خارج الحدود

سقوط إمبراطور المخدرات “إل شابو” ينذر بعنف في المكسيك

لم يمنع قصر القامة جواكين غوزمان، المعروف بـ “إل شابو” أو (القصير)، من أن يصبح من أكبر وأبرز الرجال في المكسيك، تُنظم فيه أشعار يتغنى بها الفقراء في مسقط رأسه ببلدة باديراجوتو غرب ولاية سينالوا وغيرها من المناطق الجبلية المحيطة.

إنها أغنية تعبر عن خوفهم واحترامهم وإعجابهم بهذا الرجل الذي يأتي اسمه على رأس قائمة أبرز المطلوبين من تجار المخدرات في العالم.

ويتناقل البسطاء حكايات عن هذا الرجل تتضمن جيشه الخاص وقامته القصيرة وثروته ونساءه.

ويظهر اسمه سنويًا في قائمة أغنى رجال العالم التي تعدها مجلة (فوربس) لتجاوز ثروته المليار دولار مع أنه هارب من العدالة منذ ما يزيد على عشرة أعوام.

لكن رحلته الطويلة في الهروب من العدالة انتهت الأسبوع الماضي بعد إلقاء القبض عليه في مدينة سينالوا القريبة من مسقط رأسه بالبلد الذي صدر إلى العالم أسوأ أباطرة المخدرات سمعة، إنه جواكين غوزمان ليورا.

يقول إيوان غريللو، مؤلف كتاب (إل ناركو) الذي يتضمن دراسة تتناول أعماق عالم عصابات المخدرات بالمكسيك، “أعتقد أن إل شابو أصبح أشهر أيقونة ورمز تاجر المخدرات في العصر الحديث.”

وأضاف غريللو إن إل شابو “تجاوز المكانة التي احتلها ميغيل أيجل فليكس غالاردو، أكبر تجار المخدرات في ثمانينيات القرن الماضي، الذي عمل لحسابه عندما كان صغيرًا. وذهب أيضًا إلى حدود أبعد من ذلك بكثير على مدار السنوات الست أو السبع الأخيرة عندما تحول إلى تاجر المخدرات الأشهر في العالم وتبوأ مكانة بارزة كزعيم للصراع الحالي بين عصابات المخدرات.”

ولكن ما الذي جعل ابن راعي الماشية الأُمي بهذه البراعة في إدارة التدفق غير المشروع للكوكايين والهيروين والماريغوانا إلى الولايات المتحدة؟

ووصفت مجلة (بروسيسو) المكسيكية المرموقة غوزمان مؤخرا بأنه “الزعيم الذي نجح في تحقيق الاستغلال الأمثل للحراك الدولي لتجارة المخدرات في العالم.”

يُعد القبض على أكبر تاجر مخدرات في العالم إنجازًا سيُضاف للرئيس المكسيكي الجديد

وكان أول ظهور له في عالم تجارة المخدرات في أواخر سبعينيات القرن الماضي عندما التحق بعصابة غوادالاخارا. وارتفع شأنه بسرعة بين أفراد العصابة بعدما اعتاد الضغط على رؤساءه لتداول كميات ضخمة من المخدرات وتهريبها بنجاح.

وقال الكثيرون من متابعي مشواره مع عالم المخدرات إنه كان يتبع طرقا مبتكرة في نقل المخدرات إلى الشمال.

وعلى المستوى الدولي، ارتفع شأن إل شابو في عالم المخدرات وكون عصابته الخاصة المعروفة بعصابة سينالوا، كما اتسع نطاق نفوذه ليمتد إلى أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

وقال غريللو إن الفهم الجيد للعولمة واستغلالها أفضل استغلال لم يكن هو وحده ما جعل من غوزمان أكبر أباطرة المخدرات في العالم.

وأضاف :”الإتجار في المخدرات عمل جماعي، فالأمر أكبر من قيام شخص واحد بتهريب كل الكمية. فهناك المئات بل الآلاف الذين يعملون لدى عصابة سينالوا منهم البارعين في متابعة سوق المخدرات في الولايات المتحدة وآخرون يحصلون على الكوكايين بأسعار مخفضة من كولومبيا ومنهم أيضًا من يجلب الكريستال ميث (الميثامفيتامين) لخلط الهيروين والماريغوانا بغرض البيع.”

ورجح غريللو أن تكون البراغماتية التي تعامل بها إل شابو مع عالم المخدرات هي التي أوصلته إلى تلك المكانة. وجاءت قدرته على التربع على عرش ذلك المجال من خلال العنف الذي تمكن من خلاله النجاة من العنف الشديد الذي كان يواجهه.

كما كانت الهالة الأسطورية التي أحاط بها نفسه عاملًا آخرًا من العوامل التي أسهمت في توسيع دائرة شهرته في أمريكا الجنوبية، حسبما أضاف غريللو.

ووصلت شهرته وصورته الأسطورية إلى الحد الذي جعل العصابات في دول أخرى تسعى دائمًا لربط أسماء منظماتها الإجرامية باسم عصابته في ضوء معرفتهم بأن الارتباط باسم “غوزمان ليورا” كان له وزنه في عالم الجريمة الخفي.

ونجح إل شابو في أن يحصل على ولاء كل من يعملون معه وغيرهم من أبناء المجتمعات المحلية في سينالوا ودورانغو وشيواوا. ومع ذلك، يرجح غريللو أن أغلب الحكايات التي تتردد عنه مضللة.

وأضاف “أحيانًا تطغى الأسطورة على الواقع، لكنه ليس بتلك القوة التي تصورها الحكايات. فعلى سبيل المثال، لم يتمكن من السيطرة على ولاية تاماويلباس بشمال شرق المكسيك وكانت المعارك تدور باستمرار بينه وبين منافسيه في جميع أنحاء البلاد.”

أبعاد سياسية

وللقبض على إل شابو بعدًا سياسيًا. فمن الطبيعي أن يكون هناك انعكاس سياسي لسقوطه في أيدي السلطات المكسيكية، خاصةً وهو يعد أكبر تجار المخدرات في العالم. ومن المتوقع أن يرفع الإيقاع به أسهم إدارة الرئيس المكسيكي الجديد إنريكي بينا نييتو، ويزيد من شعبيته فلم يفلح أحد في القبض على هذا الرجل منذ هروبه الأخير من السجن عام 2001.

وتُعد الإطاحة بمثل هذا الرمز من رموز الجريمة العالمية من الأشياء التي يُتوقع أن يكون لها صدى إيجابي على المستوى المحلي وفي واشنطن.

لكن هناك مخاوف عدة حيال تحول القبض على إل شابو من إنجاز سياسي إلى حدث أكثر دموية بالمكسيك، ولو على المدى القصير.

يقول غريللو :”سيكون للقبض عليه تبعات مدمرة.”

وأضاف :”من الممكن أن يتكرر النموذج الذي يدفع بسقوط الأب الروحي لعصابة ما إلى اقتتال بين أتباعها بغرض السيطرة عليها.”

ويرى غريللو أن الصورة قاتمة فيما يتعلق بمرحلة ما بعد إل شابو.

وأضاف :”من الممكن أن يؤدي ذلك إلى زلزال يضرب نشاط المخدرات في منطقتي شمال غربي المكسيك وساحل المحيط الهادي. وربما نرى بركانًا ثائرًا من العنف مع غيابه عن الساحة.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *