ملفات

ضحايا الهدم بأكادير .. سنوات الضياع المستمرة

كانوا هناك يصرخون .. معظمهم من النساء، وحتى بعض الرجال الموجودين كانوا شعثا غبرا من أثر دنيا أنهكتهم .. أما الشباب فأندر من أسنان الدجاج .. فأنت لا يمكن أن تمر قرب مقر ولاية أكادير في الأيام الأخيرة، دون أن تلحظ تجمعا بشريا، أول ما يثيرك فيه تواجد عنصري نسوي قلما تجده في هذه الأماكن، وللمكان دلالته.. وحتى وإن حصل ووجدته، فلا بد وأن هناك أمرا ما.

هذا الأمر ليس إلا البحث عن مأوى لأسر بقيت معلقة بين مطرقة مسؤولين لم يوفوا بوعودهم وسندان واقع مرير، حكم بتشتت أسر، وترك أخرى رهينة البحث بكل السبل من أجل توفير أجرة آخر الشهر للمكتري، والتي كانت قبل حين تُوَفرها من أجل شراء بيت يحفظ ماء الوجه، أو على الأقل كانت توفرها تحسبا لدورة زمن أسود. لكن الجرافات كانت أسبق إلى كل تلك الأحلام والأمنيات.

تعود مشكلة هؤلاء إلى بداية 2004، عندما أعلنت الحكومة برئاسة إدريس جطو آنذاك في إطار البرنامج الوطني “مدن بدون صفيح” عن ثلاث مدن بجهة سوس ماسة درعة مدن بدون صفيح؛ ويتعلق الأمر بكل من مدينة أكادير وسيدي إفني وأيت عميرة. وتم العمل فعلا على تحقيق رغبة الدولة في جعل المغرب خاليا من مدن الصفيح في حدود 2007، غير أن الأمور لم تسر بما تشتهيه رياح سكان الأحياء العشوائية، حيت وجد بعضهم نفسه، في دوامة البحث بين الإدارات عن إجابات بزنطية لمصير ملفه.

مشاهد.أنفو استمعت إلى حكايات هؤلاء المعتصمين أمام ولاية أكادير، لترصد الواقع الصعب الذي وُضِعوا فيه، سواء أولائك الذين تم ترحيلهم من دور الصفيح أو أولائك الذين تم هدم بيوتهم في ضواحي أكادير.

ضريبة الحسابات السياسية

على الرغم من أن السياسة التي سنتها الدولة المغربية منذ عدة سنوات، والتي تقضي بمحاربة مدن الصفيح وتشجيع المقاولين العقاريين على بناء مدن سكنية لائقة وبأسعار جيدة، فإن ذلك لم يسهم كثيرا في تقليص بؤس الضواحي. حيث ساهمت عدة معطيات، منها ما يدخل في إطار المضاربات العقارية ومنها ما يدخل ضمن الحسابات السياسية التي يرى بعض المنتخبون أنها بمثابة ورقة رابحة كلما اقترب أي استحقاق انتخابي، في تفشي البناء العشوائي وغير القانوني.

لم تسر الأمور بما تشتهيه رياح سكان الأحياء العشوائية، حيت وجد بعضهم نفسه، في دوامة البحث بين الإدارات عن إجابات بزنطية لمصير ملفه

فاطمة (اسم مستعار) سيدة في الخمسينيات من عمرها تحكي لـ”مشاهد.أنفو”، وهي تقسم بأغلظ الإيمان أن طارق القباج عمدة مدينة أكادير، قد زارهم في عز الحملة الانتخابية لاستحقاقات 25 نونبر من العام الماضي، وخاطبهم قائلا: “غير بنيوا وخليوا 8 ميترو ديال الزنقة و6 ميترو على الطريق ومكانش للي يدوي معاكم..غير نتوما وقفوا معايا أُو حتى أنا نوقف معاكم”، تصريح هذه السيدة والذي يعتبر بمثابة اتهام صريح للقباج في تشجيع البناء غير القانوني، زكاه عدد من المواطنين الذين كانوا حاضرين في المعتصم.

وبلغة التأكيد يضيف عبد القادر، شيخ في الستينيات من عمره “نعم القباج زارنا وشجعنا على البناء، وهذا ليس بسر فالكل يعرف ذلك..”، وقبل ينهي كلامه صرخت سيدة أخرى قابعة خلف الرجل المسن؛ “القباج والباشا خرجوا علينا وخلاو ديورنا الله ياخذ فيهم الحق”، وتضيف والغضب يتطاير من عينيها “أنا كنت 8 سنين أو أنا كنجمع فالريال على خوه، ومللي بنيت ريبوها ليا” وتنهي كلامها وهي تدعي ” الله ياخذ الحق فللي كان سباب”.

شهادات لها ما يعززها

أقوال هؤلاء الشهود حول مساهمة رؤساء الجماعات والمتخبين في انتشار البناء غير القانوني لها ما يدعمها في تقرير رسمي أعدته لجنة التعمير المعروض خلال أشغال الدورة الاستثنائية لمجلس جهة سوس ماسة درعة نهاية السنة الماضية، والتي اتهم من خلالها ممثل عن الوكالة الحضرية رجال السلطة والمنتخبين بالتستر على البناء العشوائي بجميع أقاليم الجهة، وذلك عبر تسليم شواهد عدم التجزيء لحيازة العقارات، والتغاضي عن البناء غير القانوني، وتسليم الشواهد الإدارية من طرف رؤساء المجالس، مما ساهم بشكل كبير في انتشار البناء العشوائي.

وتبدو ظاهرة البناء العشوائي كأنها إشكالية مستعصية على الحل، رغم كل الجهود، فما إن يتم هدم حي صفيحي، حتى تنبت أكواخ أخرى، لتنتشر مثل نبات الفطر، متحدية الجميع، لدرجة أن أعلى سلطة في البلاد، وهي التي حذرت مرارا من خطورة تنامي السكن الصفيحي والعشوائي، عبرت عن استغرابها للأمر.

القباج زارنا وشجعنا على البناء، وهذا ليس بسر فالكل يعرف ذلك .. خرج علينا الله يأخذ فيه الحق!

يقول محمد السادس في ذكر تربعه على العرش سنة 2003: «البناء العشوائي لم ينزل من السماء، ولم ينتشر في الأرض بين عشية وضحاها. بل إن الكل مسؤول عنه. وذلكم انطلاقا من المواطن الذي يدفع اليوم رشوة لمسؤول، قد يأتي غدا بالجرافة، ليهدم “براكته” أمامه، إلى مختلف السلطات العمومية والجماعات المحلية المتهاونة في محاربة انتشار مدن الصفيح، بدل التشجيع على توفير السكن اللائق« .

سنوات الضياع المستمرة

كل من استمعت إليهم “مشاهد.أنفو” من المتضررين من إعادة إيواء الأحياء الصفيحية وضحايا الهدم والمعتصمين أمام ولاية أكادير، أجمعوا على أن حالهم في الأحياء الصفيحية كانت أفضل بكثير من الحالة التي يوجدون عليها اليوم، “لقد كنت أعيش مستورا في دار ارتهنتها رغم أنها لم تكن بالمنزل الذي أحلم به، ولكن بعد أن قاموا بتحطيمي منزلي في سفوح الجبال جعلوا من حياتي جحيما لا يطاق .. والله لو كنت املك قنبلة لفجرت الجميع..لقد دمروني وشردوني”، يقول سعيد وهو متزوج و أب لثلاثة أبناء.

سعيد يصرخ والزبد يتطاير من فمه “أنا الآن ممزق بين أسرتي التي تشتت وبين جحيم انتظار حل قد يأتي وقد لا يأتي .. لقد ضحكوا علينا وتركونا مشردين .. لقد أخرجوني في بيتي الذي انتقلت إليه بعد أن تركت الرهن وهدموه أمام أبنائي .. لم أعد الآن أعيش مع زوجتي منذ خمسة أشهر، فلا يوجد مكان يجمعنا معا، فأنا أقطن مع عائلتي وهي تقطن مع عائلتها وأولادي موزعين بين العائلتين”.

محمد وهو من ضحايا الهدم يستنكر ما وقع في إغير أضرضور قائلا “عيب ما فعلوا بنا .. حتى الشيطان لن يفعل ذلك .. لقد تركونا حتى أنفقنا كل مدخراتنا في بناء منازلنا وأتوا وهدموا كل شيء”. ويضيف محمد بلغة ملؤها الاستياء “إذا كانوا يعلمون أنهم سيقومون بهدم ما نقوم ببنائه فكان عليهم أن يستعملوا معانا القوة منذ أول يوم .. لماذا تركونا نبني أمام مرأى أعينهم؟ هل كانوا يخافون منا فعلا أم أنهم لهم مآرب أخرى في تركنا نبني كل تلك المدة دون أن يحركوا ساكنا؟،” يتساءل محمد بحرقة وهو يعلم آن أسئلته لن يتم الإجابة عنها.

هم يدعون أن هدم المباني العشوائية الهدف منه المحافظة على جمالية المدينة ولكن أليس ترك الناس هكذا مشردين بمنظر يأسف له قلب الناس

شهادة هذين المواطنين ما هي إلا غيض من فيض الشهادات المؤلمة والتي تكشف عن الجانب الآخر من المقاربة غير الناضجة في التعامل مع هذا الملف المزمن. تقول زينب (اسم مستعار) وهي إحدى الشابات القلائل التي وجدناها بين المعتصمين، “هم يدعون أن هدم المباني العشوائية الهدف منه المحافظة على جمالية المدينة ولكن أليس ترك الناس هكذا مشردين بمنظر يأسف له قلب الناس .. هل نحن لم نجد ما نفعله وجئنا هنا لنفترش الأرض ونلتحف السماء بدون سبب .. لقد شردونا ويتمونا .. هذا عيب كبير، عليهم أن يخجلوا”، كلام زينب ترك أثرا في نفس عبد القادر وهو يقول بصوت مرتفع “هم ينظرونا إلينا كحشرات .. هم ينظرون إلى الأراضي التي أقمنا فيها منازلتنا أحسن من كرامة الإنسان..”

مطالب ملحة

مطالب هؤلاء المعتصمين يلخصها أحد ممن يصف نفسه بممثل المجتمع المدني ورئيس جمعية، بتمكين السكان المتضررين من إعادة بناء منازلهم وتمكينهم من الحصول على الوثائق الإدارية اللازمة لقضاء مصالحهم، مع إيجاد حل عاجل لكل ساكنة هذه الدواوير عبر إعادة الهيكلة وإدماج المتضررين في برامج السكن الاجتماعي، كما يطالب ممثل المجتمع المدني المذكور، بإعادة فتح تحقيق شفاف فيما يخص ملف المتاجرة في السكن العشوائي الذي توبع فيه عدد من السكان، وإشراك الساكنة المعنية بالأمر في اتخاذ القرارات التي لها علاقة مباشرة معهم، والمطالبة باستفادة العائلات المركبة (المكونة من أكثر من أخ متزوج) وفتح تحقيق في التلاعبات التي شابت بعض ملفات الاستفادة وكذا ملفات تفريخ البراريك وتقديمهم للعدالة، كما يطالب هؤلاء بتمكين المتضررون من ترحيل الأحياء الصفيحية من بقع أرضية عوض شقق لا تلبي حاجياتهم ولا تراعي ظروفهم المادية.

وقفة احتجاجية أمام ولاية أكادير لضحايا الهدم وقفة احتجاجية أمام ولاية أكادير لضحايا الهدم وقفة احتجاجية أمام ولاية أكادير لضحايا الهدم وقفة احتجاجية أمام ولاية أكادير لضحايا الهدم وقفة احتجاجية أمام ولاية أكادير لضحايا الهدم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *