آراء

ضدا على ثقافة السحل واللا اعتراف

مفتتح القول

يأتي مقالنا هذا في سياق الرد على ما قاله الأستاذ “الأنثربولوجي” عبد الله ابروز، بصدد شخص السوسيولوجي الدكتور عبد الرحيم العطري، في إحدى مقالاته الصادرة يوم الأربعاء 23 يوليوز 2014، بعدد من الجرائد الإكترونية، والتي اختار لها عنوانا يعبر من حيث مبناه ومعناه عن ادمانه لثقافة السحل، ومنطق اللا اعتراف، عنوان من الناحية اللسنية يحمل من التهكم، والاستهتار، والاستفزاز، واللااحترام (باعتبار الاحترام قيمة انسانية يجب على حامل العلم التخلق بها اتجاه أناه السطحية والعميقة بلغة هنري برجسون واتجاه الغير بلغة امانويل كانط، فهي من أخلاقيات العلم وأهله) ما ينم عن حقد لاشعوري دفين في البنية اللاواعية والباطنية للأستاذ عبد الله أبروز اتجاه الفاعل السوسيولوجي الدكتور عبد الرحيم العطري.

مقال بلغة موبوءة تشير أكثر مما تومئ

إن المتمعن والقارئ المتفحص لا العابر، المُعْمِل للعين الثالثة بلغة نيتشه سيلحظ منذ عتبة المقال أن الأستاذ عبد الله أبروز من الطينة التي تناقش الأشخاص لا الأفكار، ومعلوم في المأثورة الشهيرة أن العقول الكبيرة تناقش الأفكار والعقول الصغيرة تناقش الأشخاص، وبهذا يكون الأستاذ أبروز قد موقع ذاته أنطولوجيا بشكل صريح.

فالعنوان الذي عنون به مقالته”عبد الرحيم العطري : سوسيولوجي أو شواف؟” طرح على صيغة اشكالية، لكي يبرز لنا من الوهلة الأولى أنه بصدد مقاربة اشكالية مستعصية على الفهم، كأننا به فيلسوفا من الطراز الرفيع، مع أنه نسي، أنه من حيث انتقد الدكتور عبد الرحيم العطري سقط ووقع، كأنه حفر حفرة له لكن شاءت الأقدار أن ينقلب السحر على الساحر. ما فتئ يضرب في اللاموضوعية العطريوية ــ على حد قوله ـــ وفي الأحكام المسبقة التي يصدرها، فأستبق التيار وأصدر الحكم منذ البدء، فكان ذلك خير دليل على حقده اللاواعي الدفين، لأنه بوعي أو بدون وعي فخخ سؤاله بجوابين محتملين، الأول : العطري سوسيولوجي، والثاني العطري شواف. فأنحاز بوعيه الشقي إلى الجواب الثاني (العطري شواف)، وكان الجواب الأول تمويها لغويا منه لا غير، كي يبدي للقارئ أنه ينطلق من المفارقة أو التقابل، فكانت هذه إحدى مفرقعاته التي على طول مقاله كان يسندها للدكتور العطري،موجها بذلك مقالهوراسما لنفسه طريقا، يحبك فيه خرافاته وأساطيره، وهو في يقظته التامة حول عمود السوسيولوجيا المغربية (العطري)، بل الأكثر من ذلك، أن القادم من خربشاته اللغوية الفاقدة للمعنى والدلالة، والموسومة بالإشارة لا العبارة (وهي لغة أدبية لأنها لغة اشارية أكثر مما هي عبارية وفق طرح الفيلسوف المنطقي المغربي طه عبد الرحمان)، لكافية بإبراز أحكامه المتسرعة واللاعلمية التي تضرب في النموذج الأخلاقي المثالي الفبيبري،وتشوش على شخصية رجل وجد له مكانا في الواقعي كما في الافتراضي (الفايسبوك).

بعد عنوانه المشحون بحكم (أي أن العطري شواف) لا يجب على ذي الانتماء العلمي الجهر به، بدأت شاعرية الأستاذ أبروز تتألق وتترصد الدكتور العطري، لكنها شاعرية فاحشة تشبه إلى حد ما شعر شاعرنا ابو نواس (الذي لا مجال لكي نقارنه بأبروز فالفرق كبير جـــــــــــــــــــــــــــــــــــــدا).

حبذنا أن نختار لكم القاموس الفاحش الذي استند إليه الأستاذ أبروز في تعاطيه للحلقة (المجاهرة بالإفطار في رمضان) التي دفعته إلى كتابة خربشاته تلك، لنبرز لكم قراءنا الأعزاء لا علمية ولا أخلاقية ولا أمانة ولا اعتراف الأستاذ أبروز بالرجل العمود سي العطري. وهذه نماذج عن قاموسه اللغوي الفاحشذلك :

خان العطري وظيفته السوسيولوجية، أتى (…) بنية الخيانة، السوسيولوجي بلا سوسيولوجيا، مارس التضليل، حاول العطري ايهامنا، سقوط ورقة التوت السوسيولوجية عن عورته الوعظانية ووجهه المخزني الكالح…

وهلم جرا من عبارات قدحية خالية من المعنى العلمي ومرسخة للمعنى العامي، ما يؤكد طرح الحقد الدفين للأستاذ أبروز اتجاه المدرسة السوسيولوجية العطريوية، الرجل على الأقل يحترم الغير ويقدره وخير دليل حجة “سوسيولوجي لالة ايمان” التي اوردها سي أبروز وهي حجة مغالطية من خلالها مارس السفسطة لا غير، لأنها تبرز مدى احترام الدكتور العطري لإنسانية الانسان عموما، وللمرأة المغربية خصوصا. ف “لالة” هي صفة عرفها أهل المغرب في زمن ستيني وسبعيني كان الرجل فيه يقول لزوجته “لالة عمارة داري”، فشكرا لك د عطري على لغتك الراقية لا المبتذلة.

دفاعا عن عبد الرحيم العطري

يعد العطري من الباحثين الاجتماعيين القلائل في المغرب الراهن، الذين فرضوا أنفسهم بالفعل لا بالقوة على حد تعبير رائد الفلسفة اليونانية أرسطو داخل الحقل السوسيولوجي المغربي، فالرجل أمسى فاعلا بالمعنى الوظيفي البارسنزي للكلمة، من خلال كتاباته المنهالة تباعا واحدة تلوى الأخرى، ما ينم عن رجل عظيم قادم بقوة من ذلك الهناك، من المغرب العميق المنسي في الهامش (الرحامنة).

رجل شاء أن يبزغ اسمه في قارة السوسيولوجيا المغربية المعاصرة، بعد مسار من التكوين النظري والميداني والمنهجي الرزين، تتلمذ فيه على يد عظماء (بتعبير كارل ياسبرز الفيلسوف الوجودي المسيحي) السوسيولوجيا ما بعد المرحلة الكولونيالية (محمد جسوس، رحمة بورقية، المختار الهراس، ادريس بن سعيد…).

الرجل عرف بإدمانه للحرف والسؤال، لا السَّحْل والنمنمة في الأشخاص، فالرجل يقرأ كثيرا ومؤشر ذلك أنه يكتب بغزارة، وسندنا في ذلك مقولة المفكك جاك دريدا التي يقول فيها “لما نقرأ نصا نكتب على هامشه نصا آخر”. معناه أن العطري قرأ متونا كثيرة، مكنته من تسلق السلالم المعرفية وبلوغ أرقى درجات العلمية. أضف إلى ذلك أن الإنسان يحيا فيه حتى النخاع، ما يؤشر على عالم انساني بامتياز، يدمن ثقافة الاعتراف (وهذا ما تجسد في مؤلفه الذي اختار له عنوان “مدرسة القلق الفكري: بورتريهات سوسيولوجية، الجزء الأول. الصادر عن اتحاد كتاب المغرب، 2013. الذي خصصه اعترافا واحتفاءً بأعمال وأبحاث مجموعة من العلماء والباحثين السوسيولوجيين المغاربة، مكرسا لثقافة الاحتفاء والاعتراف الحياتي لا الجنائزي، وضاربا منطق المحو والسحل عرض الحائط)، وينتصر للإنسانية، التي تعد شرطا من شروط الانتماء العلمي. وحجتنا في ذلك مشاركته في جملة من الحملات التبرعية عبر وسائل الإعلام لفائدة الفقراء والمعوزين، وكذا بعد مؤسسات العمل الاجتماعي، خصوصا في برنامجي “بدون حرج” و”تحت الصفر”.

ونقدم لكم أسفله ما أنتجه الرجل من كتابات في الميدان السوسيولوجي علها تقربنا من شخصيته:

– دفاعا عن السوسيولوجيا، دار بابل، الرباط، 2000.

– سوسيولوجيا الشباب المغربي، دار طوب بريس، الرباط، 2004.

– المؤسسة العقابية بالمغرب، دار الكتاب، بيروت، 2005.

– صناعة النخبة بالمغرب، منشورات دفاتر وجهة نظر، الرباط، 2006.

– الليل العاري، مجموعة قصصية، دفاتر الحرف والسؤال، سلا، 2006.

– القارة السابعة، دار عرابي للنشر، القاهرة، 2008.

– الحركات الاحتجاجية بالمغرب، منشورات دفاتر وجهة نظر، الرباط، 2008.

– تحولات المغرب القروي، دفاتر الحرف والسؤال، سلا، 2009.

– الرحامنة : القبيلة بين المخزن والزاوية، دفاتر العلوم الانسانية، الرباط / القاهرة، 2012.

– سوسيولوجيا الأعيان : آليات انتاج الوجاهة الاجتماعية، دفاتر العلوم الانسانية، الرباط / القاهرة، 2013.

– مدرس القلق الفكر : برورتريهات السوسيولوجيا المغربية، منشورات اتحاد كتاب المغرب، الرباط، 2013.

هذا بغض النظر عن مقالاته الغزيرة في العديد من الحقول المجتمعية، التي تكسر منطق الكاسط المعرفي أو الانغلاق والتقوقع حول الذات أو العلم الواحد، فالرجل منفتح على أصعدة بحثية مختلفة ومهتم بالقضايا اليومية لمغرب اليوم، إنه مثقف عضوي بالمعنى الكرامشي للكلمة او لنقل المثقف المتشاكس بلغة أستاذنا أحمد شراك.

ما فتئ العطري يتبنى الطرح الباسكوني تارة “علماء الاجتماع هم أولئك الذين تأتي الفضيحة عن طريقهم”، والطرح البوردويزي تارة أخرى “علماء الاجتماع هم أولئك الذين يفسدون على الناس حفلاتهم التنكرية”. لقد أضحى بهذا المعنى مفجر العلبة السوداء لمغرب اليوم، ومفكك شفرات وتضاريس المغرب القروي، مؤكدا انتماؤه القروي ولا انسلاخه القيمي والهوياتي.

هذا ويلاحظ أنه من الذين يقرأون النسق المجتمعي من الداخل بلغة محمد عابد الجابري لا من الخارج، بعين سوسيولوجية تركن إلى الملاحظة العلمية المنظمة، مصرة على اقتناص الظواهر التي تعتمل مجتمعنا بالفهم والتفسير والتأويل. ناهلا من الأمثال والقصص والحكايات الشعبية ما يساعده على تفكيك العقل المكون أو السائد بلغة الفيلسوف لالاند، الشيء الذي جلعه خبيرا بالطقوس والأعراف المؤسسة لوعي المغرب القروي الجمعي. وهذه بعض من عناوين مقالاته:

– هذه الحركة مارست نوعا من الاختراق لجميع الحساسيات الاجتماعية.

– ثقافة الاحتجاج المغربي.

– حركة 20 فبراير بالمغرب: عندما يربك الافتراضي حسابات الواقعي.

– أسئلة تفجير اركانة: حتى لا نعيد انتاج أخطاء 16 ماي.

– الارهاب مرة أخرى: فرضيات وفرضيات مضادة.

– هل دقت ساعة الرحيل؟: التراكتور في مفترق الطرق.

– ماذا بعد الهمة؟ : الأخطاء السبعة لحزب التراكتور .. الخ.

إن فضل الدكتور العطري لكبير على العلم المزعج بالمغرب، فقد كان من السباقين إلى إنزاله إلى الأرض كما أنزل سقراط الفلسفة ـــ بغض النظر عن الطريقة التي أنزل بها، والتي طبعا يجب أن تراعي قدسية العلم ــــ ، ساعيا بذلك إلى جمهرة وتعميم العلم الاجتماعي وايصاله إلى قاع المجتمع، حتى لا يبقى مقتصرا على خاصة الخاصة بلغة فيلسوفنا العقلاني أبو الوليد بن رشد ونخبة النخبة. ففي كل منزل مغربي ــ إن لم نبالغ القول ــ فرد بصيغة المذكر أو المؤنث يعرف من هو عبد الرحيم العطري ؟ وحتى من لا يتذكر اسمه يقول لك : مول الوجه البشوش والمنور أو ليكيعرف أهضر في بدون حرج…إلخ. وعند الكثير من الشباب نجد صفحته الاجتماعية الفايسبوكية لديهم، ما يؤشر على تواصله الجيد والفعال والفاعل.

إننا ندين للرجل بالكثير، في زمن لم نكن نسمع بعلم الاجتماع أو علم النفس أو الأنثربولوجيا، بل كان سباقا إلى تعريفنا بباحثين مغمورين ومهتمين بشؤون المجتمع المغربي، مخرجا إياهم من عتمة وصمت إعلامنا الذي يدمن هو الآخر كما مثقفينا الاعتراف الجنائزي.

منتهى مفتتح القول

منتهى القول أنه لا سبيل إلى الإنهاء أو الختم، فما دمنا في سياق ديموقراطي يسمح لنا بمناقشة الأفكار، فلا يجب علينا تجاوز ذلك إلى منطق العقول الصغيرة التي تناقش الأشخاص، ولا يمكننا أن نقول بالمطلق ونحسم، ففي كل مرة نجد أنفسنا منفتحين على أحواز من السؤال.

إن الحقيقة لا يملكها أي منا، فكل منا له مفتاح الحقيقة، وله الحق في تلك الحقيقة، لكن لا أحد يملكها، فالساعة المتوقفة في الساعة 12 تقول الحقيقة مرتين في اليوم، في الصباح عند توقف عقرب الساعة التي تشتغل عند 12 وفي الليل عند توقفها في 12.

لذلك لا يجب أن نكون من أولئك المثقفين الذين قال عنهم الأستاذ عبد السلام الفيزازي (يدرس حاليا بجامعة ابن زهر شعبة اللغة العربية) أنهم أكبر المنافقين، لنضرب منطق النفاق عرض الحائط، ولنكن من مدمني الاعتراف والاحتفاء، ولنكرس المبدأ العلمي الخلاق الذي دعى إليه قبلنا ألبرت اينشتاين، مبدأ إعمال العقل لا القلب، ولندع الحقد اللاشعوري جانبا، ولنبني نفسا ثقافيا جديد تعددي وحواري كما يقول أستاذنا عبد الرحيم العطري، ولتكن لغتنا راقية خالية من القاموس الفاحش.

لقد صدق المعلم كونفوشيوص الذي ما فتئ أستاذنا عبد الكبير الخطيبي يورد قصته مع الطالب المنغولي، التي يقول له فيها “أترك أثرا اترك أثرا”.

لقد ترك العطري أثره، وما يزال يتركه، ولو لم يترك أثره لما كتب أبروز مقالا بصدد أثره، فلتكمل المشوار ودرب ترك الأثر…أكيد يوم ما ستكون من الذين كتبوا التاريخ في نسقهم المجتمعي كما يقول السوسيولوجي المعاصر آلان توران.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *