حوارات

عمر بوزلماط: المغرب مازال بعيدا جدا ليكون دولة نفطية

عمر بوزلماط، الشهير بالدركي الذي اكتشف البترول بالمغرب، يقول أن المغرب ما زال بعيدا جدا عن تبؤ صفة “الدولة النفطية”، لأسباب يعتقد الرجل أنها تتعلق بالصراع بين القوى العالمية الكبرى التي لا ترغب في أن يكون المغرب الآن بلدا نفطيا. تفاصيل أخرى مثيرة في هذا الحوار الذي ارتأت جريدة “مشاهد” أن تستضيف فيه واحد من أكثر الوجود جدلا في الأخبار المتعلقة بالذهب الأسود بالمغرب، حيث يعتقد بوزلماط أن البترول يوجد في المغرب أكثر من أي دولة في العالم، لكن المسؤولين يفضلون التنقيب عنه في أماكن أخرى ظل يردد أنها لا تحتوي على شيء، فيما تجاهلوا الأمان التي يقول أنها مليئة بالنفط والغاز.

1- كيف تتابع النقاش الدائر حاليا حول كون المغرب سيصبح دولة بترولية قريبا؟

لن أخفي عنكم أنني أتابع عن كثب كل مقال تنحشر فيه أية كلمة تتعلق بالنفط أو البترول أو الغاز، وهذا ليس لكوني مجنون النفط فحسب، بل نظرا لكوني صاحب موهبة فريدة عالميا في مجال اكتشاف البترول والغاز عن بُعد وبالمباشر، وكما عامل الثقة في النفس والتفوق المذهل على جل الشركات النفطية الاستكشافية النفطية العالمية، وهو ما جعلني أنظر من موقع “بانورامي” في شأن إبداء الرأي حول مدى اقتراب لحظة شروق شمس البترول بالمغرب، لذا أقول صراحة، وانطلاقا من تجربتي في المجال أن المغرب ما زال بعيدا عن تبوء صفة “دولة بترولية”.

وفي هذا الصدد، أقول أن ما تروج له الشركة الأسترالية “لونغريتش” بشأن وجود احتياطات ضخمة من الغاز بجماعة “مجي” لا يعدو أن يكون مجرد جعجعة لا طحين. وبالنسبة للأماكن الأخرى للتنقيب عن النفط، فهي ليست ذات جدوى، فإذا أردنا أن نتوجه إلى ساحل طانطان، كي نلقي نظرة عن الشركة التي نصبت منصة نفطية في البحر، ورغم أنه ابتداءً من الشطر الشمالي لساحل طانطان حتى طرفاية، قد تحتضن 5 حقول نفطية متوسطة، أصغرها ذات مساحة 100 كلم2 وأكبرها 280 إلى 300 كلم2، وكما أن سُمك الطبقة النفطية لحقل واحد لا يتجاوز 15 مترا، فإن هذه الحقول ليست مغرية قطعا. كما أن باقي الحقول التي يتم التنقيب فيها الآن يتأرجح سُمك الطبقات النفطية فيها ما بين 20 إلى 25 مترا، وهذا ليس شيئا مغريا بالطبع. ولنفرض جدلا أن الشركة المنقبة بساحل “طانطان” قد عثرت على أحد الحقول النفطية، فهل سنعول على حقول صغيرة أن تبؤنا صفة دولة نفطية؟ هذا مستحيل.

2- أين توجد الحقول النفطية في المغرب إذا؟

في المنطقة المتاخمة “لجزر الكناري” يوجد حقل نفطي إستراتيجي، وذو أهمية جد قصوى، لكنه أقرب إلى الجزر، وهذا ما جعلني سابقا أحرر مقالا، نبهت فيه الدولة المغربية إلى ضرورة تقسيم النفط من ساحل طرفاية حتى وراء الجزر وعدم اقتسام المناطق، طالما لم يتم بعد رسم الحدود البحرية. لكن، لا حياة لمن تنادي.

أما في منطقة الغرب والساحل الشمالي، فمعظم سُمك الطبقات الغازية، متأرجح ما بين 5 و14 مترا، وهي خاصية جيولوجية معممة على جل منطقة الغرب، بما فيها المناطق المتاخمة البحرية، وهي ضعيفة. وهنا أعني سواحل “أصيلا والعرائش”. كما أشير أن التحركات الحالية للشركات النفطية ما زالت في بدايتها، وأغلب الظن، أنها بطيئة جدا، وبطئها يطرح ألف سؤال. لا نعرف هل هي إستراتيجية لتأجيل تدفق نفط المغرب، أم راجع إلى نقص في كفاءة الشركات.

ولكن أغلب الظن أن ثمة شيء يطبخ في الدهاليز الخفية، لكونهم رفضوا التعامل معي علنا رغم أنني أعلنت عن اكتشاف أكبر حقل بترول في العالم بالمياه الأطلسية المغربية ذات مساحة 7000 كلم2، وطبقته النفطية تبدأ في بعض المناطق من 38-45 وحتى 65 مترا. وهو سُمك، ذو أهمية إستراتيجية وغني بالنفط والغاز، وتحت ضغط شديد وجهنمي وخارج عن المألوف، وقد يشبه حقل الغوار بالعربية السعودية، والذي جاد في حدود 2010 بـ 65 مليار برميل، ومنذ 1952 وهو ما زال يمنح إلى حدود اليوم 5 ملايين برميل يوميا. والحقل الثاني الذي رفعت عنه السرية في الآونة الأخيرة لأحد الجرائد الأسبوعية، هو حقل توأم للحقل الأطلسي العملاق، ويمتد من قبالة مدينة أزمور حتى المياه الإقليمية لمدينة أسفي، أي قبالة ساحل قرية “لعكارطة”، بطول يتجاوز قليلا 100 كلم وعرضه 10 كلم، وهو ما يناهز 1000 كلم2، ويشبه حقل “السفانية” بالعربية السعودية، وسمكه يبدأ من 25 مترا حتى 37 مترا في بعض المناطق، وهو غني بالنفط.

3- لماذ يفضل المغرب حتى الآن التنقيب عن النفط في الأماكن التي تقول إنها ليس فيها شيء ويترك في المقابل التنقيب عنه في الأماكن المأهولة بالنفط؟

سؤال جد رائع، أولا، فبعد مرور أكثر من نصف قرن، لم تفكر الحكومات المتعاقبة في إنشاء “شركة نفطية” ولو صغيرة قصد جس نبض أرض المغرب في مجال النفط. ولكن حتى لا ننساق إلى لغة الخشب والهروب بعيدا عن الحقائق، فملف بترول المغرب لا تتحكم فيه “الحكومات المتعاقبة”، بل هو في يد الحكومة الموازية. إذن هنا سندرك أن ملف النفط بالمغرب تلفه أسرارا كثيرة ومن جملتها؛ لماذا يتهرب المغرب من الحفر في الأماكن التي أجهرت بها؟ وهنا أفيد الجميع أن القوى الغربية قد دخلت على الخط سريا، لتطبيق لعبتها القذرة والمتمثلة في اللعبة الجيوسياسية المرتبطة في الحفاظ على الإحتياطات الإستراتيجية وراء البحار، وتمديد زمن أخذ قرار تدفق النفط بالمغرب.

وما يثير لدي ارتيابا شديدا أن القوى الغربية تصرف فوائض مالية للدفع بالشركات الغربية إلى الحفر في أماكن ضعيفة جدا، وترفق العمل بتهليل وهالة إعلامية حتى تثير في دماغ المواطن أن عمليات البحث عن النفط على قدم وساق. وهنا لا أتكلم عن هوى، وأعزز كلامي بمثالين: الأول، لماذا يرفض المغرب الحفر في المنطقة المحصورة بين جنوب البيضاء والصويرة، يعني الشريط الأطلسي، حيث تحتضن المنطقة حقلين استراتيجيين، الأول بمساحة 7000 كلم2 والذي يمتد من قبالة ساحل البيضاء حتى الصويرة بالمياه العميقة؟ والحقل الثاني يمتد من قبالة ساحل أزمور حتى ساحل قرية “لعكارطة” بأسفي وبمساحة 1000 كلم2، وهو ما يعني أن المنطقة تحتضن مساحة نفطية أقرب من دولة لبنان، في حين ذهبت إلى قرية “مجي” ضواحي الصويرة حيث اكتشفت حقلا غازيا جد ضعيفا وغير قابل للاستغلال وذو مساحة 70 كلم2.

4- هل يعي المكتب الوطني للهيدروكروبات هذه الحقائق التي ذكرت ومتواطئ فيها، أم أنه ضحية ما يمكن تسميته بالمآمرة؟

دعوني أكون صريحا، فهناك من ينتظر أن توجه له اللوم وهو يعرف أنه ضمن اللعبة وفي العلبة السوداء، وحتى يندفع بصفة البريء، لأنك منحته فرصة “باش أتبورد عليك”، لكن العقول الداهية تبحث عن منافذ إستراتيجية في الهجوم والتي تجعل الخصم يصعب عليه صد “الهجمة”. وعلى سبيل الذكر، أطرح سؤالا مشفرا؛ ألا تعرف أمينة بنخضراء مديرة الهيدروكاربورات بأن “عمر بوزلماط” قد تم سجنه على خلفية اكتشاف أكبر حقل بترول في العالم؟ ألا تعرف أن بوزلماط هو الذي أقدم على فك شفرة سراب بترول تالسينت؟ ألا تعرف بأنني قد حذرتها بكون حقل تندرارة قرب بوعرفة غير مجدي تجاريا ويجب مغادرته؟

ألا تعرف أن بوزلماط قد كان سباقا لاكتشاف حقلين بالساحل الشمالي ووضح أنهما ضعيفين جد، وأعلنت شركة “ريبسول” اكتشاف حقل ساحل العرائش، وقامت بعملية الحفر ثم هربت الشركة ! ألا تعرف أن عمر بوزلماط كان سباقا لاكتشاف حقل “ساحل الرباط” ومن ثم صنفته بغير المجدي،وبعدئذ أتت شركة “بتروناس الماليزية” وقالت بأن نفط المغرب في السوق بعد أربع سنوات، وبعد ذلك لاذت بالفرار !! ألا تعرف أن قضية تدفق بترول “تيفولتوت” واستقدام خبراء أجانب ومن ثم الصمت المطبق، وعاد بوزلماط لفك شفرة بترول “تيفولتوت” ومن ثم كشف عن حقل ثان بالمناسبة، حيث يمتد من المدخل الشرقي لورزازات حتى قرية إدلسان بمساحة 100 كلم2 وقابل للاستغلال وتمر فوقه الحافلات والسيارات والمارة ! والقائمة طويلة جدا.

فإذا كانت مديرة “الهيدروكاربورات”، ووزراء الطاقة والمعادن المتعاقبين لا يسمعون ولا يتجاوبون، فهذا سيعني أنهم مجرد موظفين، ليست لهم اليد الطولى لأخذ القرار، وأنا لا ألومهم لكوني أعرف أنه لا سلطة لهم على بترول المغرب إطلاقا، ومما يزيد تأكيدا ذلك هو أنه يوم تعديل الحكومة الحالية، تم استوزار أشخاص آخرين بوزارة الطاقة، حيث أضافوا وزيرة منتدبة مكلفة بالماء، ووزيرة منتدبة مكلفة بالبيئة، ولا منصب وزاري منتدب مكلفة بالبترول، وكأن البترول ليست بالسلاح الإستراتيجي بامتياز، وكأن البترول ليس بمحرك دولاب الكون، وكأن البترول ليس بموجه السياسة العالمية. أضف إلى ذلك، أن كلمة بترول غير مدرجة لا في تسمية “وزارة الطاقة والمعادن” ولا مديرية الهيدروكاربورات، وهذه المعطيات كافية لاستدراج من يريد أن يرد، لكن ثق بي ليس هناك من يرد، لأن كلام الحق يقابله صمت القبور.

5- ولكن إذا خصصت الحكومة قطاعا وزاريا للبترول، فهذا يعني ضمنيا أن المغرب دولة نفطية، والواقع عكس ذلك حتى الآن، ألا ترون أن التسرع في تسمية قطاعات وزارة خاصة بالبترول يمكن أن يخلق ضجة كتلك التي خلقت إبان عهد الحسن الثاني؟

سؤالكم يحيلنا أوتوماتيكيا على وجهين منفصلين، فهنا إما أن المغرب لا يريد “البترول حاليا” لذا تعمد عدم تسمية “قطاع النفط” بالاسم،. وإما أن نشفق عليه، ونقول “عدم اكتشاف النفط” كان وراء عدم تسمية “القطاع”. فهذا يخرج عن جادة الصواب، فطالما أن المغرب يحفر بعض آبار الغاز بالغرب وأخرى بمنطقة “مسقالة” قرب الصويرة، وطالما تتواجد أكثر من 30 شركة نفطية على أرض المغرب، وطالما أن شريط المغرب يمتد على مسافة 3500 كلم، ويتوفر على براري وصحاري شاسعة، فكان الأجدر إنشاء وزارة البترول، حتى تركز جميع خدماتها بالشؤون النفطية، وتحسم في رخص الإستكشاف، أو على الأقل أن تتكلف بعرض الرخص بالمناقصة، فهو ملف استراتيجي لا يمكن ربطه “بعدم تدفق النفط”، لأنه حاليا، قد تم منح حصة 75/100 للشركات الأجنبية، وهو ما يمكن اعتباره بمثابة تبديد بالغ الخطورة لمستقبل نفط المغرب، وأعني بذلك أن المغرب سيعيش فترة نهاية عصر النفط قبل تدفقه، وحينما يتدفق، ويفكر المغرب في إنشاء وزارة النفط، يكون قد دفع بهذه الثروة إلى مهب الريح، ولم يتم تحسين تدبير شؤونه سابقا، وختاما، أجدد السؤال لماذا تم رفض إنشاء وزارة البترول بالمغرب؟ في حين أن المغرب ثري نفطيا بلا جدال. فهل نطلب رخصة من “الفيفا” أم أنها سوف ترفض أي اجتماع يتعلق بإنشاء وزارة النفط!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *