آراء

إشكالية اللغة بين المدرب والرياضي العربي

إن جودة البرامج والمضامين الخاصة بالتدريب الرياضي لمن المؤشرات الدالة على مهنية واحترافية المدرب، لكن هذه البرامج قد لا يوجد لها آثر على الممارس الرياضي إن لم تجد طريقها نحو التطبيق والممارسة بحكم عوائق تحول دون وصولها إلى الرياضي كمتلقي، ومن المشاكل والعوائق الجوهرية في تنزيل مضامين البرامج العلمية الرياضية على أرضية الملاعب، وهي على تعدادها كثيرة إلا أننا سنلقي الضوء على العائق الأكثر تأثيرا في عدم السماح لمعاني وأفكار المدرب للتحقق على أرضية الملعب وهو عائق اللغة، فسؤال اللغة المستعملة بين المدرب العربي واللاعب أو العداء هو سؤال جوهري ومدخل لدراسة وفهم طبيعة ومستوى التدريب الرياضي، بل هو معيار رئيسيي لتمييز الهواية من الاحتراف، وبيان ذلك أن اللغة المستعملة لنقل أفكار وقناعة المدرب إلى الرياضي العربي هي لغة في أغلبها عامية ممزوجة ببعض الألفاظ الأجنبية، وهذا يستدعي وقفة تأملية على طبيعة هذه اللغة، الأمر الذي سينتهي بالمتأمل إلى طرح مجموعة من الأسئلة منها : هل العامية قادرة على بيان وإيصال مضامين التدريب الرياضي كعلم؟ هل العامية الغير المقعدة في طبيعتها قادرة على استيعاب معاني ومفاهيم التدريب الرياضي؟ هل العامية تملك القدرة لحمل مضامين الإنجاز الرياضي المراد تحقيقه؟ الإنجاز الرياضي هو نتاج لعوامل مركبة ومتداخلة تتوزع بين ما هو حركي وتكتيكي وذهني ونفسي وأخلاقي، فهل اللغة العامية تملك الإمكانيات لنقل كل هذه المعاني إلى عقل وذهن الرياضي؟ ، وللبيان أكثر لابد أن نؤكد على أن الدراسات اللسانية الحديثة أثبت على أن هناك علاقة بين اللغة والذكاء، بين اللغة والأفكار، بين اللغة والإبداع، بين اللغة والإنجاز، فاللغة تُشكل وتُنشئ الفكر والحركة، فكلما ارتقت اللغة إلى مستوى التقعيد العلمي مع التبسيط كلما زاد مستوى الأداء والإنجاز كيف ما كانت طبيعته وصعوبته، فأول ما تُلامسه اللغة في المتلقي “الرياضي” هو مكوناته الذهنية ثم بعد ذلك ينعكس مستوى فهمه على مستواهُ النفسي والحركي، وللتوضيح أكثر فالمكونات الذهنية تتضمن كل من الفهم والاستيعاب والتحليل والتذكر والخيال والإبداع، وجل هذه المكونات تتفاعل فيما بينها بناء على ما حملته اللغة المستعملة من قبل المدرب ، فإن كانت لغة عامية فسيلحقها ضعف في عمق الدلالة والمعنى مما سينعكس سلبا على فهم واستيعاب الرياضي وبالتالي سيكون أداءه الحركي بناء على فهمه، وإن كان لغة مقعدة ومبسطة فسيحاكي فهمه الإنجاز المراد تحقيقه، فالعامية تُحقق الأداء الحركي لكن لن تُوصل الرياضي إلى مستوى الإبداع بحكم أن اللغة المقعدة أكثر عمقا وتأثيرا على قدرات الرياضي ومنها الإبداع الحركي، فالشاهد أن العامية تعجز عن حمل مضامين ومعاني الإنجاز الرياضي المراد تحقيقه لأن ذكاء وأداء الرياضي سيعكس مستوى اللغة المستعملة، في حين لو استعملت لغة مقعدة ومبسطة لأن التبسيط من خصائص اللغة العلمية لكانت النتائج المنتظرة أعلى وأفضل، ويكفي أن نستحضر المثال التالي لبيان أهمية اللغة العلمية المُبسطة، فالطفل يكتسب مهارات علم الرياضيات والجغرافيا بلغة الرياضيات والجغرافيا، بلغة تُراعي عقل ومستوى الطفل أي بلغة علمية مُبسطة، وليس باللغة العامية لأنها غير قادرة على نقل معاني ومفاهيم الرياضيات والجغرافيا، فهي لغة حدودها التواصل فقط وليس نقل مضامين العلوم، والرياضة كعلم أليست بالضرورة قياسا على كل العلوم تقتضي من المدرب أن يُعلم فنونها ومهاراتها بلغة الرياضة؟، شريطة التبسيط وهو تبسيط اللغة من داخل اللغة لضمان الصبغة العلمية، ولنا كذلك في قوله تعالى حكمة بليغة “وعلم آدم الأسماء كلها” سورة البقرة،الآية 31، فليس عبثا أن يُعلم الله سبحانه وتعالى نبيهُ آدم الأسماء كلها قبل أن ينزله إلى دار الأسماء “الوجود الدنيوي”، والسبب بسيط لأنها ستكون دليله إلى الاستخلاف والعمران، فبناء على ما ذكر فإننا نؤسس لمبدأ مفاده أن تمت علاقة ترابطية بين اللغة والإنجاز الرياضي، فاللغة قادرة على تحسين ذكاء وأداء الرياضي كلما ارتقت إلى مستوى الاصطلاح العلمي مع ضرورة التبسيط، وهذا من شأنه أن يغير من معادلة الإنجاز، فاللغة العلمية شرط حتمي لذكاء وإنجاز وإبداع الرياضي، في حين أن اللغة العامية ليست قادرة على التعبير عن كُنه وحقيقة الإنجار الرياضي المطلوب، وهذا ما يجعل الرياضي يعجز عن الإحاطة بما يريده المدرب لأن اللغة المستعملة لا تستطيع أن تنقل ما فوق طاقتها بحكم طبيعتها، لهذا نجد تباعد وتصادم بين ما يريده المدرب وبين ما يفهمه اللاعب، لأن اللغة التواصلية بينهما عاجزة عن نقل أفكار وقناعة المدرب إلى عقل وفهم اللاعب، فالتحدي المُلقى على عاتق المدرب هو على وجهين: أولا الارتقاء بلغة وثقافة الرياضيين إلى مستوى لغة الإنجاز، ثانيا استعمال لغة علمية مُبسطة قادرة على أن تكون دليلا ومرشدا للرياضي نحو الإنجاز أو الاستحقاق المُنتظر، فاللغة باب الاحتراف إن كنا نعتقد حقا أن الرياضة علم وصناعة.

* باحث في فلسفة وأخلاقيات الرياضة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *