ثقافة وفن

رمضان بالعيون .. ماذا تبقى من عادات المجتمع الحساني التقليدية؟

تستقبل ساكنة العيون، كل سنة، شهر رمضان الفضيل في أجواء مليئة بالدفء العائلي والتكافل الاجتماعي، وهي تعيش بين سحر الحاضر وعادات المجتمع الحساني الضاربة في القدم.

ويتجسد حاضر المجتمع الحساني في تنوع وغنى موائدهه الرمضانية التي تنفرد بها أيقونة الصحراء، وما يزيدها سحرا هو الأطباق الرمضانية المتنوعة والشهية التي تؤثث موائد الإفطار، إذ تحرص البيوت المغربية من شمال إلى جنوب المملكة على أن يكون حساء الحريرة وجبة رئيسية مرفوقة بالشباكية ومختلف الحلويات والعجائن والتمور والسمك والبيض مشكلة على المائدة لوحة فسيفسائية.

ولا يختلف استقبال ساكنة حاضرة الصحراء المغربية لشهر الصيام عن غيرها من سكان المدن المغربية الأخرى، إذ يستعدون لرمضان أياما قبل حلوله وذلك باقتناء ما يلزمهم من حاجيات لإعداد مختلف أنواع الحلويات والأطباق الغنية لتزيين مائدة الإفطار.

غير أن لشهر رمضان بمدينة العيون طقوسا دينية وعادات اجتماعية متوارثة ضاربة في القدم ولا تزال راسخة على الرغم من التطور الذي شمل مختلف مجالات الحياة اليومية بالأقاليم الجنوبية، حيث صلة الرحم وزيارة الأهل والأقارب رغبة في خلق المرح وتقوية أواصر التآلف والمودة بين والأسر وتعزيز روح التكافل والتضامن الاجتماعي.

فبعد أداء صلاة العشاء والتراويح، يتجدد السمر الطويل وتقام الولائم بالدور (النوبة) بين الأسر والعائلات في شكل مجموعات بحيث تنتقل كل يوم مجموعة من الأسر إلى البيت الذي يأتي دوره.

ويسهر الرجال بمعزل عن النساء وهم يلعبون ظامة الشبيهة بلعبة الشطرنج، في شكل مسابقات تطبعها روح المنافسة والحماس وهم يحتسون كؤوس الشاي الذي يتم تحضيره وفق طقوس محلية ويتجاذبون أطراف الحديث لمناقشة ما استجد.

أما النساء فيتبارزن في لعبة السيك، وهي لعبة تقام، في بعض الأحيان، على كومة من الرمل وتأخذ شكل سنام جمل وتسمى ليبرا، حيث تتطلب ثمانية عيدان يقارب طولها 40 سنتيمترا وذات واجهة ملونة وخلفية ملساء أحادية اللون وأحجارا يتحرك بها كل فريق في اتجاه الفريق الخصم في محاولة لإخراج عناصره من دائرة التنافس.

وتتجسد مظاهر محافظة المجتمع الحساني على ثقافته خلال هذا الشهر أيضا من خلال تصنيفه لرمضان بحسب صعوبة صيامه، حيث يسمي العشر الأوائل منه بعشراية التركة (الأطفال) أو عشراية ركاب الخيل وفيها المرء قادرا على تحمل الصيام، وتسمى الثانية بعشراية أفكاريش أو عشراية ركاب لبل (الإبل) وهي مرحلة تتطلب صبرا إضافيا، فيما تسمى المرحلة الثالثة بعشراية لعزايز (المسنات) وتدل هذه المرحلة على مرور الوقت ببطء والإحساس بالتعب الناجم عن الصوم خلال الثلث الأخير من رمضان.

وبخصوص إعداد الموائد الرمضانية، فقد أبرزت السالكة بنت سويلم، وهي سيدة خمسينية تقطن بالعيون بعدما عاشت بالبادية الصحرواية تقاليد الصحراء، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الساكنة الصحراوية لا تزال تحافظ على ثقافتها الحسانية ونمط عيشها من أكل وشرب خاصة خلال رمضان.

وأضافت أن وجبة الفطور في القرى الصحراوية تتكون بشكل عام من الحساء الأحمر المعد من دقيق الشعير أو الأبيض المعد من الحليب والشعير المحمص وتمر وحليب، على أن يكون محور هذه المائدة قدح اللبن الطازج أو ما يطلق عليه بالحسانية الزريك وتتناقله الأيدي حسب موقع جلوس الصائم من اليمين إلى اليسار.

وأشارت إلى أن إحدى وجبات رمضان، سواء بالقرية أو المدينة تكاد لا تخلو من كبد الإبل المشوي على الفحم أو مطبوخا في الماء من دون توابل متبوعا بصينية الشاي أماعين أتاي حيث يتم إعداد كؤوس الشاي الثلاثة، مضيفة أن الأسر الصحراوية تحرص على أن يكون الشواء من لحم الإبل وأن يكون السحور وجبة خفيفة تتكون من بلغمان، وهو عبارة عن حبوب زرع يتم تحميره وطحنه ثم يتم طهيه في الماء الساخن والمحلى بالسكر.

وخلصت السيدة السالكة إلى أن العديد من الأسر الصحراوية أصبحت اليوم، بحكم التمدن، تساير التطور الثقافي من حيث تقديم الوجبات الرمضانية التي تشمل الفطور والعشاء والسحور، مشيرة إلى أن هذه الموائد لا تختلف من حيث الكم والكيف عن تلك التي يتم إعدادها بشمال المملكة.

وتعرف مدينة العيون قبيل صلاة المغرب خلال الشهر الفضيل حركة دؤوبة خاصة بالأسواق والمحلات التجارية لشراء المستلزمات، أما بعد صلاة العشاء والتراويح فهي من اللحظات التي تستهوي أهل المدينة وزائرها حيث تدب الحياة من جديد خصوصا وأن ليالي العيون تتميز بشكل عام بالرطوبة المعتدلة والرياح الباردة، وهو ما يجعل الناس يرتادون ساحة المشور السعيد وساحة الفلاحة وشوارع مكة والقيروان وإدريس الأول والسمارة وسوق الرحيبة للترويح عن النفس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *