آراء

أشكال الانتقال الديمقراطي

ميز صاموئيل هنتغتون بين أربع أنماط لعمليات الانتقال الديمقراطي في النظم التسلطية، وهي التحول والتحول الإحلالي، ثم الإحلال، وأخيرا التدخل الأجنبي.

– التحول: يتم تمييز التحول في عملية الانتقال الديمقراطي على أساس مبادرات، يكون مصدرها النظام التسلطي نفسه، دون تدخل أي جهة كانت ونخص بالذكر المعارضة أو الشعب، وحسب هنتغتون فإن هذا الشكل من الانتقال الديمقراطي، عادة ما يتخذ شكل ديمقراطية محدودة، حيث تتمركز السلطة والقوة في يد نخبة محدودة، وتكون الأولوية للمصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة، وهذا ما كان معمول به في مختلف التجارب الانتقالية.

– التحول الإحلالي: نتحدث عن التحول الإحلالي، عندما تكون هناك مبادرة مشتركة بين النخب الحاكمة والنخب المعارضة، حيث توجد مصلحة مشتركة بينهما وعادة ما يكون الهدف من هذه العملية حل نزاعات وتدعيم نفوذ النخبة لضمان الاستقرار السياسي بعد المرحلة الانتقالية .

– الإحلال: تنتج عملية تحول الديمقراطي نتيجة النمط الإحلالي في الغالب، عن عجز النظام التسلطي في مواجهة أزمة وطنية خطيرة، مما يعرض النظام لضغوط كبيرة من المعارضة الشعبية، في الوقت الذي تكون فيه النخب ترغب في الخضوع للإرادة الشعبية الغاضبة. وحسب هنتغنتون –دائما- فمن غير المحتمل أن يستقر النظام الديمقراطي، وفقا لهذا النمط الإحلالي فإمكانية عودة النظم التسلطية بأشكال جديدة ومختلفة، تظل قائمة .

– التدخل الأجنبي: يتعلق الأمر هنا بتدخل قوى أجنبية في عملية الانتقال الديمقراطي، ولا يرتبط الأمر فقط بالتدخل العسكري المباشر، بل أيضا على مسألة الإعانات التي تمنحها دول أجنبية التي تمنحها منظمات دولية، فيكون تأثيره على عملية الانتقال بشكل غير مباشر، وربما أقرب مثال على ذلك التدخل الأمريكي في العراق والذي جاء تحت مظلة الديمقراطية.

وغالبا ما كانت هذه الإعانات تتخذ شكل دعم أو تحفيزات لبعض دول العالم الثالث وفي نفس الوقت، تشكل ضغط على هذه الأنظمة التسلطية لتحريكها في اتجاه الليبرالية الاقتصادية والسياسية والديمقراطية الليبرالية .

رغم المساعي الجادة من طرف الدول المتقدمة لبناء أنظمة ديمقراطية، وإنجاح مسلسل الانتقال الديمقراطي عن طريق المساعدات المالية والدعم بالتوجيه والأفكار إلا أنها لم تنجح بعد في تحصيل نتائج معقولة أو مشجعة.

والمشكل هنا لا يرتبط بحجم الإعانات، بقدر ما يرتبط بالفكرة نفسها ومدى قابلية هذه المجتمعات لتحقيق الانتقال من وضع إلى وضع آخر. كما أنه ليس من المنطقي أن نستنسخ من التجارب الغربية نسخا عربية، وحتى إذا ما تم ذلك، فحتما لن يدوم ولن ينعم بالاستقرار، لا لشيء، فقط لأنه ليس من الواقعي فرض خيرات سياسية على نخب أو أنظمة لا تجد في هذه الخيرات ما يناسبها. فالبناء الفعلي للديمقراطية يكون مصدره الشعب، انطلاقا من رغبته في التغيير، والاعتقاد التام بمبادئ الديمقراطية بالإجماع داخل المجتمع، فكلما كان الانتقال الديمقراطي خيارا جماعيا وقناعة وطنية، كلما كانت نسبة نجاحه أكبر.

إن الاضطلاع على تجارب الدول في عملية الانتقال الديمقراطي، يوحي إلى أن هناك أشكال متعددة، وهذا راجع إلى مجموعة من العوامل المؤثرة، كنظام الحكم، أو الثقافة السياسية أو دور الفاعلين السياسيين عموما في تحريك عجلة الديمقراطية.

فالمناخ السياسي السائد ومدى قابليته للتحاور ومدى إيمانه بالتعددية بما فيها المعارضة، هو الفاصل والمحدد بين الانتقال السلمي التشاركي بين مختلف مكونات المجتمع إما بالإقناع أو بالاقتناع. وإما انتقال أحادي عن طريق التظاهرات والثورات لإسماع الصوت الذي يزعج النخب التسلطية، والتي لا ترغب في سماعه. وانطلاقا من هنا سنحاول التعمق أكثر في مسار الانتقال الديمقراطي وأشكاله. ونذكر منها: الخروج من حكم الاستعمار إلى الحكم الديمقراطي المباشر، الانتقال التدريجي من نظم حكم الفرد أو القلة إلى نظم حكم تقوم على أسس ديمقراطية، والانتقال يتم بعدة طرق، إما عن طريق التفاوض، أو بقيادة الإصلاحيين داخل النظام أو عبر التظاهرات التي تقودها المعارضة .

– الخروج من حكم الاستعمار إلى الحكم الديمقراطي المباشر:

ويكون الانتقال هنا نتيجة مباشرة لتضافر عامل الإرث الاستعماري، وأيضا لتقارب مختلف الرؤى بين مختلف التوجهات الوطنية التحامها على أساس واحد، وهو يسلك الطريق مباشرة إلى الديمقراطية. من بين ما يخلف المستعمر وراءه مؤسسات بيروقراطية وقضائية، وبعض صور التمثيل النيابي، وزرع قيم التوافق والثقافة الديمقراطية. الأمر الذي ساعد على ظهور مؤسسات ديمقراطية فعلية، وعاملا أساسيا للتسريع من وثيرة الانتقال الديمقراطي.

– الانتقال التدريجي من نظم حكم الفرد أو القلة إلى نظم حكم الديمقراطية:

من الواجب هنا، التمييز بين الانتقال عن طريق الإصلاحيين والانتقال عن طريق التفاوض، وفي كلا الحالتين، فإن الانتقال يتوقف على مراحل منها مرحلة ضعف النظام السياسي القائم وعلى أنقاض هذا الضعف يبرز جناح إصلاحي جديد يمهد بدوره لمرحلة الانفتاح، ويؤسس لمرحلة الانتقال الديمقراطي.

– الانتقال عبر التظاهرات والمعارضة:

على خلاف الانتقال الديمقراطي السلمي قد تتخذ هذه العملية شكلا آخر يتمثل في المظاهرات والثورات تحت قيادة المعارضة، التي تستغل الوضع السياسي القائم لتمارس مختلف الضغوطات لتحقيق الانتقال الديمقراطي.

خارج هذا التصنيف يمكن أن نجد أكثر من نمط للانتقال الديمقراطي، لأن العملية تبقى نسبية، ولا يمكن أن نجد لها قالبا موحد بطبع خاص، فقد يتم الانتقال عبر إصلاحات اقتصادية، اجتماعية، مؤسساتية، أو قانونية، وبالتالي، فالأمر يتعلق بمجموعة من الانتقالات في تجربة واحدة، والانتقال الاقتصادي يكون مثلا بالانتقال من النظام الشيوعي إلى النظام الديمقراطي التعددي، والاقتصادي الليبرالي، كما هو الشأن بالنسبة ل “بولونيا”، إن صعوبة الانتقال الاقتصادي من النموذج الموجه، إلى نموذج اقتصادي ليبرالي، يعتمد السوق الحرة، فهناك صعوبات داخلية في تكييف مؤسسات الإنتاج مع النظام الرأسمالي وهناك صعوبات على المستوى الخارجي في العلاقة مع الاقتصاديات القوية الأخرى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *