد السادس، وهو إبن رقية بنعبد العالي، شقيقة عبد الرحمان بنعبد العالي، أول وزير للأشغال العمومية في حكومة عبد الله إبراهيم في نهاية خمسينيات القرن الماضي، وخاله عبد الرحمان، زوج عائشة الغزاوي إبنة محمد الغزاوي أول مدير عام للأمن الوطني ومدير الفوسفاط وسفير سابق للمملكة بعدة دول، بالإضافة إلى أنه كان صديقا حميما للسلطان محمد الخامس، وعائشة الغزاوي زوجة خاله مرة أخرى، هي أم مليكة زوجة الأمير مولاي هشام، أي أن زوجة الأمير ما هي إلا ابنة خال عزيز أخنوش.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 مساره المهني في سطور

تمكن عزيز أخنوش، المعروف بكفاءاته التدبيرية وقدرة فائقة على العمل، من إضفاء لمساته على مختلف القطاعات الأساسية في الفلاحة والصيد البحري التي أشرف عليها منذ سنة 2007 داخل حكومة عباس الفاسي، وهو المنصب الذي أسند إليه مجددا في حكومة ابن كيران. ويعد الرجل، البالغ من العمر 50 عاما، من الجيل الجديد من المسؤولين الذين أسندت لهم مسؤوليات سامية والمكلفين بتنفيذ برامج الإصلاح الطموحة.

وبعد حصوله على دبلوم في التسيير من جامعة شيربروك بكندا سنة 1986، تولى أخنوش رئاسة مجموعة أكوا التي تضم نحو 50 شركة متخصصة في توزيع النفط والاتصال والخدمات. 

وكان أخنوش، المنحدر من سوس ماسة درعة الغنية بمواردها والتي ترأس مجلسها الجهوي خلال الفترة مابين 2003 و2007، رئيسا لمقاولة قبل أن يعين وزيرا. وبفضل تكوينه في مجال التسويق بجامعة شيربروك، تمكن من تطوير مجموعة “أكوا” منذ 1995، التي أصبحت إحدى أهم المقاولات الخاصة بالمغرب، كما استثمر في مجال توزيع المنتجات النفطية وفي قطاع وسائل الاعلام والاتصالات.

وتعكس استراتيجيتا المغرب الأخضر وهاليوتس، اللتان تم وضعهما أثناء إشراف أخنوش على قطاع الفلاحة والصيد البحري، دينامية وحيوية مغرب الأوراش الكبرى التي تم إطلاقها تحت قيادة الملك محمد السادس.

وانتخب أخنوش، الذي ينحدر من مدينة تافراوت، نائبا عن دائرة تزنيت خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة، وبعد تعيينه وزيرا سنة 2007 بهدف إصلاح قطاعي الفلاحة والصيد البحري، تخلى أخنوش عن رئاسة مجموعة “أكوا” من أجل التفرغ لمهامه الجديدة تماشيا مع سياسة اللامركزية.

كما انخرط أخنوش، خلال توليه منصب وزير الفلاحة والصيد البحري، في استراتيجية للتنمية الجهوية تتمحور حول تعزيز التجهيزات الأساسية وفك العزلة عن المناطق القروية بالموازاة مع تثمين التراث المحلي وتحسين المنتوج السياحي، كما برزت إسهاماته في مجال الإشعاع الثقافي للجهة من خلال دعم التظاهرات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *