المشهد الأول

الصحراء … مرة أخرى

خلال خطابه الأخير أمام البرلمانيين كان الملك واضحا وهو يشخص أداء العمل الديبلوماسي المغربي بخصوص قضية الصحراء رسميا كان أو برلمانيا أوشعبيا موازيا… قال الملك بصريح العبارة إن الوضع صعب، والأمور لم تحسم بعد..وأضاف: أدعو الجميع، مرة أخرى، إلى التعبئة القوية واليقظة المستمرة، والتحرك الفعال،

وقال، في سياق لايخلو من تحميل المسؤولية لبعض منتخبي الصحراء الذين حولوا القضية إلى أصل تجاري لمراكمة المنافع والبقاء في المناصب،” يتعين على أعضاء البرلمان والمجالس المنتخبة، المحلية والجهوية، وخاصة بأقاليمنا الجنوبية، تحمل مسؤولياتهم كاملة، بصفتهم ممثلين لسكان المنطقة”.

لقد سبق لكاتب هذه السطور أن تطرق لظاهرة القصور والوهن الذي يعتري الديبلوماسية المغربية، إذ رغم التصريحات المفرطة في التفاؤل التي أطلقها وزير الخارجية السابق سعد الدين العثماني الذي غادر النسخة الثانية من حكومة بنكيران، فإن الأداء لم يتغير والإيقاع لم يرتفع والممارسات بقيت على حالها، لقد كان الاعتقاد سائدا أنه بمجرد أن يمسك رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية بمقاليد الوزارة سيقدم على تغييراستراتيجية العمل التي حكمت هذه المؤسسة منذ سنوات طويلة، فقد عاشت الديبلوماسية المغربية نجاحات قليلة وإخفاقات كثيرة ومتتالية، خصوصا على مستوى قضية الصحراء، إذ كان من المنتظر سن سياسة هجوميةتورم تحقيق اختراقات لفائدة قضية الصحراء واستعادة عدد من المواقع التي تغيرت لصالح الطرف الآخر( الجزائر والبوليساريو)، لكن أي شيء من ذلك لم يتحقق… فالنتائج واضحة في ظل الأعطاب التي تطالالديبلوماسية المغربية من قبيل غياب الكفاءة لدى عدد من الديبلوماسيين، واستشراء داء المحسوبية والزبونية في ما يتعلق بالتعيينات في مناصب المسؤولية في وزارة الخارجية، هذا بالإضافة إلى انعدام التواصل والإبداعوالمبادرة لدى الغالبية العظمى من المسؤولين الديبلوماسيين المغاربة، حيث يعمد أكثرهم إلى الانخراط في تطبيق سياسة “كم حاجة قضيناها بتركها”، لذلك تحولت إقامة عدد من السفراء والقناصلة بالعواصم العالمية إلىعطل مؤدى عنها، أو بالنسبة للبعض الآخر إلى تقاعد مريح بعد المرور بإحدى الوزارات.

من جهة أخرى، يعتري الفشل أيضاً أداء ما يسمى بالديبلوماسية الشعبية أو الموازية، حيث تفشت ظاهرة مشينة تتمثل في تمكين بعض جمعيات الريع من امتيازات مالية مهمة، لتتحول بذلك قضية الصحراء إلى أصلتجاري، هذه الجمعيات للأسف تأثيرها محدود، وفي غالب الأحيان تأتي تحركاتها بنتائج عكسية، هذا بالإضافة إلى قصور عمليات شراء ولاء اللوبيات، حيث يتم صرف ميزانيات باهظة للحصول على نتائج محدودة، كماهو الشأن مع الاستمالات المالية لبعض أعضاء الكونجرس الأمريكي، وهي العملية التي لاتفيد كثيرا قضية الصحراء بسبب نفوذ اللوبيات الأخرى المتعاطفة مع البوليساريو، ومن بينها معهد كينيدي لحقوق الإنسان ذيالتأثير الكبير على قرارات عدد من المسؤولين التشريعيين والتنفيذيين الأمريكيين…

ومن السلبيات الأخرى التي تعتري العمل الديبلوماسي الرسمي والشعبي والبرلماني في بلدنا هو السقوط الفج في “الموسمية”، فلا يتم استحضار مصيرية قضية الصحراء سوى خلال الأزمات، كمثل التي مر بها المغربخلال محاولة أمريكا تمرير قرار أممي يمنح لبعثة المينيرسو حق مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء، حينها خرجت وزارة الخارجية والأحزاب وبعض الجمعيات من سباتها، وملأت الدنيا ضجيجا للتنديد بهذه المحاولة الأمريكية التي تم التراجع عنها بفضل تدخلات دول صديقة كما تناقلت ذلك بعض كبريات وسائل الإعلام…الآن الجميع استكان إلى الاستراحة والاسترخاء، كأننا ربحنا هذا الرهان في الحين أن المغرب لم يربح سوىجولة واحدة تتكرر كل سنة، لكن ماذا أعددنا للسنة المقبلة بخصوص القضية الوطنية الأولى للمغاربة…لحد الساعة لاشيء يذكر، سواء على الصعيد الداخلي أو على مستوى الهيئات والمؤسسات الدولية الفاعلة وذات الاهتمام، هذا في الحين الذي تقوم فيه جبهة البوليساريو بتحركات غير مسبوقة بالولايات المتحدة الأمريكية يقودها زعيم الجبهة محمد عبد العزيز، من خلال ربط الاتصالات مع ممثلي أمريكا بالأمم المتحدة، ووزارةالخارجية، والكونغرس الذي يتمتع في بلاد العم سام بتأثير قوي جدا.

متاعب المغرب على مستوى قضية الصحراء يمكن أن تنطلق ابتداء من أبريل القادم، لأن هناك محاولات جديدة للدفع بتوصية أممية أخرى تتعلق بمنح المينيرسو حق الإشراف على الشؤون الإدارية للصحراء، هذابالإضافةإلى تربصات أخرى على مستوى مجلس حقوق الإنسان بجنيف، مما يدعو إلى استباق الأمور وأخذ المبادرات دون الوقوع في مواقف ردود الفعل، لأنه من الحزم سوء الظن.

مجرد أسئلة :

ألم يساهم عدد كبير من “منتخبي” الصحراء في البرلمان أو المجالس الجهوية والمحلية في إشاعة ثقافة اليأس والرفض لدى شرائح عديدة من شباب الصحراء، بفعل ممارسات هؤلاء “المنتخبين” الذين استغلوا تمثليتهم للسكان للاغتناء ومراكمة الثروات الكبيرة؟

ألم يحن الوقت لمحاسبتهم من طرف الجهات المخولة؟

وهل تم إجراء استمزاجات حقيقية للآراء لمعرفة مدى حضور هذه الكائنات الانتخابية في أوساط المجتمع الصحراوي بعيدا عن استثمار شبكة المنافع والعلاقات المرتبطة بتوزيع امتيازات المؤسسات التي يسيرونها؟

هذه هي الأسئلة الحقيقية التي تود شرائح عريضة من ساكنة الصحراء معرفة الأجوبة عنها لخلق مصالحة حقيقية بين الدولة والسواد الأعظم من السكان!!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *