متابعات

حكومة بن كيران .. الشعب المغدور والإصلاح المهدور

مقال رأي:

كنت من الذين ينتظرون أن تقوم حكومة بنكيران بالوفاء لتعهداتها اتجاه الشعب المغربي، خاصة وأن الحملات الانتخابية التي قادها الحزب وجولات قيادييه في الأقاليم إبان الحملة الانتخابية التي سبقت انتخابات 25 نونبر 2011، كانت تحمل بعض الأمل في إمكانية قيام سياسة بديلة بالمغرب تقوم على الإصلاح وتطوير الاقتصاد الوطني وجلب الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال وتطوير التعليم وضمان التطبيب المجاني للجميع ووقف نزيه الأموال المهربة والاعتناء بأوضاع الجالية المغربية بالخارج.

كم خاب أملي وأنا اعتقد بان بن كيران والدستور الجديد يمكن أن ينقل المغرب من مرحلة إلى أخرى، وكنت مخطئا عندما اعتقدت أن مشاكل المغرب يمكن حلها بحكومة لها أغلبية عددية ولكنها ضعيفة التدبير والقرار والمبادرة. المشكل في المغرب أعمق من ذلك، المشكل فكري وسياسي وإيديولوجي أكثر منه مشكل تدبيري.

إلا أنه وبعد مرور حوالي ثلاث سنوات من حكم العدالة والتنمية استنتجت أشياء وغابت عني أشياء كثيرة الآن فقط عرفت أن الشتائم التي يوجهها بنكيران للقوى السياسية الأخرى ومنها حزب الأصالة والمعاصرة والاستقلال والأحرار قبل ذلك غير مبررة إطلاقا مادام أن الحكومة الحالية لم تستطع حتى أن تصل إلى مستوى حكومة عباس الفاسي فما بالكم بحكومة عبد الرحمان اليوسفي، على مستوى حماية الحريات الجماعية والفردية.

فالمغرب في السنتين الأخيرتين تراجع في كل المؤشرات الحقوقية الدولية؛ من صحافة وحريات نقابية وحريات التظاهر والتعبير.

سمعت بن كيران في أگوراي قرب مكناس يدعو إلى حل حزب “البام” وإلى محاسبة شباط وغيرها من المطالب التي يدغدغ بها أحلام أنصاره المحتشدين، والذين بدؤوا هم كذلك يسأمون من الخطابات الديماغوجية لرئيس الحكومة الذي بدأ ينتهج أسلوب المراوغة والسياسة بالمفهوم الرديء، أي النفاق لإقناع ناخبيه الذين يتناقصون يوما بعد يوم بالمؤامرة الكبرى التي يتعرض لها حزب العدالة والتنمية، وهي مؤامرة لا وجود لها بتاتا مادام رئيس الحكومة لديه جميع الصلاحيات الدستورية والقانونية لتفعيل برامجه الانتخابية وتنزيلها على أرض الواقع.

المؤامرة الحقيقية هي التي يحبها رئيس الحكومة ضد الشعب المغربي وهي التفقير الممنهج بدعوى إنقاذ الدولة من الإفلاس، كأن بنكيران هو الذي ينتظره المغاربة لكي لا يموتوا جوعا في المغرب.

المغاربة يا رئيس الحكومة لا يخافون من الفقر والإفلاس والبؤس مادام المغرب يستنير بإستراتيجية محمد السادس التي تجمع بين الحكمة التدبيرية والرؤية البراغماتية في العلاقات الدولية.

كان الوزير الأول عباس الفاسي صادقا عندما قال لما سئل عن البرنامج السياسي لحكومته إن خطابات الملك محمد السادس هي برنامجه، فلماذا لا يتواضع بنكيران ويعلن أمام الملأ بأنه فشل في تدبير المرحلة التي ابتدئها بخيانة مطالب 20 فبراير وسينهيها بخيانة مطالب جميع المغاربة السذج الذين ينتظرون من حكومة مستقوية على الفقراء ضعيفة أمام اللوبيات والمصالح.

ماذا ننتظر من حكومة لا يمر يوم أو يومين إلا سمعنا زيادة في الماء أو الكهرباء أو المازوط وهي مواد حيوية.

أما عن دعوة رئيس الحكومة بحل “البام” فجوابي له هو أن حزب الأصالة والمعاصرة حزب مغربي كباقي الأحزاب السياسية يجمع في أحضانه كفاءات سياسية وفكرية معتبرة وربما تفوق عدد أطر حزب العدالة والتنمية، كان بالإمكان أن يهرول إلى الحكومة ويحصل على مقاعد وزارية إستراتيجية لكنه اختار المعارضة خيارا مرحليا لهـ وقد حاول بنكيران خلال ثلاث محاولات وبواساطات كبرى إدخاله إلى النسخة الأولى والثانية للحكومة لكن كان خياره محسوما.

وللمغاربة أقول إن حزب الأصالة والمعاصرة كان بإمكانه عرقلة تشكيل النسخة الثانية من الحكومة لو أراد وعنده من الأوراق السياسية الشيء الكثير، لكنه اختار أن يترك الأمور تمر بسلام لمصلحة البلاد، و”البام” ليس جزء من الحكم حتى يحمله رئيس الحكومة مسؤولية ما يجري في المغرب من زيادات صاروخية في المواد الغذائية الأساسية وتردي كامل للخدمات الاجتماعية، وتراجع مهول في القدرة الشرائية واكتظاظ في السجون واحتقان اجتماعي غير مسبوق.

حكومة بن كيران تبحث عن مشجب تعلق عليها أخطائها وعجزها؛ فمرة “البام” وقيادييه ومرة أخرى تطعن في الذمة المالية للزعماء السياسيين المناوئين له، ولكن لا يملك بنكيران الجرأة السياسية والأخلاقية لفتح تحقيق قضائي في اتهاماته ووزير العدل والحريات المغدورة من حزب العدالة والتنمية، فمن الذي يمنع بنكيران من فتح تحقيق قضائي لمعرفة مصادر أموال شباط؟

حكومة بنكيران وتحديدا حزب العدالة والتنمية ضحى بالمكتسبات الأساسية التي حققتها حركة 20 فبراير وباع الحركة مقابل مناصب حكومية، بل سهرت حكومة بنكيران على تنظيم محاكمات جماعية للمناضلين المنتمين لحركة 20 فبراير فهل هناك خيانة لمطالب الشعب المغربي ولكفاح ابنائه اكثر من هذه الخيانة؟

المغاربة اليوم أدركوا بان بنكيران لصيق بالكرسي ومحب له إلى درجة الهيام، ويعرف بأن مصيره السياسي كأمين عام لحزب العدالة والتنمية انتهى وفق القانون الأساسي للحزب، لذلك لا يبالي بمستقبل الحزب ولا بشعبيته ولا بمستقبل البلاد والعباد.

بنكيران يعمل فقط على إتمام ولايته الحالية والاستفادة من امتيازاتها قدر الإمكان وقد تبين ذلك في قراراته اللاشعبية التي اتخذها تحت ذريعة الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية، فاغرق المواطن والبلاد في ديون لن يخرج منها المغرب إلى بعد سنة 2036 تقريبا حسب المحللين الاقتصاديين.

بنكيران وقد اقترضت هذه الحومة أكثر من 4 مليار دولار، بمعدل مليار دولار في كل سنة وهذا رقم قياسي لم يسبق لأية حكومة في المغرب أن حطمته، لذلك أوصى المغاربة بصنع حليب الدار ومقاطعة دانون وتزيار الصمطة، ولكن هل هذا هو برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وعدت به حكومة بنكيران الشعب المغربي؟

ألا يجب أن يستقيل بنكيران من الحكومة قبل أن يعرف المغرب احتجاجات واضطرابات قد تعصف باستقرارنا وأمننا؟ ألا يجب أن يعترف بنكيران بفشله ويدعو إلى انتخابات برلمانية سابقة لأوانها كما هو حال الحكومات الديمقراطية التي سرعان ما ترجع إلى شعوبها عندما لا تستطيع استكمال برنامجها الانتخابي؟

وإليكم أيها القارئ العزيز منجزات حكومة بنكيران:

على الصعيد الحقوقي:

اعتقال الفنانين والصحفيين والنقابيين وشباب حركة 20 فبراير ومنع عدد من الجمعيات والأحزاب من التراخيص القانونية.

على الصعيد الاقتصادي:

مديونية كبيرة وبطالة موسعة وارتفاع التضخم وانخفاض القدرة الشرائية وغلاء المعيشة وانحسار النمو الاقتصادي وانكباب الحكومة على رفع سن التقاعد والنيل من حقوق المتقاعدين واعتماد زيادات سريعة للأسعار.

على الصعيد السياسي:

– إنتاج لغة سياسية رديئة وتعطيل للدستور وللقوانين التطبيقية

– الفشل في احترام الأجندة التشريعية وتباطؤ في تنزيل المخطط التشريعي

– العجز الكامل عن إصلاح الإدارة والقضاء على الرشوة التي استفحلت في عهد هذه الحكومة.

حكومة بنكيران فوتت علينا جميعا فرصة الإصلاح والتنمية وأشبعتنا شعارات ومهاترات سياسية، وجعلت بلادنا تعيش مرحلة أزمة سياسية تنمو ككرة الثلج يوما بعد يوم.

وقد كان تفاؤل المغاربة بهذه الحكومة خاطئا لأنهم اعتقدوا أن الشعارات والتوافقات والترضيات ستصنع قطائع سياسية. في المغرب الذي يصنع التغيير هو القطائع المبنية على العمل الجاد وعدم تفضيل رئاسة الحكومة على كل شيء ومجابهة المشاكل الحقيقية للمغرب بجرأة ومسؤولية.

* باحث في العلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *