آراء

تأمـلات نقدية في تجربة الحكم لحزب «العدالـة والتنمية»

كان حزب «العدالة والتنمية» ضمن لائحة الأحزاب السياسية التي عقد عليها المغاربة أملا كبيرا، والدليل على ذلك أنه الحزب الذي شد انتباه معظم المواطنين في الانتخابات التشريعية الأخيرة، حتى صوتوا لصالحه في ظروف جد حرجة ووسط سخط عارم وغليان شعبي شديد… وذلك ثقة فيما كان ينشده ويعد به المواطنين عندما كان في تجربة المعارضة، من تنمية وعدل، ومحاربة للفساد، واهتمام بالطبقات الشعبية، وبأنه الحزب الذي لن ينحني…

والواقع، فقد كان حزب «العدالة والتنمية» يتخذ حضورا إيجابيا في المتخيل، وخصوصا في المتخيل الشعبي. حيث كان يلقى تتبعا واهتماما واسعا، بل وكانت حتى استضافة أعضاء فريقه في البرامج التلفزية والتصريحات الصحفية تحظى بحرارة التعاطف وعز النقاش، بعدما فقدت بريقها أخيرا بفعل التدابير والممارسات المجحفة والأداء غير الجيد.

الآن، لـم يبـق من عمر هذه الحكومة الحالية، سوى سنتين تقريبا، وتكون بذلك قد استنفدت مفعولها، وكونت لها صورة وحددت لها موقعا. فإما أنها ستستدرك في هذه المدة المتبقية من ولايتها أخطاء التسيير التي لم ترقى إلى مستوى التدبير، وإما أنها ستواصل نهجها لنفس السياسة الموصوفة بـ«العقيمة». وبذلك تكون نهاية ولايتها ميلادا لوفاتها.

صحيح أن التجربة السياسية لحزب «العدالة والتنمية» التي ما تزال مستمرة، كانت قد أحدثت جعجعة في بداياتها الأولى، والمتمثلة في الكشف عن اللوائح المستفيدة من اقتصاد الريع في مجال مأذونيات النقـل، ومقالع الرمال، والموظفين الأشباح، أما الطحين الذي لم نراه من هذه الجعجعة، فهو أنها اكتفت بتشخيص داء الفساد دون علاجه، وهو الأمر الذي فتح مجالا واسعا لاتهامات موضوعية تقول بأنها تحالفت مع الفساد بشحمه ولحمه من أجل البقاء على كرسي الحكومة. معنى أنها انتهجت «الردة السياسية» وهي العارفة بخطورتها، والمتمثلة في التحالف مع أحزاب سياسية كانت تتهمها من قبل أمام المواطنين بالفساد. فضلا عن تبريرها الآني لمجموعة من السياسات التي كانت تنتقدها بحدة في مهرجاناتها الاحتفالية وتعترض عنها من خلال حملاتها الانتخابية، ومن أهمها انتقاد مهرجان موازين وضرورة إصلاح القضاء… وما إلى ذلك.

ولعل القراءة الممكنة في هذا السياق، هي أن هذا التغيير السريع للأفكار والقناعات والمبادئ، سيولد نفورا وغياب الثقة في المشهد السياسي لدى المغاربة. وسيكرس ما مفاده أن مجال الأحزاب السياسية في المغرب، «مليء بالقنافذ التي لا يوجد فيها أملس». لكن، ما البديـــل إذن؟ وكيف يجب أن تكون اختيارات المواطنين مستقبلا؟

أثبتت التجارب السابقة، أن العزوف السياسي ليس حلا، فحزب على رأس الحكومة شر لا بد منه، لذلك فإن ما نقترحه هو البحث عن الحزب الأقل ضررا. وبتعبير المثل الشعبي: «اللهم نصف خطية ولا خطية كاملة». لأنه لو تأملنا في أداء وحصيلة حزب «العدالة والتنمية» لن نجدها أقل ضرر من حصيلة بعض الأحزاب السابقة، ذلك أنه في عهد هذه الأخيرة؛ عرف المغرب كوارث طبيعية متوالية تمثلت في الفيضانات التي كانت تنجم عنها خسائر وأضرار مادية واقتصادية وبشرية (خسارة القمح والخضر والحوامض، الماشية، والبنيات التحتية…) وهي عوامل كانت تثقل كاهل ميزانية الدولة. ورغم ذلك، فلم يكن يعرف المواطنون شيئا اسمه صندوق المقاصة أو زيادات مرتفعة بقدر الحدة التي نراها اليوم، حيث ارتفاع الأسعار قد أدى إلى «اختناق الطبقة الشعبية»، فزيادة في الحليب، وزيادة في المواد الغذائية، وزيارة في سعر المحروقات، تلك اشتدت تداعياتها على كل المجالات الحيوية المرتبطة بالإنسان المتوسط الدخل، من ارتفاع مصاريف التنقل.. وارتفاع أسعار الخضر وما إلى ذلك.

كذلك في ولاية بعض الأحزاب السياسية السابقة –مثلا- كان المعطلون من حاملي الشواهد العليا يُعنفون ويتعرضون للضرب بالعصا أمام البرلمان، إلا أنه بعد سنة أو سنتين أو ثلاث يتم إدماجهم في سلك الوظيفة العمومية، أما في ولاية الحكومة الحالية فإنهم يرون منها أشد العنف ومنهم من راح حريقا إلى دار البقاء بينما آخر كلام رئيس الحكومة هو «زمن التوظيف المباشر قد ولى» هذا مع أن المحكمة كانت قد حكمت لصالح المعطلين…

بهذا، فقد أبان الواقع والممارسة أن تجربة حزب «العدالة والتنمية» السياسية في الحكم تجربة تفتقد إلى الرؤية التبصرية والعمل الاستراتيجي. كما أبانت على أنه عاجز تماما عن محاربة الفساد والاستبداد الذي كان ينشده حينما كان في تجربة المعارضة.

*باحـث مغربـي

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *