آراء

الصورة “الفوتوغرافية”، لحكومة بن كيران

حكومات تلوى الأخرى، ولا جديد، تلكم القصة والحكاية التي تذكرني بشعاراتنا في الجامعة وفي مسيرات الإحتجاج، “حكومات مشات وجات والحالة هي هي عييتونا بالشعارات وحنا هما الضحية”، فعلا إذا ما ربطنا ذلك بالوضع السياسي من خمسينات القرن الماضي، فإن القابض على زمام الأمور هي سلطة المخزن، رغم أن نظامنا العرفي والسياسي القائم أنذاك، كان يفرض نفسه في تدبير نموذجي للبلاد، قبل معاهدة اكس ليبان المشؤومة، والتي أحكمت القبضة على ثرواتنا وأفقرت شعبنا.

حكومة بن كيران، هي صورة لنماذج حكومات سابقة، وتبين أن الفاعل الرئيسي في عملية الإحتواء، هو فبركة الأمين العام للحزب (فكل أمناء الأحزاب المغربية يحظون برضا المخزن)، ولا ينطبق ذلك فقط على أمين عام حزب العدالة والتنمية، الذي تحدث عنه مخبر إسمه الجلطي أيام ترويضه في دهاليز النظام، كما تحدث عنه مطيع المنفي في بريطانيا، هذه القاعدة المخزنية أيضا تسري على الأمين العام للاتحاد الاشتراكي الأسبق عبد الرحمن اليوسفي الذي أقسم على القرآن، واعدا جلالته بإبطال مفعول السكتة القلبية الموهومة، والتي كانت تهدد نظام الراحل الملك الحسن الثاني.

الثابت في كل هذه الأمور، أن هناك وساطة أشبه ببالون منفوخ، تنتهي مدة انتفاخه بوجود ثقب،حيث انتفخ بن كيران بغوغائيته ولم يترك فرصة لمعارضيه إلا وانقض عليهم في مشهد ينم عن ضعفه خاصة وأن مزوار الذي قال عنه ملم يقله مالك في الخمر أصبح “رجلا” وهو الذي قيل عنه أنه “ماشي راجل”، فأصبح أشبه بثاقب البالون، وهو مثال ينطبق على عمر حكومة بن كيران، حيث ستنتهي صلاحيتها تدريجيا، وفي الوقت المناسب.

الغريب في النسخة الثانية لحكومة بن كيران، الإبقاء على نفس وجوه الرباط وسلا وما جاورهما، وإن كان إسم بوعيدة من قبيلة آيت الحسن بالصحراء، يرتبط بالمال والأعيان والوعد والوعيد، فكان من المفروض إنقاذ ماء وجه “أهل بوعيدة”، الذين انقسموا في الانتخابات الماضية إلى أفواج كادت أن تعصف “بحزب الحمام”، وهي صورة قاتمة عن سلطة المخزن، وإذا تمعنا النظر في الصورة التذكارية مع الملك محمد السادس، أثناء تعينه للنسخة الثانية “فطو كوبي” للحكومة، يبدو أن المشهد، لم يحترم على الأقل، لباقة السياسيين من طينة وزراء، فتغيرت أشياء كثيرة في الصورة الفوتوغرافية للنسخة الأولى التي عينها الملك، ويبدوا أن بنكيران هذه المرة أغلق سترة بطنه، وأتقن ربطة العنق… بجانب الملك على يمنيه، وزميله عبد الله باها على يساره، وبين اليسار واليمين يتوسط الملك سبعة رجال من أصل 14 وزيرا، في صورة غاب عنها ولي العهد المولى الحسن، فالوزراء المتواجدون في الصف الأمامي سماتهم على وجوههم، قاسمهم المشترك هو حب الكرسي ولو بالمال، مادام أن هناك من الوزراء من سيتخلى عن أجرته كوزير، بينما تم الإستهتار بقيمة المرأة، حيث تراجعت إلى الصفوف المبعثرة في الوراء، تماشيا مع مقولة “الرجال قوام على النساء”، إشارة تفيد أن هذه الحكومة مازالت متشبثة بأفكارها الاسلاموية، وأن تعيين النساء، لجبر الخواطر، ربما كان من اختيارات الدوائر العليا، لتلميع صورة إمارة المؤمنين.

حكومة بن كيران وغيرها من الحكومات السابقة واللاحقة، لم تعد تعني الشعب إطلاقا، فهي آخر محطة تفضح فيها لعبة المخزن، فالزيادات المفروضة والتعذيب الممنهج، والحريات السالبة، وووو…، كلها إجراءات انتقامية ضد الشعب بسبب تصويته أو تعاطفه مع حزب العدالة والتنمية، وهنا نذكر السيد بن كيران، أن ميزانية الدولة وأموالها كما يتداولها الجميع، وكما يحب البعض جعلها بقرة حلوب .. ، قرارات التصرف فيها، لا تعني الأغلبية الصامتة المقهورة، وهنا نتساءل كيف يجرؤ رئيس الحكومة في تطبيق إجراءات تقشفية ضد المواطنين؟، علما أن مجتمعنا مازال متخلفا حتى النخاع، يعاني كل المصائب، ووضعيته في تصنيف غير مشرف لمؤشر التنمية البشرية، ويكذبون على الشعب بقولهم السيولة غير موجودة، العجز كذا، النمو كذا…. ، هذا الكلام مردود عليه، يفهم منه أن المغرب له إمكانيات مالية تضاهي مالية دول كبرى، كدول الغرب أو الخليج، وهو وهم قائم يتم تصريفه للشعب، كلما تحدثنا عن التخطيط، وكل المعادلات الاقتصادية في المغرب، نجد مفارقة بين الثروة الكبيرة التي يمتلكها، وبين الديون المتفاقمة، والحقيقية أن المغرب لم يتخلص من ديونه التي تراكمت وتتتحمل فيها حكومة بن كيران جزءً من المسؤولية، ونحن نعرف كيف أننا أصبحنا تابعين لفرنسا، في هذه الحالة لا يمكن إستغباء الشعب وإقناعه بسياسة التقشف، فهل ينفق بن كيران النقود من جيبه، ماذا فعل بشان تجميعه لزكاة حجاجه الميامين من أهل الشرق، هل استطاع بفضل الله، أن يجلب أموالا من فضلاء الشيوخ الذين يجمعون الأموال لأمثاله في الفكر من الإسلاميين؟ وهل الالتجاء الى إملاءات صندوق النقد الدولي، أي خزينة” دار الكفر” هل هي حلال أم حرام؟، أم أن مداخيل الخمور التي فرضت عليها الضرائب واستخلصتها حكومة الإسلاميين ليست هي الأخرى، حرام؟ ربما فتاوى هؤلاء الاسلامويين تجيز الحلال في حالة إن أردوا استغلال الوضع لصالحهم، وتكون محرمة في حالة العكس …، أم أن الحاصل هو أن فكرهم الإسلاموي، يعاكس إرادة المقهورين من المغاربة في العيش الكريم، ما يقم به بن كيران أشبه بسياسية الأمويين بالمغرب، أيام عمر المرادي، الذي قام بفرض ضرائب على المغاربة ومنها ضريبة العشر القائمة إلى حدود اليوم، فلا داعي إذن لإستبلاد المغاربة، بلد له من الإمكانيات الكثير، لكنها تذهب سدى بحكم انتعاش الفساد والمفسدين في مرافق الإدارة، وهو الذي أوجد لهم بن كيران حلا في مقولته الشهيرة “عفا الله عما سلف”، ربما يكون بن كيران وحزبه نهاية لمرحلة، أعتبرها شخصيا القطيعة مع أساليب المخزن في احتواء الأحزاب السياسية، رغم أن الثابت في منظومة المخزن، هو صناعة أمثال هذه الأحزاب، ضرورة للتوجيه، ولتكوين حكومات تلهي الشعب، ففي هذه الحالة يكون في صالح الدوائر العليا، توجيه الشعب، ضد الحكومة كما حالة حكومة ” صندويتش” بن كيران الذي يلعب دور الكومبارس، في حين تبقى المؤسسة الملكية خارج اللعبة، رغم أنها فاعل رئيسي بحكم حكومة الظل ، طالما سماها بن كيران “بالحيوانات المفترسة”، فتواجد حكومة مثل حكومة بن كيران ستعزز من مكانة الفساد الانتخابي، وفي حالة مراقبة الوضع، وهو المستحيل مادام أن التقطيع الانتخابي سيتكلف به والي سابق من الداخلية مثل حصاد، فإن بقاء بن كيران يعد من المستحيلات، بل سيجعل فريقه الاحتياطي من الإسلاميين في خبر كان، مادام أن الحديث عن تجربة الإسلاميين انتهت عند “غوغائية” بن كيران، إلا أن المتوقع على ما يبدوا، هو العزوف السياسي، وسيكون واقعا يفرض أشكالا أخرى قد يكون خطاب اعتماد الأحزاب الجهوية واحدا من الأشكال لتفريغ خطاب الجهوية الموسعة، وهذه الأحزاب ستراعي بطبيعة الحال كيفية تدبير الثروة، بل ستطرح أسئلة الفساد في كل منطقة على حدا. مادام أن الاتحاد الأوربي يناقش وضعية الثروة بالصحراء، والوضع المتقدم الذي تم منحه للمغرب.

الصورة الفوتوغرافية التي ظهرت بها النسخة الثانية للحكومة مع الملك، أبانت عن نفاق في التدبير الحكومي، مادام أن ميزانية أعضاء الحكومة، يمكن أن تشغل أكثر من 12 ألف عاطل، وأن سياسية التقشف تقتضي أن تكون على حساب الأغنياء، وليس على حساب الفقراء، فهل تمعن بن كيران النظر، في عدد وزراء حكومته، وقارنها بمثيلاتها، من حكومات الدول التي تحترم شعوبها، ومنها الصين التي تسير مليار ونصف من البشر؟ الصورة الفوتوغرافية المعبرة للنسخة الثانية، تلخص، أن المخزن مازال يحتفظ بطقوس أشبه بطقوس القرون الوسطى، تتجاوز الدستور والقواعد القانونية التي تعتمدها الدول الديمقراطية والمؤسساتية، على فكرة لا يوجد استوزار بدون ضمانة مالية، ولا وجود لسلطة بلا مال، بمعنى، بالعربية تعرابت: “المخزن تيقلب على ما يأكل”، وبن كيران، ما عندوا منين اجيب، وإذا كان غرضه الاستيلاء على ما بجيب الفئات المقهورة، ما عليه إلا تقديم أوراق اعتماده في النسخة الثالثة من حكومة مرتقبة، وهنا يمكن أن ينطبق عليه المثل الصحراوي القائل “لي ما يعرف يلعب إستاخر”، وهو ما معناه أن من لا يجيد اللعب عليه أن يتوارى إلى الخلف.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *