آراء

أسئلة معلقة

دعا الامين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، الى تخليق الحياة السياسية في كلمته التي القاها بسيدي افني بمناسبة أشغال المجلس الاقليمي للحزب، ولم يفته الهجوم على بنكيران وحكومته التي حملها مسؤولية تردي الاوضاع الاقتصادية، مثلما نبه الى خطر الاحتقان الاجتماعي و معاناة المعطلين وانتهاك حقهم في الاحتجاج.

من حق الأمين العام لحزب الاستقلال أن يمارس السياسة كيفما يشاء، مثلما يفعل كل أمناء الاحزاب السياسية الذين ما إن يقفوا أمام الناس، و تنتفخ أوداجهم على وقع التصفيقات والشعارات الحماسية حتى تتراءى لهم أحلام اليقظة، ويشرعوا، بعد ذلك، في توزيع الوعود المعسولة التي لن تتحقق أبدا. ولعل تجربة العدالة والتنمية في الحكومة الحالية خير دليل على ما أكتب هنا والآن.

لكن، وفي كل الحالات، فليس من حقه البتة أن يأتي الى هنا للحديث عن انجازات حكومة قادها الاستقلاليون، وهي التي كانت عنوانا لاعتداءات جسيمة في حقوق الانسان بسيدي افني، لم يشأ حميد شباط أن يتحدث عنها ولا حتى مجرد أن يمر أمامها مرور الكرام.

فالأمل في تخليق الحياة السياسية الذي عبر عنه الامين العام لحزب يجلس اليوم في صفوف المعارضة، بعد أن غادر الحكومة، يفترض أن يقدم صاحبه صورة مطمئنة و واعدة بمشروع تغيير يبدأ من داخل بيته، لا أن يحاول در الرماد في عيون الرأي العام من خلال القفز على مرحلة قادها حزبه، والتي يعرف القاصي والداني أنها لم تُراع أبدا حقوق الانسان، هنا كما هناك، بما فيها تلك المتعلقة بحقوق المعطلين انفسهم الذين التزم بالدفاع عنهم و مؤازرة ملفهم المطلبي.

وإذا كانت الايام الخوالي قد شهدت ما يشبه حربا ضروسا على حزب العدالة والتنمية بسبب جملة في مقالة بجريدة التوحيد والاصلاح، فُهم منها على أنها اتهام ضمني بالانفصال، حيث ثارت ثائرة البعض من المتشدقين بوطنية المنابر، وعبدوا الطريق لحملة لم تنتهي بمحاولات نسف اجتماعات الحزب على المستوى المحلي فحسب، بل وصلت اخر حلقاتها إلى رفض بعض <<الصقور >> حتى مجرد الحديث الى النائب البرلماني انداك، عبد الجبار القسطلاني، والذي جاء الى سيدي افني، قبل اندلاع احداث السبت الاسود بأيام قليلة، في محاولة لنزع فتيل ازمة الميناء التي كانت تهدد بالانفجار.

في حين لم يكن هناك أي شك ولا أدنى مشكل بالنسبة لرئيس المجلس البلدي لكلميم والمستشار البرلماني، عبد الوهاب بلفقيه، الذي وجد أبواب الترحاب و الحوار مفتوحة أمامه دون أن يعارض قدومه أحد.

يحدث أن تتكفل “تقبليت”، في كثير من الاحيان بإيجاد مكان تحت شمس الشعبويين، ولو الى حين.

ولم يلزم في الحقيقة سوى مرور بعض الوقت ليأتي المستقبل القريب برياح تغيير مفاجئ في المواقف والقناعات، و يجد <<الصقور>> أنفسهم أمام جدار خوف استعصى عليهم هذه المرة كسره، و بدأوا في انتقاء الكلمات المناسبة التي تخفي <<الخلعة>>، و تستدعي، أو بالأحرى، تستجدي مبادرة للخروج من النفق الذي بدا لهم حينها مظلما بالكامل.

اليوم، ورغم المسؤولية التي حملها الجميع تقريبا لحزب الاستقلال، عما وقع ما قبل و ما بعد احداث السبت الاسود، فقد احيانا الله حتى رأينا حلقة جديدة من مسلسل الانقلاب نفسه، حيث اصطف <<المناضلون>> من أجل خدمة هذا الحزب وتوجيه التحية له، فيما خرج رئيس المجلس البلدي لسيدي افني عن صمته الطويل ليعبر عن احترامه للحزب ومناضليه، هذا دون أن ينسى ترجمة ذلك عمليا من خلال وضع سيارة الجماعة، “البيكوب”، رهن اشارة الاستقلاليين الذين سخروها، ضدا على خطاب الاخلاق السياسية، في نقل كراسييهم من مقرهم الكائن بحي بولعلام الى قاعة الاجتماعات البلدية المسماة <<بالكاسينو>> حيث كان التحضير لعقد اشغال المجلس الاقليمي بحضور قياداتهم الحزبية.

لو كانت هناك رغبة حقيقية لحزب الاستقلال في نسج خيوط المصالحة مع المدينة، التي اكتوى سكانها بنار اعتداءات وتجاوزات يتحمل جزء كبير من مسؤوليتها الوزير الاول السابق، عباس الفاسي، المحسوب على حزبهم، والذي غطى على الأحداث إعلاميا، لما فوتوا فرصة وجود أمينهم العام، ولأ قدموا على تقديم اعتذار علني يغسلون به عار الماضي الذي يطاردهم، هذا دون أن يتجاهلوا طبعا تصريف فعل الاخلاق السياسية في حاضر الممارسة السياسية انطلاقا من بيتهم الداخلي حيث يقيم أُمي اخر لم يجد من إنجاز يحققه في ولايته سوى حرمان معطل من حقه في الشغل، رغم أن هذا الاخير اجتاز بنجاح مباراة التوظيف التي أعلنت عنها وزارة الداخلية قبل حوالي عام من الان.

وبرغم كل الشكايات التي قام بها المعني بالأمر والتي وصلت الى القضاء الذي رفض الدعوى ، فان رئيس الجماعة الاستقلالي، الذي رشحه الحزب بالمناسبة في الانتخابات التشريعية السابقة، لايزال وفيا لسلوكه المكابر معتقدا أن ذلك يدخل في خانة انجازاته التاريخية.

وحتى اذا قاومنا نفسنا الأمارة بالسوء، وصدقنا شعارات حزب الاستقلال الذي ما فتئ يمنح الدليل تلو الاخر على أنه غير معني نهائيا بإنصاف طالبي الحق في الشغل، و الذين سبق وأن اغرق الوزير الاول السابق، عباس الفاسي، الالاف منهم في محيط الوهم، بعد ان ركبوا باخرة “النجاة”، فهل سيصدق معطلوا هذه المنطقة، مثلا، كلام “سي” شباط، الذي تعهد بدعم مطالبهم، وهم يعلمون قصة رئيس جماعة مستي مع معطل دخل الجماعة من باب المباراة القانوني، واذا به يجد نفسه خارجها لأسباب لا أحد يفهمها؟

وهل بمثل هؤلاء المنتخبين أصلا سيستطيع حزب الاستقلال أن يُنقد سمعته، ويستعيد مكانه الطبيعي الى جانب باقي الاحزاب السياسية؟

لا أعتقد ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *